عودة طوعية بساطور الأمن السوري واللبناني!!!

عودة طوعية بساطور الأمن السوري واللبناني!!!

كان لافتاً بالمرحلة الأخيرة بروز أكثر من حالة التفاف من قبل بعض الدول على قانون قيصر والقرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن رقم 2254 شكلت خرقاً للعقوبات الغربية المطبقة على نظام الأسد, التفافات ومناورات مكشوفة حاولت تخفيف الخناق عن رقبة نظام أسد الذي يعاني من تبعات اقتصادية شديدة تعصف بمؤسساته وكل من يعيش في مناطق سيطرته, ومن تلك المناورات كانت إعادة التطبيع مع نظام دمشق, وفتح بعض السفارات, وقيام البعض بزيارات وضعت لها عناوين سياسية غايتها فتح النوافذ لدمشق مقابل إغلاق بواباتها بوجه المشروع الفارسي بالمنطقة, وتحجيم دور الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في سوريا, لكن سرعان ما تراجع معظم أصحاب هذا الرأي إما لقناعات ترسخت لدى الجميع أن بشار الأسد يراوغ وغير صادق, أو لمعرفة مسبقة للواقع السياسي والعسكري في سوريا بأن بشار الأسد وكل نظامه قد فقدوا السيطرة على مفاصل القرار السوري, وأن عدد ميليشيات إيران والمواقع التي تسيطر عليها في سوريا أضحت أكبر من عدد ومواقع جيش الأسد.

المناورة الأخرى اللافتة تمثلت بمحاولة تكثيف الضغط على اللاجئين تحت عنوان "عودة طوعية" لإعادتهم لمناطق حكم الأسد كما يحصل في لبنان, حيث يعيش هناك مليونان و80 ألف نازح سوري فوق الأراضي اللبنانية, والاهتمام بالنازحين في لبنان لا يتأتى من حرص على عودة السوريين, ولا يتأتى أيضاً من بحث لحل للسوريين, بل الغاية منه تحقيق أهداف سياسية واقتصادية تعود بالنفع على نظام أسد وسماسرته, وعلى الطبقة السياسية اللبنانية التي تدور بفلك نظام دمشق, فاللواء عباس إبراهيم مدير عام الأمن اللبناني المحسوب على حزب الله الإيراني في لبنان, هو العراب الأساسي لتلك الجريمة بالتعاون مع سفير نظام الأسد في لبنان علي عبد الكريم وهما من مهّدا لتلك المسرحية المفجعة, وشارك بالسيناريو أيضاً كلاً من وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار المحسوب على التيار الوطني الحر, ووزير المهجرين ​عصام شرف الدين​ المحسوب على طلال أرسلان, وكلاهما ممن يسير بركب حزب الله ويتحالف مع نظام أسد ضد ثورة الشعب السوري.

سياسياً يريد هؤلاء القول إن سوريا آمنة ومستقرة, وبالتالي يجب عودة النازحين السوريين لقراهم وبلداتهم, وهذا كلام مناف للواقع, خاصة أن سوريا وبكل تقارير الأمم المتحدة وتقارير المنظمات الدولية, تتصدر الدول غير المستقرة وغير الآمنة ودول الفساد, الأمر الآخر أن من هجرهم من قراهم وبلداتهم وخاصة لمن نزح إلى لبنان بحكم القرب الجغرافي هم سكان وادي بردى والقلمون وأرياف دمشق, وتلك مناطق احتلها حزب الله واقترف جرائم ومجازر دموية وطائفية بحق سكانها, جرائم دفعت بالسوريين للهرب عبر النزوح إلى لبنان, لكن من يطالب بعودتهم اليوم إلى قراهم وبلداتهم ما زال يحتل أراضيهم وبيوتهم, وكان الأجدى إخراج المحتل بداية من سوريا عبر سحب ميليشيات حزب الله لداخل لبنان ثم عندها يمكن الطلب من النازحين العودة لسوريا, رغم أن إجرام استخبارات الأسد وأجهزة قمعه لا تقل عن إجرام ميليشيات حزب الله في معظم الجغرافية السورية, وبهذا الصدد قال اللاجئ السوري (أبو محمد) للـ "العربي الجديد" إن ما تمارسه السلطات اللبنانية من تضييق عليهم وتخفيف للدعم الإغاثي جعلهم يفضلون المجهول على البقاء في المخيمات (في إشارة إلى المصير المظلم الذي ينتظرهم عند عودتهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا أسد)، مضيفاً أن عودته لبلدته في القلمون بريف دمشق رغم المخاطر الكبيرة التي تحفها تعدّ الخيار الوحيد الذي بقي أمامه عائلته والكثير ممن أجبروا على العودة.

اقتصادياً كان هناك من يظن أن الدفع بالنازحين السوريين من لبنان للداخل السوري, ستسحب معها الكتل المالية والمعونات التي تقدمها منظمات الأمم المتحدة للسوريين في لبنان، لكن هذا الأمر لم يتم, لأن الأمم المتحدة قالت: هي تدفع لمن هم في لبنان فقط من السوريين وليس لمن يعيش في مناطق سيطرة نظام الأسد, وبالتالي وجدنا تراجعاً نسبياً لنظام الأسد عن فكرة العودة للبعض رغم قلتهم, بل بدأ بوضع معوقات أمنية يعلمها السوريون وخبروها خلال خمسة عقود من عمر نظام الأسد الجاثم على صدورهم, ومعلومات شبه مؤكدة تحدثت أن نظام الأسد ألغى لدواعٍ أمنية عودة بحدود 75% ممن أرسلت السلطات اللبنانية قوائم بأسمائهم للأمن السوري للتدقيق قبل الترحيل, والأرقام التي أُعلن عنها في لبنان وخرج مسؤوليه ليعتبروها نصراً على من تقطعت بهم السبل كانت تصل للآلاف ولدفعات متتالية, لكن عند معابر العودة لم يكن هناك إلا 420، من أصل 1500 من المسجلين من منطقة عرسال بحسب أكثر من مصدر, وتبين أن الأرقام المعلنة على لسان عرابي الجريمة لم تتطابق مع اللوائح المسجلة بسبب تراجع الكثير من النازحين ورغم التضييق عليهم عن العودة, والأمر تكرر في معابر الزمراني والمصنع والعبودية, وكثرٌ تراجعوا في اللحظات الأخيرة خوفاً من الملاحقة والتفلّت الأمني.

في الداخل اللبناني كان هناك امتعاض لدى الكثير من أهل لبنان للطريقة التي تتعامل مع أجهزة الدولة, وبالضغوط الواضحة من قبل أمن وشبيحة حزب الله ضد النازحين السوريين، وقال أحد اللبنانيين: كان على حكومة لبنان وأجهزتها الأمنية ليس ملاحقة من هرب من جحيم الأسد وإجباره على العودة التي تعني الاعتقال أو الموت بزنازين الأسد، بل كان عليها ضبط الحدود والتدقيق بجوازات سفر الذين يدخلون الأراضي السورية ويعودون منها بكل أريحية، وكذلك التدقيق بالآلاف التي غادرت لدمشق وذهبت لسفارته ببيروت لانتخاب بشار الأسد، هؤلاء ماذا يفعلون بلبنان؟؟ هؤلاء يقبضون المعونة ويعودون لسورية والطرق مفتوحة لهم ذهاباً وإياباً، هؤلاء من يجب إعادتهم لأنه لا تنطبق عليهم عبارة نازح أو لاجئ, وبذلك تخفف الكثير من الأعداد الموجودة في لبنان, بينما من تتم إعادتهم بضغوط لبنانية سورية, فهؤلاء يغامرون في تسليمهم وتعريضهم لخطر الموت أو التعذيب, وهذا ما سيعرض الحكومة اللبنانية لضغوط من المجتمع الدولي, وستعرضها لملاحقات أمام النظام القضائي العالمي لمخالفتها الاتفاقيات الدولية وخاصة المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب, وبرز هذا الأمر جلياً مع مسارعة عدد من سفراء دول غربية خلال الأيام الأخيرة، وفق معلومات عبر "نداء الوطن"، إلى زيارة مسؤولين لبنانيين للاستفسار عن هذه العودة، وتبيّن من حديث هؤلاء السفراء عدم تشجيع دولهم أو بالأحرى «رفضها» لعودة النازحين, وعدم التشجيع هذا سبق أن عبّرت عنه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) بحجة أنّها غير آمنة، وأن هذه الخطوة التي تلجأ إليها الحكومة اللبنانية ستفقدها مصداقيتها أمام المجتمع الدولي وبالأخص منظمات حقوق الإنسان.

العميد الركن أحمد رحال

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات