اتّبع نظام أسد سياسة "الترقيع" للحفاظ على ما تبقى من كوادر المؤسسات الحكومية التابعة له في مناطق سيطرته، على خلفية الأزمات الخانقة التي تعصف بتلك المناطق منذ سنوات، وأدت لهجرة معظم الكوادر والنخب الوظيفية خارج البلاد بسبب تدني الرواتب مقابل الغلاء المعيشي المرتبط بالأزمة الاقتصادية.
آخر فصول تلك السياسة المتّبعة حديثاً، كانت مرسوماً أصدره بشار أسد، اليوم، وينصّ على رفع سن التقاعد لكوادر الجامعات والهيئات التدريسية إلى (70 عاماً)، وتمديد التعيين للمتقاعدين في مؤسساته الحكومية لمدة خمسة أعوام، وذلك تعويضاً للنقص الحاصل في كوادر المؤسسات التعليمية.
وينص القرار الذي نشرته وسائل إعلامه الرسمية على إحالة أعضاء الهيئة التدريسية (الأستاذ والأستاذ المساعد) على التقاعد "عند إتمامهما السبعين من العمر"، وكذلك المدرّس "عند إتمامه الخامسة والستين من العمر"، مع إمكانية تمديد التعيين بعد الإحالة على التقاعد لعضو الهيئة التدريسية لمدة خمس سنوات على الأكثر، و"إبقاء عضو الهيئة التدريسية الذي يبلغ سنّ التقاعد خلال العام الدراسي لمدة أقصاها تسعة أشهر ولا تُحسب هذه المدة في المعاش".
وأضاف المرسوم أنه يجوز تعيين عضو الهيئة التدريسية بعد إحالته على التقاعد بتعويض إجمالي "يوازي الفرق بين راتبه ومعاشه التقاعدي مضافاً إليه التعويضات القانونية التي كان يتقاضاها قبل إحالته على التقاعد"، ويكون تعيينه لمدة سنة قابلة للتمديد إلى خمس سنوات، كما تطبق تعديلات المرسوم على أعضاء الهيئة الفنية (القائم بالأعمال – مشرف على الأعمال – مدير أعمال).
التعديلات الجديدة وفق المرسوم الجديد، جاءت لتعويض النقص الحاد في كوادر مؤسسات حكومة نظام أسد ولا سيما التعليمية، وحجزاً للأساتذة لسنوات إضافية في جامعات أسد ومنعهم من الذهاب للجامعات الخاصة التي تدفع رواتب جيدة، كما إن الوضع المتردّي دفع بالكثيرين من الكوادر والنخب للهجرة خارج البلاد أو رفض التوظيف، هرباً من الواقع "الجحيمي" الذي تعانيه تلك مناطق أسد.
أزمات متراكمة
وخلال الأشهر الماضية، شهدت مؤسسات حكومة أسد ظاهرة الاستقالات الجماعية بسبب تدني الرواتب والأجور وغلاء المعيشة والبحث عن عمل آخر "أكثر مردوداً" بحسب اعترافات الإعلام الرسمي ومنه صحيفة "الوطن" الموالية، التي نقلت في أيلول الماضي، عن مسؤولين في بعض المؤسسات أن سبب استقالة عدد كبير من الموظفين والكوادر العاملة هو "الفجوة الكبيرة بين رواتب القطاع العام والخاص"، وقال المسؤولون إن الموظفين حذّروا حينها "من أنه إذا لم تتحسّن الرواتب والأجور فسوف يتم إفراغ القطاع العام من الكفاءات والخبرات".
وكان عدد من أساتذة الجامعات والمؤسسات التعليمية التابعة لحكومة أسد، أبدوا رفضهم للقرار القاضي برفع سنّ التقاعد، مفضّلين الخلاص من التدريس في جامعات ميليشيا أسد، حيث لا يكفي ما يتقاضونه من أجر لتغطية نفقات المواصلات إلى الجامعة.
وأثار مشروع القرار الذي جرت مناقشته في برلمان أسد حينها جدلاً كبيراً بين الأوساط التدريسية، إذ اعتبره البعض محاولة لتغطية النقص الحاصل في الكوادر التدريسية وحجزاً للأساتذة لسنوات إضافية في جامعات ميليشيا أسد دون دعمهم مادياً، مقارنة بإغراءات التدريس في الجامعات الخاصة.
وقال أحد عمداء الكليات لصحيفة "الوطن" الموالية إن "التعليم لا يأتي بالفرض والإلزام"، ومن غير المنطقي إلزام أساتذة الجامعات بالتمديد، مقترحاً جعل الموضوع بشكل اختياري لشرائح محددة على الأقل.
انخفاض ملحوظ
وتشير بيانات الوزارة إلى أن عدد أعضاء الهيئة التدريسية في مناطق سيطرة ميليشيا أسد انخفض بنسبة 20% بين عامي 2011 و2020، بحسب ما ذكرت الدكتورة رشا سيروب، مشيرة إلى أنه خلال السنوات العشر الماضية تم الإعلان عن مسابقة واحدة فقط لتعيين أعضاء في الهيئة التدريسية.
ونقلت "الوطن"عن الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة دمشق عصام التكروري، قوله إن الأساتذة في الكلية لا يتقاضون أجراً على الساعات التي تُفرض عليهم فوق نصابهم، والتي تتجاوز 12 ساعة أسبوعياً، مضيفاً أنهم يُجبَرون على التدريس مجاناً بماجستير التأهيل والتخصّص، وأيضاً على تصحيح أول ألف ورقة من الأوراق الامتحانية، قبل أن يتقاضوا أجوراً رمزية عن ذلك بعد مرور مدة محددة على بدء تدريسهم في الكلية.
كما ذكر التكروري أن معدّل راتب الأستاذ الجامعي الشهري 220 ألف ليرة سورية، بينما تصل كلفة وصوله للجامعة إلى 300 ألف ليرة إذا استخدم سيارته بـ"بنزين مدعوم"، وأن الأستاذ الجامعي يتقاضى سنوياً مبلغاً لا يتجاوز 550 ألف ليرة عن تدريس سنة كاملة في التعليم المفتوح، وهذا ليس متاحاً للجميع، أما من يدرّس في الجامعات الخاصة، فتصل نسبة اقتطاع الضرائب من راتبه إلى 31%.
التعليقات (0)