عن المعتقلين الفلسطينيين في سجون النظام وزيارة حماس إلى سوريا

عن المعتقلين الفلسطينيين في سجون النظام وزيارة حماس إلى سوريا

أصدرت مجموعة العمل لفلسطينيي سوريا منتصف تشرين الأول الماضي تقريراً أشارت فيه إلى مقتل مئات اللاجئين الفلسطينيين تحت التعذيب في معتقلات نظام بشار الأسد ووجود آلاف المعتقلين والمخفيين قسرياً دون معرفة أي شيء عن مصيرهم.

التقرير بدا لافتاً شكلاً ومضموناً واكتسب أهمية مضاعفة لصدوره بالتزامن مع زيارة ممثل القيادة المتنفذة بحركة حماس خليل الحية إلى دمشق ولقائه رئيس النظام بشار الأسد بمعية وفد من الفصائل الهامشية، ما أظهر عزلة قيادة الحركة وانفصامها عما يجرى في سوريا والمنطقة وحتى عن جمهورها الفلسطيني والعربي والإسلامي بشكل عام.

بداية لا بدّ من الإشارة إلى أن مجموعة العمل هي مجموعة فلسطينية سورية مهنيّة ومصداقة كما إنها مرتبطة بشكل ما بحركة حماس وبالتأكيد ليس القيادة المتنفذة أو حماس المحور "إيران  وحزب الله" وإنما حماس الثورة كما يقال داخلياً في صفوف الحركة كما إن عدداً من الناشطين والصحفيين والإعلاميين العاملين بالمجموعة مرّوا بتجارب تنظيمية فيها أو حتى في أكنافها كمناصرين ومتعاطفين أثناء وجود قيادتها بسوريا في العشرية الأولى من القرن الجاري أي إلى حين اندلاع الثورة مع الانتباه إلى حقيقة أن قيادة حماس في ذلك الوقت لم تكن جزءاً ولم تتصرف يوماً أنها جزء من محور طهران- الأسد -الضاحية الجنوبية لبيروت، وإنما كانت على علاقة جيدة وثيقة معه لم تمنعها من التوقيع على اتفاق مكة للمصالحة مع حركة فتح 2007 في عز القطيعة بين الرياض ونظام الأسد كما التجاوب مع جهود النظام المصري في نفس الاتجاه والموافقة على وثيقة المصالحة الأم لإنهاء الانقسام 2009 عندما كانت العلاقة باردة أيضاً بين القاهرة والنظام.

المجموعة معنيّة ومختصة مهتمة ومهمومة بمتابعة أوضاع وشؤون فلسطينيي سوريا منذ سنوات كما يتضح من اسمها أصلاً وتقوم بإعداد تقارير مهنية موثوقة بانتظام عن أحوالهم ومعاناتهم، وتكتسب تقاريرها في العادة أهمية لمصداقيتها ومهنيتها كما لتفاعلها مع فلسطينيي سوريا وضرورة مساعدتهم والاهتمام بشؤونهم فى وقت تخلّت عنهم الفصائل، بل الطبقة السياسية بأكملها، بما فيها سلطة رام الله ومنظمة التحرير التي تزعم زوراً وبهتاناً أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.

وبالعودة إلى التقرير الأخير للمجموعة الذي وثقت فيه وبالأرقام والأسماء استشهاد مئات الفلسطينيين سوريا تحت التعذيب القاسي البشع في معتقلات نظام بشار الأسد ،إضافة إلى اعتقال وإخفاء الآلاف منهم دون معرفة شيء عن مصيرهم بمن فيهم عائلات بكاملها، والذي أحدثته المجموعة السبت "5 تشرين نوفمبر" بتقديم تفاصيل إضافية عن معاناة المعتقلين من اللاجئين الفلسطينيين بنظام بشار الأسد والإشارة إلى أن عدد الضحايا الموثقين منذ عام 2011: بلغ 4121 لاجئاً وعدد المعتقلين الموثقين: 2300 ، من بينهم 118 امرأة و48 طفلاً، وعدد المفقودين: 333  وعدد ضحايا القتل تحت التعذيب: 638  وضحايا الجوع ونقص الرعاية الصحية: 220  وضحايا من قضوا في عمليات إعدام ميداني: 104  وضحايا قوارب الموت ممن فروا من آلة البطش الأسدية بلغ 74 لاجئاً فلسطينياً.

بالعموم رسم التقرير بنسختيه الأولى والمحدثة صورة عن طريقة تعاطي النظام مع اللاجئين الفلسطينيين فى سوريا بشكل عام تماماً مثلما يتعاطى مع السوريين المنتفضين والثائرين ضده وفق منطق المستبدين الإقصائي من ليس معنا فهو ضدنا.

عادى النظام الطائفي الموتور ومنذ البداية الفلسطينيين المتماهين بعقلهم الجمعي مع سوريا التاريخية العظيمة التي احتضنتهم ولم تبخل عليهم بشيء حتى قبل وصول نظام الأب والابن وتأسيس سوريا الطائفية المتجانسة المفيدة للطغاة وللغزاة الذين استدعاهم بشار للحفاظ على سلطته ولو شكلياً.

من هنا انحاز اللاجئون الفلسطينيون بعقلهم الجمعي ومشاعرهم الوطنية والقومية الصادقة إلى الثورة ومطالبها المحقة والعادلة بعدما فهموا أن النظام ليس فقط عاجزاً عن تحرير فلسطين وإنما يتاجر بقضيتها مع استرجاع حقيقة اعتقال آلاف منهم-منتصف ثمانينيات القرن الماضي- في حرب نظام الأسد ضد الثورة ومنظمة التحرير عندما كانت فعلاً الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ما جذّر القناعة أن فقط سوريا التاريخية والعظيمة التي اندلعت الثورة من أجل استعادتها قادرة على فعل ذلك، أي تحرير فلسطين كما فعلت دوماً في مواجهة الغزاة من التتار إلى الصليبيين.

وعليه لم يكن غريباً أن يستضيف اللاجئون في مخيماتهم النازحين السوريين الفارين من آلة القتل الأسدية، فيما بدا ردّ الجميل وتعبيراً عن انحيازه الأخلاقي والسياسي للثورة في مواجهة النظام الطائفي المستبد والفاسد.   
إضافة إلى المعطيات والتفاصيل المهمة بحد ذاتها، اكتسب التقرير أهمية مضاعفة لتزامنه مع زيارة ممثل القيادة المتنفذة بحماس خليل الحية ولقائه بشار الأسد فيما بدا إعلاناً رسمياً عن عودة العلاقات بين الحركة والنظام بالشروط المهينة التي فرضها حلفاؤه للعودة إثر ابتزاز القيادة المتنفذة الساذجة حديثة العهد بالسياسة بذريعة عودة الدعم الإيراني المالي لها.

وفيما يخص السؤال المنطقي والجوهري هل اطّلعت القيادة المتنفذة على التقرير الأخير بنسختيه وتقارير المجموعة بشكل عام، فالإجابة نعم بالتأكيد، كون هذه الأخيرة كانت ولا تزال وثيقة الصلة بحماس بشكل عام، لكن القيادة المتنفذة تجاهلتها في حالة إنكار وانفصام عن الواقع في سوريا والمنطقة حتى داخل الحركة نفسها التي يرفض ثلثا أعضائها على الأقل عودة العلاقة مع النظام الفاقد للسلطة والسيادة والذي لا وزن له ولا قيمة، إضافة إلى قتل وتشريد ملايين السوريين واللاجئين من فلسطينيي سوريا.

بناء عليه لم يكن مفاجئاً ألا يتطرّق ممثل القيادة المتنفذة بشكل جدي إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين، كون الملف ليس على جدول الأعمال والصورة كما الزيارة بحد ذاتها كانت لتبييض نظام الأسد وإعلان حلفائه ما يشبه الانتصار على الحركة وفرض روايتهم عن محور الممانعة والمؤامرة المزعومة ضده بشهادة أكبر حركة مقاومة عربية وإسلامية.

الزيارة المهينة لا تُخفي حقيقة وضع سقف للعلاقة بعدما نال نظام الأسد-وحلفاؤه- ما يريد إثر هرولة القيادة المتنفذة بحماس نحوه بدون شروط وحتى اعتبار لمكانة الحركة وتاريخها بحجة العمل على إعادة افتتاح مكتب لها في دمشق وتصوير ذلك كإنجاز ليس لخدمة فلسطينيي سوريا، وإنما للقيادة المتنفذة المتوهمة بحرية الحركة هناك مع عدم انتباهم إلى الاختراق الأمني بمناطق سيطرة النظام وتنسيق رعاته ومشغليه تحديداً روسيا مع إسرائيل، علماً أن حركة الجهاد الإسلامي تتهم في مجالسها الخاصة الأولى بنقل معلومات إلى الثانية عن تحركات ناشطيها وأعضائها والتورط مباشرة في محاولة اغتيال مسؤولها العسكري أكرم العجوري قبل سنوات، ناهيك عن نبش القبور وانتهاك حرماتها في مخيم اليرموك للبحث عن رفات الجنود الإسرائيليين المفقودين والذين رفضت قيادة فتح ومنظمة التحرير طوال عقود نقل معلومات عنهم إلى النظام.

وبمناسبة اليرموك حيث معظم الضحايا من المخيم، يجري التغاضي منهجياً من قبل القيادة المتنفذة بحماس والطبقة السياسية بشكل عام عن تدمير النظام للمخيم وقتل وتشريد اللاجئين، علماً أنه أي اليرموك كان دوماً أكثر من مجرد مخيم وأُطلقت عليه عن حق أوصاف مثل خزان الثورة وعاصمة الشتات الفلسطيني وعنوان حق عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي شرّدتهم منها إسرائيل عام 1948  تماماً كما فعل معهم نظام الأسد في تغريبتهم الثانية خلال السنوات الماضية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات