هل أعادت إيران تفعيل الخط البري لتهريب السلاح إلى سوريا ولبنان؟

هل أعادت إيران تفعيل الخط البري لتهريب السلاح إلى سوريا ولبنان؟

قالت مجلة "وول ستريت جورنال" إن إسرائيل هي المسؤولة عن الغارة التي استهدفت قافلة السلاح الإيرانية بالجانب السوري من الحدود مع العراق، الأربعاء الماضي، والتي أوقعت عشرات القتلى والمصابين، وأدت إلى اندلاع حرائق هائلة مع انفجار مستودعات الوقود والسلاح التي كانت تتألف منها.

بداية، تحدثت وسائل الإعلام عن غارات مجهولة على قافلة لإيران وميليشياتها بمجرد خروجها من الجانب العراقي – معبر القائم - من الحدود مع سوريا قبل أن ينفي التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة مسؤوليته، وتؤكد "وول ستريت" مساء اليوم نفسه ما كنا نعرفه جميعاً عن وقوف إسرائيل خلفها، علماً أنها تأتي بعد فترة من توقف الغارات في سوريا بشكل عام وفي تلك المنطقة الحدودية بشكل خاص.

لقراءة الغارة ووضعها في سياقها السياسي الصحيح ثمة معطيات عدة ينبغي التوقف عندها، أولها التأكيد أنها إسرائيلية فعلاً قياساً للهدف والزمان والمكان، كما لتسريبات وقراءات واضحة صريحة تبنتها الصحافة العبرية، ونفى التحالف الدولي المسؤولية عنها، علماً أن هذا الأخير يقوم بأعمال دفاعية ردّاً على تحرشات الميليشيات الإيرانية شرق نهر الفرات وتحديداً في محيط حقل العمر النفطي شرق مدينة الميادين بعيداً عن المنطقة المستهدفة الأربعاء الماضي.

بدا لافتاً كذلك أن القافلة نفسها تشير إلى ورطة إيران وانسداد الآفاق أمامها واضطرارها لتفعيل الخط البري لتهريب السلاح إلى سوريا من أجل تموضعها الإستراتيجي هناك، كما إلى ذراعها الإقليمي المركزي في لبنان بعدما توقف لشهور طويلة ولأسباب عديدة منها الضربات الإسرائيلية المكثفة والمتتالية ضدها في منطقة صحراوية مكشوفة وبدعم أمريكي واضح وحتى روسي خفي للدولة العبرية في حربها ضد التموضع الإيراني في سوريا مع عدم ممانعة الانتشار بحد ذاته واقتصاره على الدفاع عن نظام بشار الأسد وحمايته ودائماً ضمن الخطوط الحمر المرسومة أمريكياً وروسياً وإسرائيلياً بحيث لا تتجاوز ذلك.

ثمة سبب آخر لتوقف الخط البري يتمثل بالتطورات السياسية في العراق خلال السنوات الماضية إثر الانتفاضة الشعبية ضد هيمنة إيران والميليشيات والعصابات المسلحة التابعة لها وهزيمتها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وقبل ذلك تولّي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة على وقع الانتفاضة وتحجيمه أو للدقة عدم تغطيته رسمياً للهيمنة الإيرانية بأبعادها المختلفة في البلاد، وأيضاً وفق الخطوط الحمر المرسومة أمريكياً.

أما في أسباب العودة الإيرانية لتفعيل الخط البري، فتمكن الإشارة إلى القصف الإسرائيلي للمطارات والموانىء في سوريا، والذي أوقف الخطين الجوي والبحري لتهريب السلاح والمستلزمات العسكرية، والذي يأتي أيضاً نتيجة تفوق إسرائيلي وانكشاف إيراني في غياب التغطية الجوية الروسية رغم أن طهران هي من توسلت واستنجدت بالاحتلال الروسي لسوريا، بينما طلبت موسكو منها صراحة الابتعاد عن الميناء والمطار والمؤسسات المدنية الحيوية الأخرى بمناطق سيطرة النظام الخاضعة للهيمنة الروسية.

في الأسبوع الأخير حصل تغيّر مهم إضافي يتمثل بتولي حكومة ميليشياوية موالية لإيران السلطة في العراق، رغم خسارتها الانتخابية والنقمة الشعبية ضدها، والمفارقة أنها أتت ضمن تسوية مباشرة مع أمريكا تضمنت كذلك تمرير الذراع الإيراني في لبنان "حزب الله" ترسيم الحدود البحرية وفق المصالح الإسرائيلية مقابل الاعتراف والإقرار بسلطته ضمن ما يشبه الحكم الذاتي المحلي، والإفراج عن أموال إيرانية مجمدة بأوامر أمريكية في كوريا الجنوبية، وهو أمر تجب قراءته بتمعن لجهة التساوق أو التنسيق الأمريكي الإيراني، الذي لا يمانع هيمنة طهران الإقليمية في الدول العربية، مقابل امتثالها لشروط وقواعد اللعب التي تحددها واشنطن وعقابها أو ضربها إذا ما حاولت التذاكي وتجاوز تلك الشروط والقواعد.

وفق المعطيات السابقة، سعت إيران إلى التجريب ومحاولة تفعيل الخط البري، وبدا لافتاً أن القافلة لم تقتصر على السلاح وإنما ضمت صهاريج وقود إلى حزب الله لضرب عصفورين بحجر، أولاً الادعاء أنها مدنية لا عسكرية، والثانياً استفادة الحزب من عوائد بيع الوقود لمواجهة الأزمة المالية التي يعانيها، كما حلفاء وأذرع إيران بالمنطقة، علماً أننا أمام تهريب موصوف وتجاوز للعقوبات الدولية ضد النظام الإيراني، وتفعيل خط تهريب بري للنفط-مع السلاح- بعد ضرب إسرائيل الخط البحري الطويل في البحر الأحمر أيضاً، والذى خُصص لصالح الأوهام التوسعية والأذرع الإقليمية، رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها الشعب الإيراني.

في السياق يتمتع الخط البري من وجهة النظر الإيرانية بميزة إضافية، تتمثل بنقل معدات ومستلزمات عسكرية ثقيلة، حيث من الصعوبة بمكان نقلها جواً، وذلك لتجديد البنى التحتية للتموضع الإستراتيجي في سوريا، بعد ضرب وتدمير إسرائيل 90 بالمئة منها خلال السنة الماضية.

إلى ذلك يسعى النظام الإيراني للفت الانتباه عن الانتفاضة الشعبية المتصاعدة ضده، ومحاولة شد العصب الداخلي بذريعة الصراع أو الصدام المستمر مع إسرائيل، وبالتالي شيطنة الانتفاضة نفسها واتهام الدولة العبرية بدعمها والوقوف خلفها.

بدا لافتاً أيضاً، أن قافلة التهريب غير الشرعية مرّت بهدوء من الجانب العراقي دون تدقيق أو مراجعة، في تعبير عن التغطية الحكومية الرسمية، وعدم إجراء أي تحقيق جدي في مستندات القافلة ولا في محتوياتها خاصة العسكرية منها.

غارة الأربعاء أـكدت مرة جديدة امتلاك إسرائيل معطيات استخباراتية دقيقة، حول تحركات ونشاطات المنظومة الإيرانية، بل ونجاحها في اختراق المنظومة بكاملها وبالطبع امتلاكها حرية حركة تامة بالمنطقة، علماً أن وسائل الإعلام العبرية قالت إن الغارة تمت بطائرات مسيّرة وفي منطقة بعيدة ونائية، على عكس الضربات والغارات القريبة في دمشق ومحيطها من الجولان ولبنان، وفي اللاذقية ومحيطها من البحر المتوسط.

إلى ذلك، لا يمكن تجاهل تعاون أمريكا أمنياً مع الغارات الإسرائيلية بينما تبدو بعيدة عن الصورة، وعلى الأغلب تقدم لها بانتظام معلومات محدثة كونها قوة الاحتلال القائمة في العراق، ولا يمكن كذلك استبعاد تعاون روسيا أيضا رغم التقارب الأخير مع إيران، لكنها لا تريد مزاحمتها في مناطق سيطرة النظام، إضافة إلى استمرار أو بقاء العلاقة والتنسيق الأمني مع إسرائيل، لتشجيع هذه الأخيرة على عدم دعم أوكرانيا عسكرياً، خاصة أن الطائرات الانتحارية وبقية الأسلحة الإيرانية الغبية، لم تُجدِ نفعاً ولم تؤثر على موازين القوى المختلة ضد روسيا هناك.

بدا نظام الأسد وكما العادة غير ذي صلة وكأنه ينأى بنفسه عن الأحداث، ولم يصدر حتى بيان استنكار للغارة التي استهدفت الأراضي السورية، أو يكرر العبارات الممجوجة عن الردّ في الزمان والمكان المناسبين، بينما ابتدع وزير خارجيته فيصل المقداد مصطلحات جديدة عن ضبط النفس والحكمة في عدم الرد على الهجمات والاعتداءات الإسرائيلية.

في كل الأحوال يعبّر المشهد برمته عن هروب موصوف ومستمر إلى الأمام، من قبل النظام الإيراني في محاولة يائسة لفرض هيمنته خارجياً، ولفت الانتباه عن مأزقه الداخلي المتفاقم، والتشاطر عبر القبول بتحديد الغزاة الأجانب –الأمريكان والروس والإسرائيليين -خطوط وقواعد اللعب، ثم محاولة القفز فوقها لجسّ النبض، وعند تلقيه العقاب والضربات يعود إلى ما كان وافق عليه أصلاً من قبل، كما رأينا في إيقاف الخط البري لتهريب السلاح والوقود إلى سوريا، وتشغيل الخطين البحري والجوي، ثم العودة الاضطرارية والمتذاكية إلى الأول بعد إخراج إسرائيل الخطين الآخرين من الخدمة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات