سلسلة العبودية السورية

سلسلة العبودية السورية

لا أعرف من قال: (أسوأ أشكال العبودية هي العبودية للعبيد)، يعني أن يكون المرء عبداً لعبد آخر، وفي الحقيقة لا يمكن على الإطلاق إطلاق كلمة مرء أو امرئ أصلاً على العبد، فالحرّية سِمة إنسانية خالصة وصافية والعبودية لا تكدّرها أو تلطّخها فحسب، بل تخرجها تماماً من هذا السياق، سياق الإنسانية. 

ولمن قد يعتقد أنّ هذا الاستهلال قد لا يعبّر عن سوى عن طموحات عامّة غير موضوعية أو عن رؤى نظرية فاضلة، لأنّ تاريخ البشرية حافل صادم ومنذ أقدم العصور بظاهرة استعباد الناس للناس، بل إنّ العبودية ومع مرور الزمن لم تعد تقتصر على تلك الأشكال التقليدية أو النمطية التي سادت، وهي تملُّكُ أجساد الناس وامتلاك هوياتهم والتحكّم بحيواتهم ومصائرهم، وهي العبودية القسرية التي كانت تحدث عبر العصور جرّاء الأسر بسبب الحروب، أو بسبب الغنى والاستبداد والفقر مقابل الحاجة، أو بسبب القوّة البدنية مقابل ضعفها، ولربّما العبودية الجنسية لأية اعتبارات مفهومة أو غير مفهومة، لكنّ الحديث على أيّة حال ليس عن العبودية القسرية ولا حتّى عن العبودية الطوعية التي لا يمكن تبريرها لا بطريقة علمية ولا بشكل خرافي بأيّة وسيلة أو فكرة ولو كانت مجرّدةً، إنّما الحديث عن عبودية عبد لعبد، وبالأدقّ عبودية عبد لعبد غارق في العبودية لا يفرق شيئاً عن العبيد الذين كانوا يباعون ويُشتَرون من الأقفاص في أسواق النخاسة، والأنكى من ذلك عبودية عبد لعبد يعبد عبداً مستعبداً. 

جعلتني المشاهد الكثيرة التي تتابَعتْ وتابعتُ الكثير منها، تلك القادمة من سوريا "العبد أسد" خاصّةً في الشهور القليلة الماضية أفتتح بهذا القول بداية هذي المقالة، والأمثلة عن تلك المشاهد أو المقاطع كثيرة جدّاً، مشاهد ومقاطع لحياة السوريين وأوضاعهم في سوريا المذكورة، منها ما كان يتعلّق بالشؤون التموينية والغشّ وغلاء الأسعار، منها ما تعلّق بالازدحام المروري ومصائب النقل والمواصلات، ومنها طبعاً ما كان ديدن "المواطنين" فيه الشكوى من سوء الخدمات بأشكالها الصحّية التعليمية الكهربائية المائية الغازيّة الأرضية البحرية الجوية.. قُل ما شئت، كلّ شيء سيّئ ورهيب وإلى درجة ما تحت حضيض الحضيض بمسافات حضيضية!. 

لكنّ مقطع النسوة اللواتي كُنَّ ينتظرن الحصول على بضعة أرغفة من "الخبز" أمام مركز أحد "المعتمدين" لتوزيعه في "دمشق"، مشهدهنّ وهذا المعتمد ينبح عليهنّ وعلى إحداهنّ خصوصاً مثل كلب أجرب قذر كلبان فلا تستطيع واحدة منهنّ أن تنبس، جعلني أفكّر: يا الله ما هذا الذلّ؟، وما كدتُ أتابع جزءاً قصيراً من المقطع حتى اكتشفت أنّ ثمّة بشراً آخرين يقفون في المكان قرب هؤلاء النسوة خلفهنّ تماماً، بشر إنّما ينتمون إلى الجنس الآخر، جنس الذكورة الذي قد لا يكون كلّ من ينتمون إليه رجالاً، لكن في مشهد الذلّ هذا كانوا جميعهم مجرّد ذكور، ولم يجرؤ ذكَر منهم على أن يفكّر بآدميته حتّى، قبل أن يخطر بباله موضوع الرجولة فيصرخ غضباً أو احتجاجاً على الأقلّ. 

تتسلسل العبودية ههنا كما يلي: عبودية المرأة والرجل الواقفان ساعات لأجل الحصول على خبز لمعتمد الخبز السافل وذلك بسبب الحاجة كما هو واضح من كلّ المشاهد المشابهة، فمثلها العبودية لموزّع الغاز ولموزّعي المحروقات، عبودية لجباة تحصيل فواتير المياه والكهرباء، عبودية للشرطي، عبودية للبقّال وللجزّار والسائق وإلخ.. 

في المستوى الثاني.. أصلاً فإنّ هذا المعتمد الكلب أو الكلب المعتمد ليس إلّا عبداً لمن عيّنه وخوّله باستعباد الناس وإيذائهم، مدير الفرن مدير المخابز مختار الحيّ أو ربّما بل غالباً مجرّد شبّيح من عناصر "لجان الدفاع الوطني" وتفو لا يمكن ألّا تُذكر هنا، وينطبق هذا على جميع المذكورين وغيرهم من موزّعين ومحصّلين وموظّفين في الدرجات الدنيا، والمسألة مسألة عبودية حقيقية تتعلّق بأصول وحاجات الحياة، بالأحرى المعيشة، لا.. في الحقيقة من أجل البقاء، فهكذا وباختصار.. هؤلاء بشر بأجساد لكن بلا أرواح.. 

طبعاً.. تستمرّ "السلسلة"، سلسلة العبودية: مدير المخابز الوضيع عبد لمدير التموين المنحطّ، المختار الإمّعة عبد لرئيس البلدية القذر، الشبّيح الحقير عبد لعنصر مجرم في الفرقة الرابعة، ومدير التموين عبد للوزير، رئيس البلدية عبد للمحافظ، عنصر الفرقة الرابعة عبد لضابط إيراني نعم إيراني استعبد معلّمه العلوي بقرار من العبد ماهر أسد، وهكذا دواليك، ولم يكن في سوريا قبلاً وأصلاً شيء اسمه "منظومة إدارة وحوكمة"، ولا قانون يحكم مسائل التعيينات والوظائف والاستحقاقات والمناصب، عبودية تامّة الأركان والعناصر، تسمع الكلام.. تنفّذ الأوامر.. نُبقيك.. ونجعلك تستعبد من نمكّنك منهم يا عبد!. 

سلسلة طويلة من العبودية متفرّعة ومتشعّبة أيضاً، عاشها السوريون منذ متى.. تعرفون طبعاً، والوحشية التي يتعرّض لها البسطاء والفقراء والأبرياء منهم اليوم لم يمكن تخيّلها أبداً،  لكنّها تحدث وتستمرّ وتستفحل في كلّ ثانية وأجزائها، وما يصل عبر الإعلام ليس إلّا غيضاً من فيض بل أقلّ من ذلك بكثير، والحقيقة أنّ هذه المأساة العنيفة الرهيبة لا تقتصر على حالة مناطق سوريا "العبد أسد"، بل تمتدّ هنا وهناك وهنالك وإن كان بدرجات قد تخفّ أحياناً تبعاً لحالة الرفض لمن جرّبوها أو للحالة الاقتصادية إن تحسّنت، وكم من "نشطاء ثوريين" استغلّوا أو حاولوا استغلال حاجات الناس لمآرب دنيئة، بالطبع هم فقط معتمدون كلاب أو كلاب معتمدون، ليس إلّا.. 

العبد الأخير في سلسلة العبودية السورية هو المُشار إليه، واضح أعتقد، العبد الذي استعبده بوتين وخامنئي وضبّاطهما ومرتزقتهما استعباداً، العبد الذي باعته أمريكا وإسرائيل في سوق النخاسة، العبد الخانع الراكع الذي تعبده العبيد، ويعبد عبيده العبيد وعبيد عبيده أيضاً، من أجل لقمة خبز. 

يا لمصيبتنا، ويا للعار!. 

التعليقات (1)

    يحيى

    ·منذ سنة 5 أشهر
    وكذلك عبيد تركيا .. موظفي المجالس المحلية وحكومة الاتلاف في عفرين او موظفي حكومة الانقاذ في ادلب عبيد عند مشغليهم الوزراء وقادات الفصائل ابو عمشة والجولاني ، والذين هم عبيد عند الاستخبارات التركية الذين يأتمرون باوامر حقاني وصويلو واردوغان عبيد عند CIA
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات