كثافة بعد توقف للغارات الإسرائيلية في سوريا

كثافة بعد توقف للغارات الإسرائيلية في سوريا

شنّت إسرائيل أواخر تشرين أول/ أكتوبر الجاري ثلاث غارات خلال أقل من أسبوع واحد ضد مواقع وأهداف لإيران وميليشياتها في سوريا. جاء ذلك بعد توقف لشهر تقريباً، علماً أن الغارة الأخيرة هي الـ28 هذا العام، ولكن خلال تسعة شهور بعد أخذ فترة التوقف بعين الاعتبار والذي جاء الإعلان عنه كالعادة من الصحافة الإسرائيلية، بينما احتفى به الحشد الشعبي الإعلامي الإيراني الناطق بالعربية قبل أن يلزم الصمت كعادته مع صدمة الغارات الثلاث التي كانت واحدة منها نهارية "استثنائية" في صفعة وإهانة بالغة سكت عليها الأسد وحلفاؤه كالعادة رغم كونها بمثابة فعل فاضح في وضح النهار.

قبل الحديث عن الغارات الثلاثة الأخيرة في غضون خمسة أيام تقريباً لا بد من الإشارة إلى أسباب التوقف أو الوقت المستقطع من نهاية أيلول إلى نهاية تشرين أول أكتوبر، وأهمها بالطبع الغارات المكثفة خلال التسعة شهور الأولى ضد المطارات والموانئ في دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس وتعطل خطي التهريب البحري والجوي لنقل الأسلحة والمستلزمات العسكرية من طهران عبر بغداد إلى دمشق وبيروت وذلك بعد خروج الخط البري من الخدمة قبل ذلك بشهور علماً أن الغارات المكثفة خلال العام الجاري أدت إلى تدمير تسعين بالمائة من البنى التحتية للتموضع الإيراني الإستراتيجي في سوريا.

إذن هذا هو السبب الجوهري لتوقف الغارات لشهر تقريباً، حيث بدت إسرائيل وكأنها تتفحص نتيجة الغارات الأسبوعية خلال الشهور السابقة الجاري وهضم الإنجازات التي حققتها، كما ترقب كيفية تصرف وردّ فعل الطرف الآخر. 

التوقف مرتبط كذلك بالقصف الاسرائيلي المكثف للمطارات والمرافق المدنية، والذي أثار ردود فعل واسعة ليس فقط ضد إسرائيل وإنما أيضاً ضد إيران نفسها لاستغلالها المنشآت المدنية الصرفة في غايات وأغراض عسكرية.

ومن هنا، فإن السبب الرئيسي لتوقف الغارات يتمثل كما تقول إسرائيل بوقف إيران محاولات تموضعها في سوريا، وتوقف خطي التهريب الجوي والبحري بعد البري والعائد أساساً للضربات الإسرائيلية المكثفة التي أرادت من جهة أخرى إحراج إيران والنيل من هيبتها ليس أمام حلفائها وآلتها الإعلامية فقط ولكن أمام الشعب الإيراني أساساً.

في الأسباب أيضاً، وفيما يخص البعد الإيراني الداخلي ثمة عامل متعلق بالانتفاضة الشعبية ضد النظام وانشغاله في الدفاع عن نفسه مع خطر جدّي عليه هذه المرة إثر امتداد واتساع التظاهرات مع الوقت وعجزه عن إجهاضها كما فعل سابقاً، مع الانتباه إلى أنه يعتبر الدفاع عن نظام الأسد بمثابة دفاع عن نفسه أيضاً مع تذكر التصريح الشهير لأحد المسؤولين الإيرانيين قبل سنوات عن أسباب التدخل الإجرامي والدموي في سوريا لمنع سقوط نظام بشار الأسد، الذي يعني سقوط النظام الإيراني أيضاً، هذا صحيح بالطبع كون نظام الأسد عموداً فقرياً أساسياً في إمبراطورية الدم والوهم الفارسية الممتدة من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق "وصنعاء "والتي يتبناها النظام ويستقوي بها على دول الجوار والإقليم، كما الشعب الإيراني في الداخل. علماً أن العكس صحيح أيضاً بمعنى أن سقوط النظام الإيراني أولاً سيؤدى إلى تسريع وتيرة سقوط نظام الأسد الحتمي بغض النظر عن بقاء النظام في طهران من عدمه.

في أسباب التوقف الأخرى تمكن الإشارة إلى معطيات هامشية جانبية وغير أساسية أو جوهرية مثل إعطاء الوقت لمفاوضات الترسيم البري بين إسرائيل ولبنان، وتحاشي إمكانية أو احتمال حدوث خطأ ما في سوريا قد يؤدي إلى تدهور وحرب مع حزب الله هناك أو في لبنان كون إسرائيل تعتبر نفسها رابحة في ظل الواقع الراهن في سوريا ولبنان والمنطقة، ولا تسعي لكسره أو تغييره، إضافة إلى اعتبار الترسيم نفسه بمثابة انتصار سياسي وأمني واقتصادي واستراتيجي كبير لها.

في أسباب التوقف يجب الانتباه كذلك إلى البعد المتعلق بروسيا وانكفائها المتواصل من سوريا، وعدم مسارعة إيران إلى ملء الفراغ كي لا تنكشف أكثر أمام إسرائيل وغاراتها كما حصل منذ شهور بل تبدو متحفظة وقلقة هذه المرة من رفع الغطاء الروسي وشعور إسرائيل بالمقابل أنها مرتاحة خاصة بعد الغارات المكثفة السابقة ولا وجود حاجة للاستعجال طالما أن الزمن هناك يعمل لصالحها. 

 في السياق العام، لم يكن غريباً أن يأتي الإعلان عن توقف الغارات من جانب إسرائيل لا من إيران وحلفائها الذين صمتوا خلال تلك الفترة ربما لعدم الثقة والتوجس وحتى اليقين من مواصلة إسرائيل غاراتها في أي وقت بينما جاء لافتاً ومستهجناً قياساً إلى المشهد العام والمعطيات السابقة احتفاء الحشد الشعبي الإيراني، بالتوقف" الوقت المستقطع" واعتباره بمثابة انتصار في انفصام موصوف عن الواقع والمشهد في سوريا والمنطقة.

 من هنا وقع استئناف الغارات كالصدمة أو الصفعة على الحشد الشعبي خاصة مع كثافتها المتعمدة لتصل إلى ثلاث غارات خلال أقل من أسبوع واحد بينها حتى واحدة نهارية وغير مسبوقة الإثنين 24 تشرين الأول/ أكتوبر.  

عودة الغارات بهذه الكثافة بدت لافتة وفي الأسباب يمكن الحديث عن وقوع طهران في فخ التوقف وسعيها لاستئناف تهريب الأسلحة جوياً الى سوريا هذا قد يفسر من جهة أخرى استهداف قواعد لإيران وميليشياتها في محيط مطار دمشق تحديداً. 

ثمة بعد أو هدف يتعلق بأوكرانيا وإرسال إيران أسلحة متخلفة  التكنولوجيا حتى مع قوتها التدميرية الانتحارية لمساعدة روسيا هناك واعتقادها أو ترويج حشدها الإعلامي لفكرة أن هذا سيحوّلها إلى قوة إقليمية ودولية لا يمكن تجاوزها.

من هنا تعمدت إسرائيل إظهار الهيمنة والغطرسة وفرض هيمنتها بما فيها الغارة النهارية غير المسبوقة لإذلال إيران وميليشياتها وتأكيد مكانتها المتدنية أمامها. 

كما العادة بدا بشار الأسد بالقصة كلها معزولاً هامشياً فاقد للسيادة والسلطة، عاجزاً عن منع تموضع إيران الذي يضرّ به كما منع الغارات الإسرائيلية أو الرد عليها، في نسف لكل أكاذيب المقاومة والممانعة وتغليب البقاء في السلطة" ولو صورياً" على كل الاعتبارات والمصالح الوطنية والقومية.

في كل الأحوال بدت المعطيات السابقة مجتمعة معبرة عن المشهد في سوريا والمنطقة، حيث الغارات الإسرائيلية المكثفة لشهور ضد معسكرات وأهداف لإيران وميليشياتها بما فيها قصف المطارات والمرافق المدنية وتدمير البنى التحتية للتموضع الإيراني بنسبة تسعين بالمائة، إلى التوقف المؤقت ثم الاستئناف المكثف والمتسارع للغارات فيما يشبه تكريس الهيمنة والسيطرة، وخضوع إيران وميليشياتها وأذرعها لقواعد اللعب الإسرائيلية في سوريا ولبنان والمنطقة، مقابل اطلاق العنان للحشد الشعبي الإعلامي للترويج لأكاذيب المقاومة والممانعة وتحرير فلسطين .

•    باحث وإعلامي

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات