تتعدد أسباب الطلاق "المبكّر" لدى الكثير من النساء بمناطق الشمال السوري وخاصة في شتات النزوح والمخيمات، حيث لا تقتصر عوامل ذلك الطلاق على الفقر والنزوح، بل تتعداه إلى عوامل كثيرة ومرتبطة بالواقع الصعب.
نساء عديدات يسكنّ مخيمات النزوح شمال سوريا، يروين قصص طلاقهن لأورينت نت، مقابل محاولات "خجولة" للحد من تلك الظاهرة، أو الوقوف على الأسباب ومعالجتها قبل الدخول أصلاً في رحلة الزواج والانتهاء بتدمير الأسر وتشريد الأطفال، أو ظلم أحد الطرفين وخاصة الزوجة.
(لمدة ثلاث سنوات بعد النزوح، عانيت كثيراً بعد أن تنكرَّ لي أهل زوجي المتوفى وعجز أهلي عن مساعدتي، وبعد أن دققت في عروض الزواج، وقع اختياري على أحدهم بعد أن وعدني باصطحاب أبنائي الثلاثة، ولكن بعد أيام قليلة من الزواج اكتشفت أنه يتضايق من وجود أطفالي ويختلق الأعذار لإبعادهم عني بحجة أن أولاده يختلفون معهم، لكني رفضت ذلك وأصرّيت على بقائهم معي، ما دفعه إلى تهديدي بالطلاق وهو ما اخترته، ولم أكمل الشهر الأول حتى عدت مع أبنائي إلى المخيم، تلك تجربة مريرة لن أعيدها ثانية، وسأعيش من أجل تربية أطفالي اليتامى.)
تلك قصة (ن) ذات الـ 36 عاماً، المهجّرة من ريف معرة النعمان جنوب إدلب، وتعيش منذ ثلاثة أعوام في مخيمات النزوح شمالاً، بعد أن فقدت زوجها بالقصف، ووجدت نفسها مسؤولة عن ثلاثة أطفال بينهم طفلة، وتصف حالتها في المخيم بعد الانفصال عن زوجها قائلة: ( نستلم هنا في المخيم " كرت مول" شهري إضافة إلى الماء والخبز في بعض الأحيان مع مساعدات تأتي عن طريق أهل الخير وبذلك أستطيع تدبير أموري أولاً بأول ).
لم يكن طلاق (ن) المبكّر هو الوحيد في المخيم، بل هناك الكثير من القصص المشابهة والتي انتهت فيها الزيجات في أشهرها الأولى، ومنها ما انتهى في أيامها الأولى حتى قبل أن يتم تثبيت الزواج بشكل رسمي .
قصص مشابهة
في ذات المخيم، زواج الفتاة (ن. د) ابنة الـ 15 عاماً، وهي نازحة من حلفايا بريف حماة الشمالي، وانتهى زواجها أيضاً بالطلاق، حيث تزوجت ابن عمها الذي يكبرها بسنتين، وهو عاطل عن العمل ويمضي ليله على الهاتف والألعاب الإلكترونية، الأمر الذي فرض عليها العودة إلى أهلها (حردانة) لمدة شهر وبعد تدخل الأقرباء عادت إلى خيمة زوجها الذي استمر على نفس السلوك، ما أرغمها على طلب الطلاق قبل أن تكمل عامها الأول في قفصها الزوجي.
أما (خ) التي تطلقت من قريب لها قبل النزوح وقبل أن ترزق بالولد، ليست أفضل حالاً من نظيراتها، حيث انتهى زواجها الثاني بعد شهرين فقط، وذلك بعد أن عاد زوجها ذات يوم إلى البيت ووجد ابنه الصغير يبكي ويدّعي أن خالته (خ) ضربته على وجهه، فما كان من الزوج إلا اصطحاب زوجته إلى بيت أهلها وطلب من أبيها تحكيم لجنة لإتمام عملية الطلاق بينهما.
من الأسباب الغريبة أيضاً للطلاق السريع والمفاجئ في مناطق الشمال السوري وخاصة المخيمات، ما حدث لـ (ع) التي تطلّقت بعد أشهر قليلة على زواجها، بسبب لعبة (الكوينزات) الإلكترونية التي تدرّ بعض المبالغ المالية القليلة والتي تستدعي منهم سهر الليل، ما سبب الخلاف مع زوجها والذي انتهى بتدمير أسرتهم.
أما (س) الحاصلة على شهادة جامعية وتسكن في مدينة سرمدا بعد أن نزحت من ريف سراقب، طلبت الطلاق بعد انتظار طويل ووعود متكررة بلمّ الشمل، حيث حضر خطيبها إلى الشمال السوري وأمضى إجازة لمدة شهر تزوجها خلالها ووعدها بإتمام معاملات الزواج خلال فترة قليلة، ولكن تلك المدة طالت كثيراً بحسب قولها، ولم تجد بداً من الطلاق.
مساعٍ "اجتماعية" لإصلاح ذات البين
من جانبه، يسعى أبو عدنان (٧٤) عاماً، هو "وجه اجتماعي" من أحد مخيمات الشمال السوري، في إصلاح ذات البين و التدخل في سبيل الصلح بين الأزواج ضمن لجنة مكونة من عدد من رجالات المخيم، ويشرح الرجل السبعيني ما يواجهه مع اللجنة من حالات الطلاق التي حضرها في المنطقة خلال الأشهر والسنوات الماضية.
ويقول أبو عدنان إن أغرب خلاف حضره كان أثناء حضور مراسم زفاف حين حصل خلاف بين أم الزوج وأم الزوجة بسبب أن الأخيرة تقاعست عن دعوة إحدى قريبات الزوج، ما أثار حنق أم العريس والتي هددت بـ(فركشة) الزواج والانسحاب، لولا تدخل المدعوّين وتهدئة الموقف، ليرخي ذلك الموقف بظلاله على العلاقة بين العروسين وعلى علاقة العروس بحماتها التي هددتها بمنع أمها من زيارتها.
أدت تلك التهديدات بعودة العروس إلى بيت أهلها بأسلوب (الحَرَد)، وبدأت محاولات الإصلاح من جديد ومع تدخل الأقرباء عادت العروس "على مضض" إلى بيت زوجها، وما هي إلا أيام قليلة حتى ينشب خلاف جديد بسبب تدخلات الحماية وضعف شخصية الزوج أمامها، حتى انتهى الخلاف بعودة العروس إلى بيت أهلها مطلقة "قبل أن تنهي شهر العسل".
ويرى أبو عدنان أن هناك أسباباً إضافيةً للطلاق المبكر التي واجهوها في عالم المخيمات، ولا سيما التسرع في إتمام عملية الزواج قبل أن تتم دراسة وضع الخاطب المادي والأسري والسؤال عنه، ليتفاجأ أهل البنت بأنه عاطل وأن أهله لا يستطيعون مساعدته وسط الغلاء الكبير وقلة فرص العمل، وقد يكون الزوح من مدمني مواقع التواصل والسهر طوال الليل على تلك الأجهزة مهملاً زوجته، كما يضاف إلى تلك الأسباب الخلاف في العادات بعد أن اختلط كل الأجناس والأعراق ومن كل المحافظات السورية في مكان ضيق يسمى المخيمات.
أسباب إضافية
خلال تجوالنا في المخيم سألنا (أم أحمد) التي تقطن المخيم، عن حالات الطلاق السريع التي تعايشها، فأشارت إلى أن الهاتف هو السبب الأبرز في معظم حوادث الطلاق إن كان من الزوج أو الزوجة، ولا سيما الشكوك المثارة لدى الزوجين حول استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والتي تنتهي بالطلاق.
إضافة لذلك، فإن الاستقلال المادي للزوجة الموظفة لدى بعض المنظمات يجعلها أحياناً "تشوف حالها" على زوجها، وخاصة عندما يكون الزوج عاطلاً عن العمل، أي إن هذه الهواتف فتّحت عيون الزوجات على الرد على الزوج والتمرّد على أوامره المعتادة، بحسب أم أحمد.
موقف القانون
بدوره يوضح المحامي محمد أمين حمادي موقف "القانون السوري" من حالات الطلاق المبكر، ويقول إن القانون عادة لا يتدخل في الأسباب وإنما يعالج الوقائع والنتائج المترتبة على الطلاق، وما يسمى بـ "الطلاق المبكر" ينتج في أغلب الأحوال عن الاكتظاظ السكاني وسكن الخيم التي ترفع نسبة التوتر والعصبية عند الناس، ناهيك عن تسرع الأهل في تزويج ابنتهم دون دراسة الطرف الآخر أو التأكد من أخلاقة وعمله.
كما إن الفقر والجهل وعوامل أخرى عديدة ساهمت بالوصول إلى هذه النتائج المرعبة، حيث أشارت صفحة وزارة الداخلية في (حكومة الإنقاذ) المحلية، إلى أن حالات الطلاق في المنطقة خلال شهر أيار الفائت بلغت 279 حالة طلاق، بينما تم تسجيل 3 آلاف و 243 حالة زواج في الفترة نفسها، علما أن كثيراً من حالات الطلاق تتم تسويتها أمام لجان شرعية وبعيداً عن دروب المحاكم الشائكة وقبل أن يتم تثبيت الزواج أصولاً.
التعليقات (3)