مسرحية عن الجراد والمقداد وبثينة شعبان!

مسرحية عن الجراد والمقداد وبثينة شعبان!

يعود لولا دا سيلفا مجدداً إلى رئاسة البرازيل، ما زال بمقدور هذا الرجل اليساري الحالم تجديد أحلام ملايين المواطنين هناك بالانتعاش والرفاه، وفي إسرائيل يتجذّر اليمين السياسي برؤاه الضيقة في السلطة أكثر، ويصير وجهها المفهوم لنا سواء مع نتنياهو أو حتى من دونه، وبين ذاك اليسار وهذا اليمين يتقدم نظام دمشق باطّرادٍ منقطع النظير في سباق التوصيف السياسي، فلا هو يساري الوصف، ولا يميني، ولا هو مع إعادة توزيع الدخل الوطني توزيعاً عادلاً لا يتأفف فيه من صوابية معادلة الأرباح والأجور، ولا هو مع إعادة إحياء وصايا التلموذ الحويطة لإنشاء سوريا الكبرى من الفرات إلى النيل.

بالكاد يكفي هذا النظام بهجةً سيطرته على مجرى نهر بردى الملوّث بكرنفالٍ من النفايات، ويكفيه مفاخرةً بأنه حوّل مناطق سيطرته إلى محميّةٍ طبيعية تحوي صنفاً نادراً من البشر شديدي التأقلم والتكيّف الفيزيولوجيّ والنفسي، صنفاً انقرض مثيله من العالم، ولم يعد موجوداً إلا هنا، يمارس عليه النظام كل أشكال التجارب السريرية الممكنة، ولا يتفاجأ من أن ردَّ فعله يساوي الصفر تقريباً مع نهاية كلّ تجربة، وفي كلّ مرةٍ يختبره فيها!

كهرباء النظام المقبلة ضدّ الجراد! 

بعد زمنٍ وجيز سيصير قطاع الكهرباء هو المدخول الثاني من حيث الوفرة للأسرة الحاكمة في سوريا، بعدما استولت أسماء الأسد على مداخيل قطاع الاتصالات، وتركت رامي مخلوف جابي ذاك القطاع بهيئةٍ مزرية، وقد أطال لحيته البيضاء، وصارت مناماته تلاحق طيف ابن عربي في منطقة الشيخ محي الدين، ويتنبأ في صحواته المتقطّعة مثل مايك فغالي بنهاية العالم المخجلة، وما يلازمها من انتشار الشرّ والأوبئة والمجاعات.

أما رأس النظام فلا نراه يخرج إلا لتدشين كل ما له صلة بقطاع الكهرباء، حتى ولو كابد عناء السفر إلى حلب، فالاستثمار بالطاقة مُجزٍ للغاية، والكهرباء قطاعٌ اقتصادي واعد الربحيّة، إذ بدأ النظام يسمّنه على نحوٍ مدروس آملاً بمردوده الريعيّ العالي، بعدما أجاز خصخصته كما المتوقع، وسمح للقطاع الخاص بالدخول في عملية الإنتاج، والبيع بالسعر الحر على خطوط شبكة النقل في بلد لا يتجاوز فيه متوسط دخل الفرد عشرين دولاراً في الشهر!

سيختار النظام واجهات استثمارية ستدخل تباعاً قطاع توليد الكهرباء سواء بالوقود التقليدي أو بالطاقة المتجددة، لكنهم سيكونون مجرّد جباة على خطا مخلوف والقاطرجي من قبلهم، وستلاحقهم اللعنة ذاتها، لعنة التعرية والتحجيم والعزل إن خرجوا عن طاعة مشغّلهم ووليّ نعمتهم، وهذا الأخير يستطيع بسهولة أن يصف المعارضين له بالجراد، كما فعل في آخر تدشينٍ كهربائي ظهر فيه. معارضوه إذاً جرادٌ، أكلوا البلاد بأخضرها ويابسها، مثلما كان معارضو معمر القذافي جرذاناً ذات يوم، أما هو فسيعيد تعمير سوريا بمنطق الزاهد المتواضعِ المتعظِ من لعنة الخراب التي صمّم شكلها الهندسي، وأشرف على تنفيذه بنفسه، مراهناً ببقائه على تبعات التناقضات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالملف السوري، وكيف أنها ستصير سيولة نقدية تدخل حسابه البنكي ذات يوم.

متلازمة الوجهين المشرقين للنظام!

كلُّ ذلك لم يمنع فيصل المقداد وزير خارجية النظام طيلة الفترة السابقة عن البحث بدأبٍ استثنائي، ومستعيناً بنظرية ميكانيك الكمّ تحديداً عن التفسير الوحيد والمنطقي لعدم ردّ نظام بلاده على الغارات الإسرائيلية التي استباحت عرض الجغرافيا السورية وطولها، واستطاع أخيراً تبسيط السبب، وشرحه لنا خلال ظهوره على التلفزيون العماني مؤخراً، وبحسب المقداد فإن السماء السورية هي مرتعٌ حقيقي لحركة الملاحة الجوية التي لا تهدأ فيها، وإن ردَّ نظام دمشق على إحدى تلك الغارات – لا قدّر الله -  فإنه من الممكن، بل ومن المؤكد أن يصيب بردّه طائرةً مدنية بالخطأ، أو ربما نسراً شارداً، أو عصفوراً عاشقاً ضلّ طريق العودة، ومن الواضح لنا أن حدوث مثل هذا الأمر لا يتماشى أبداً مع مبادئ حزب البعث، ولا مع أخلاق النظام الحميدة.

يخاطب وزير خارجية النظام الأطفال بتصريحه ذاك، ولا يخاطب سواهم، فهو على أي حال يعدُّ أحد وجوه النظام الأكثر مقدرةً على تبرير منهجيّة النظام البراغماتية، وإن اقتضى الأمر تسويق حججٍ تافهة يصعب على طفل صغير تصديقها، وربما يكون أيضاً أكثر الشخصيات المكتشفة حتى الآن ملاءمةً لتمثيل تلك السياسة الخارجية للسلطة السورية القائمة على استغباء الآخر وعدم احترام عقله، ولا ينافسه في هذا الشأن سوى بثينة شعبان مستشارة بشار، والتي لا يملك لسانها الخطابي سوى جملتها الأثيرة "لا يزال الشعب السوري صامداً" حيث عادت وتفوّهت بها لصحيفة عُمانية في حديثٍ أجرته معها مؤخراً، فهذا الكذب ليس عيباً على نظام لا يعرف سوى العيب واقترافه، والتبجّح بخلافه، وغالباً ما تنجح الأنظمة السادية وفي مقدمتها النظام السوري بابتكار صورةٍ مزيّفة للواقع المنطوق حسيّاً، ومن ثم ابتكار شخصيات كرتونية تجيد ترويج تلك الصورة، والإشادة بألوانها المنتقاة بدقة، فالمعارضون لحكم بشار هم سِربُ جراد أحمق، لكن باقي الشعب عاقلٌ صامدٌ مقاوم، وجيش النظام قادرٌ على ردع الغزوات الإسرائيلية، لكن أخلاقه تمنعه من أن يصيب طائرةً مدنية بالخطأ، فكيف إذاً يمكن إنهاء هذا العرض المسرحيّ الرديء للغاية، إن كان شبّاك التذاكر قادراً على بيع المزيد من بطاقات الفرجة عليه؟.                         

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات