الخطوة بخطوة الأردنية حول القضية السورية تعود من البوابة العربية

الخطوة بخطوة الأردنية حول القضية السورية تعود من البوابة العربية

من جديد يعطي الأردن تحركه على صعيد القضية السورية زخماً جديداً وهذه المرة من خلال طرحه بلورة دور عربي جماعي قيادي في جهود إيجاد حل سياسي، وهو ما تبنته القمة العربية في الجزائر، في حين سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد انتهاء أعمالها بساعات إلى زيارة عمّان، وبحث مع الملك عبد الله الثاني ووزير خارجيته أيمن الصفدي تفاصيلها.

بيان القمة العربية الذي لم يأت بتفاصيل الطرح الأردني، وجاء الحديث عن سوريا بفقرة مقتضبة خلت من الإشارة إلى القرار 2254 ، لكنه يتماهى مع ما كان طرحه الصفدي في حديث لصحيفة ذا ناشيونال في 28 الشهر الماضي عن مبادرة بقيادة عربية قد تشمل السعودية إضافة إلى دول أخرى لم يسمها لاتباع نهج تدريجي، وقيادة حل للصراع مشدداً على الحاجة الملحة للاستقرار في الجنوب السوري، وإنهاء خطر الميليشيات وتهريب المخدرات. 

وإن لم يوضح الصفدي تفاصيل آلية المبادرة الجديدة التي قال إنه أطلع لافروف عليها، غير أنه تحدث في المؤتمر الصحفي المشترك مع لافروف عن ثلاثة عناوين رئيسة فيها، هي الحل السياسي، خطر انتشار ميليشيات في الجنوب السوري على الأمن الأردني والعربي، المساعدات الإنسانية بموجب القرار 2642 ، وشدد على وجه الخصوص على أنّ "الأردن يرى في الوجود الروسي جنوبي سوريا عامل استقرار في ظل الظروف الحالية التي تشهدها سوريا. 

ويمكن الإضاءة أكثر على تلك المبادرة من خلال ما استندت إليه وكُشف في وقت سابق بخصوص ما عرف بالخطوة بخطوة والتطبيع مع النظام، وهي خريطة الطريق التي طرحها الملك عبد الله الثاني على الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال لقائه به في واشنطن في تموز من العام الماضي، وتحدثت عن النقاط التي أشار إليهما الصفدي أي إيجاد حل سياسي والمساعدات، ووضع الجنوب السوري، وعلى الرغم من أن بايدن لم يبدِ أي التزام بها بحسب ما أوردته حينها صحيفة واشنطن بوست إلا أن الملك الأردني أعلن بعدها في مقابلة مع "سي إن إن" أنَّ الأسدَ باقٍ ولكن لا بد من تغييرِ سلوكه وحمل تلك الخريطة، ثم عرضها بعد شهر على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أمل إيجاد تقاطعات ونقاط تفاهم مشتركة، ولا سيما بالنسبة لتهديدات الميليشيات الإيرانية. 

وبدا في ذلك الوقت أن روسيا شجعت الأردن على التقدم بخطوات باتجاه النظام أبرزها الاتصال الهاتفي بين الملك عبد الله الثاني وبشار الأسد في أكتوبر من العام الماضي وكان الأول منذ العام 2011 ، وما تبعه من فتح معبر نصيب الحدودي وزيارة عدد من وزراء النظام إلى عمان.

النظام قابل الخطوات الأردنية باتجاهه بزيادة تدفق المخدرات بشكل أكثر تنظيماً من ذي قبل مع اتساع رقعة انتشار الميليشيات الإيرانية والفرقة الرابعة في الجنوب السوري الأمر الذي حمل العاهل الأردني على الاستنجاد بروسيا والإعلان صراحة في مقابلة مع برنامج "باتل غراوندز" العسكري التابع لمعهد هوفر بأن وجودها في الجنوب السوري يشكل عامل استقرار في ظل تهديدات الميليشيات الإيرانية التي ترعى إدخال المخدرات والإرهاب.

وعلى أساس هذه التطورات طرح الأردن مبادرته التي تبنتها القمة العربية على الرغم من إدراكه فشل الخطوة بخطوة المستندة إليها، وبدا من خلال إدخال مبادرته في إطار الجامعة العربية يدفع بالعرب لمشاركته تبعات الفشل السابق، وأيضاً هواجسه الأمنية المتزايدة رغبة منه في تعزيزها بعنصر قوة ببعد عربي يأمل من خلاله أن يحمل موسكو في الضغط على النظام لتغيير أسلوب تعاطيه معه ببعدها العربي خلافاً لما قابل النظام خطوات الأردن التطبيعية في وقت سابق. 

ولكن أفق المبادرة الجديدة بدا واضحاً بعد زيارة لافروف العاجلة إلى عمان، وهدفها كان ملاقاتها وربما محاولة تطويعها وتوجيهها مستغلاً حاجة الأردن لروسيا الممسكة بقرار النظام للضغط عليه بخصوص الجنوب السوري، في حين أن روسيا لم تعط سابقاً أية إشارات بهذا الخصوص يمكن البناء عليها، بل إن أجندتها مختلفة تماماً، وتنظر إلى الأردن بوصفه بوابة للتطبيع العربي وتحديداً الخليجي مع النظام، وقد تستخدم ورقة الجنوب وميليشيات إيران للضغط باتجاه التطبيع ليس الأردني فقط هذه المرة بل والعربي أيضاً، ولن تقدم أي مقابل بذريعة أن المسألة مرتبطة بموقف النظام.  

ويُعتقد أن الأردن يراهن من خلال طرحه المبادرة في الإطار العربي على اختلاف الظروف الدولية عن الفترة التي طرح فيها الخطوة بخطوة، إذ إن روسيا الآن بحاجة للعرب في صراعها مع الغرب على خلفية غزوها لأوكرانيا، وقد يدفعها ذلك إلى التجاوب مع تلك المبادرة، ولكن من المستبعد أن تغامر روسيا بإزعاج إيران في الجنوب السوري في ضوء حاجتها إليها أيضاً لنفس السبب، إذ يرتبط الجانبان بعلاقات عسكرية وسياسية واقتصادية إستراتيجية ليس في سوريا فحسب بل وفي مجمل الإقليم إضافة إلى أوكرانيا.    

النتائج قد تكون مختلفة في حال حظيت المبادرة العربية بدعم غربي وأمريكي خصوصاً، إلا أن هذا مستبعد ولا سيما أن الولايات المتحدة لم تبد التزاماً سابقاً بأساس تلك المبادرة أي الخطوة بخطوة، وأيضاً في ضوء تأكيد واشنطن رفض التطبيع مع النظام وهو ما يبقي قانون قيصر يحول دونه، إذ يرجح أن تكون الولايات المتحدة استخدمته لوقف مشروع خط الغاز من مصر والأردن إلى سوريا ولبنان كعقوبة للأردن على موقفها إزاء النظام. 

وعلى فرض استجابت روسيا لبعض مفردات الجهود العربية واستطاعت الموازنة بيها وبين مصالح إيران، إلا أن العناوين الرئيسة للقضية السورية ليست بالضرورة بذات اتجاه مصالح الدول العربية التي ستقود تلك الجهود، وأيضاً ليست في المنحى الروسي بكل تأكيد، فتلك العناوين موجودة في بيان جنيف والقرار 2254 المتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي وإنجاز دستور وانتخابات حرة بإشراف الأمم المتحدة. 

وما بدا من خلال تلك المبادرة أنها ستكون بديلاً لمسار جنيف واللجنة الدستورية التي أجهض عملها الروس، إذ كان الأجدى أن تركز القمة العربية على هذا المسار وتؤكد دعمها القرار 2254 أو العمل في إطاره بوصفه أقرب للحد الأدنى من طموحاتهم، لا أن يخلو بيانها من الإشارة إلى هذا القرار، فالقضية السورية ليست أزمة كما أسمتها القمة أو الإيحاء بأنها مسائل خلافية أو مسألة مساعدات إنسانية، بل هي قضية شعب متمسك بالتخلص من حكم الفساد والاستبداد، وهذا الشعب أسقط الشرعية عن النظام، وله علمه الذي تخضب بدماء مئات آلاف الضحايا الأبرياء، وليس علم النظام الذي رفعته قمة العرب والذي بات رمزاً للسلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة..

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات