لماذا أعلن الروس عن مجزرة المخيمات قبل ارتكابها وما الرسائل؟

لماذا أعلن الروس عن مجزرة المخيمات قبل ارتكابها وما الرسائل؟

قبل ساعات من ارتكابهم مجزرة في مخيمات إدلب، أعلن الروس بشكل غير مباشر أن طائراتهم ستقصف تلك المخيمات، وحدّدوا موقعها، إذ صرّح نائب رئيس ما يسمّى بـ"المركز الروسي للمصالحة" اللواء أوليغ إيغوروف أن مسلحي "هيئة تحرير الشام" يحضّرون بالتعاون مع منظمة الدفاع المدني مقاطع فيديو تمثيلية لنتائج ضربات مفبركة لمخيمات اللاجئين في بلدتي كفر دريان، وكفر جالس، بهدف اتهام روسيا والنظام بمهاجمة المدنيين والمواقع الإنسانية.

عن سابق إصرار وترصّد

ولم يعطِ المسؤول العسكري الروسي دليلاً يُثبت صحة اتهامه، في حين أن الصور ومقاطع الفيديو أظهرت طيراناً حربياً يقصف المنطقة التي أشار إليها والدفاع المدني والهيئة لا يملكان تلك الطائرات كما هو معروف، إضافة إلى بقايا القنابل العنقودية وأيضاً مشاهد الضحايا والمخيمات المدمّرة، والأبرز هو اعترافه في تصريح ثانٍ بعد ارتكاب المجزرة بأن طائرات النظام قصفت منطقة غرب إدلب، تبعه اعتراف من وزارة خارجية النظام بذلك.

الجنرال إيغوروف حدّد المكان الذي ستُنفَّذ فيه المجزرة قبل ساعات من ارتكابها، أي إنها لم تأتِ فقط عن سابق إصرار وترصد، مع ما يعنيه ذلك من التخطيط، والنية المبيّتة، وتحديد العنصر المكاني، حسبما يفسر القانون المحلي والدولي، بل وأكثر أن الإعلان  يحمل وجها آخر هو التنصل من ارتكاب المجزرة، ويحمل صيغة إنذار دموي، يُبنى عليه في الأيام القادمة، لجهة الأهالي والنازحين في المخيمات، مع ما يحمله ذلك من رسائل سياسية، وهو ما أشار إليه المحلل السياسي الدكتور زكريا ملاحفجي في حديث مع موقع أورينت. 

إنذار للأهالي بمغادرة المنطقة

أول تلك الرسائل يتعلق بالمكان، إذ إن المنطقة التي تعرضت للاستهداف تقع بين مدينة إدلب والحدود السورية التركية، ما يعني أن الروس يبعثون برسالة وقحة ودموية، بأن هدفهم إفراغ تلك المنطقة، وفي مرحلة لاحقة السيطرة عليها ربما عبر وسائل تفاوضية، تكون خطوة أشمل للسيطرة على الطريق الدولي بين معبر باب الهوى ومدينة إدلب وبعدها باتجاه مناطق النظام. 

أما وسيلة الروس في ذلك فهي ارتكاب مجازر، لحمل الأهالي على النزوح من جديد إلى الحدود مع تركيا، وبالفعل فإنه بعد ساعات من ارتكاب مجزرة المخيمات نزح نحو 400 عائلة بحسب بيان لفريق "منسقو استجابة سوريا"، على الرغم من أنهم درجوا في مراحل سابقة على القتل من أجل القتل بهدف إرهاب الأهالي والانتقام.  

وبهذا الصدد يرى المحلل السياسي حافظ قرقوط أن روسيا تريد من خلال ارتكاب المجازر توجيه رسائل، بأن هدفها الطريق الدولي، سواء بالنسبة للمعابر باتجاه تركيا أو بالنسبة لطريق اللاذقية ـ حلب، عدا عن كونها تشكّل ضغطاً على تركيا، ويوضّح قرقوط: إن تصعيد روسيا يأتي متزامناً مع الحديث عن جهود تبذلها تركيا لتوحيد الفصائل بعد غزوة زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني الأخيرة، وهدفها من خلال هذا التصعيد تأكيد حضورها ضمن أي ترتيبات تعمل عليها تركيا؛ من أجل تخريب تلك الترتيبات. 

إدلب غير مستقرة

ويوجّه الروس من خلال ارتكاب المجزرة رسالة أيضاً بأن إدلب وما حولها لن تكون من المناطق المستقرة بحكم سيطرة "هيئة تحرير الشام" عليها، وهي الذريعة التي تستخدمها روسيا والنظام لقتل المدنيين، ولا سيما أن الروس يتّهمون تركيا بعدم تنفيذ اتفاقيات سابقة، بإنهاء وجود من تسمّيهم بالإرهابيين، في حين تؤكد تركيا أن روسيا لم تلتزم بتفاهمات معها، بإبعاد الإرهابيين (أي تنظيم بي ي دي "الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الإرهابي") عن حدودها مسافة 30 كيلومتراً. 

وفي هذا الإطار يُرجَّح أن يكون تصعيد روسيا غير معزول عن مساعي تركيا لتوسيع وتعزيز المنطقة الآمنة على طول الشريط الحدودي في الشمال بهدف إعادة اللاجئين، ولذلك أرادت روسيا من خلال ارتكاب المجزرة التأكيد على استثناء المنطقة المستهدفة من المنطقة الآمنة وإدخالها في دائرة التفاوض، مع وجود اتصالات على الصعيد الاستخباراتي بين تركيا والنظام بحسب ما أعلن المسؤولون الأتراك وبينهم وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، إذ أكد في أحدث تصريح حول تلك الاتصالات بأن بلاده ستعمل على تقييم الموقف وفيما إذا نشأت بيئة مناسبة لرفع الاتصالات الحاليّة بين أجهزة المخابرات إلى المستوى الدبلوماسي. 

تبادل المسؤولية

وبينما أدانت تركيا في بيان لوزارة خارجيتها ارتكاب المجزرة ودعت من وصفتهم بـ"الأطراف المعنيّة" إلى الالتزام بالتفاهمات الراهنة وإنهاء الهجمات على مخيمات النازحين والمدنيين بشكل عام، فإن روسيا -وعلى لسان الجنرال أوليغ إيغوروف- تنصّلت من المسؤولية وألقتها على النظام، إذ أعلنت أن طيرانه الحربي هو من شن الهجمات.

ومن جانبها قالت مصادر النظام إن الطائرات الروسية نفذت غارات على أحد الأحراش غرب مدينة إدلب، بينما سقطت صواريخ أطلقها الجيش على معسكر قريب من مخيم مرام في بلدة كفرجالس، بحسب ما أوردته صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، في حين توعدت وزارة خارجية النظام في بيان باستمرار ضرب من وصفتهم بالإرهابيين "حتى تحرير جميع الأراضي السورية" بحسب تعبيرها. 

منهج استئصالي

وتعطي الحالة العدوانية الانتقامية للنظام بالنسبة للمدنيين السوريين العزّل والتي عبّر عنها بيان خارجيته، ومقارنة ذلك على سبيل المثال ببياناتها إزاء قصف إسرائيل مواقع في قلب العاصمة دمشق وردوده عليه؛ دليلاً إضافياً حول نهجه الذي لا يمكن أن يتغير، ووصفه المحلل السياسي حسن النيفي بأنه نهج "استئصالي"، ويوضح ذلك بقوله: إن ما يقوم به النظام يعزز القناعة لدى جميع السوريين بأن صراع الأسد مع معارضيه هو صراع وجودي ولم يعد صراعاً سياسياً، ولن ينتهي إلا بزوال أو فناء أحد الطرفين المتصارعين.

وبينما الحرب هي استمرار للسياسة بطريقة أو بأخرى فإن الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا ذنب لهم وغير معنيين بتلك السياسة، يريدون العيش بطريقة أو بأخرى، وتعمُّدُ الروس والنظام قصف مخيماتهم التي لا توجد فيها قواعد عسكرية أو مدرجات لمطارات، يصل إلى مستوى جريمة الحرب والجريمة ضد الإنسانية، إذ نُفّذ بدم بارد وبشكل متعمَّد، والهدف إلحاق أكبر عدد من القتلى بين النازحين، ولا سيما أنهم استخدموا فيها الذخائر العنقودية المحرمة دولياً. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات