لماذا يقع اللوم على العلويين فقط؟

لماذا يقع اللوم على العلويين فقط؟

مع انطلاق الثورة السورية السلمية وانتشارها كالنار في الهشيم لتصل إلى كل أرجاء الوطن المحتل، ومن ثم عسكرتها وأسلمتها، لم يرجع العلويون فقط إلى طائفتهم رغم أنهم أول من فعل ذلك؛ فقد رجع الدروز والإسماعليون والمرشديون إلى طوائفهم.. كذلك رجع المسيحيون والأرمن إلى زعماء كنائسهم؛ والأكراد إلى أحزابهم القومية؛ في حين بقي جزء كبير من أبناء الطائفة السنية مناصراً ومؤيداً ومدافعاً عن الأسد... أما المنتفضون منهم ضده فشكلوا الخزان البشري الأساسي للثورة، ومع ذلك انضم جزء لا بأس به إلى التنظيمات الإسلامية المتطرفة لاحقاً، بمعنى أنهم رجعوا أيضاً إلى طائفتهم!

ومع ذلك، كان هناك الكثير من أبناء وبنات هذه الطوائف والقوميات والأعراق، لا سيما اليساريين والليبراليين، قد واجهوا مثل هذا الفكر والتوجه الرجعيين في السابق، ووقفوا معارضين ومنتقدين بشدة له على مدى عقود ماضوية كثيرة. وكان هناك وقت في البلد لم يدرك فيه السوري ماهية الطائفية، بحيث، في بعض الأحيان، لم يعرف العلوي أنه علوي، والشيعي شيعي، والسني سني، والمسيحي مسيحي..، إلا بعد ذهابه للخدمة الإلزامية في الجيش؛ حيث يصدم بما يراه ويعانيه ويكابده من قبل الضباط ذوي الأصول العلوية!

إذاً، تمت صناعة هذا التمييز في الجيش، وفرض علينا لاحقاً في مجمل مناحي حياتنا اليومية، لا سيما بعد أحداث الثمانينيات الدامية وخروج الوحش الطائفي المتمثل برفعت الأسد وسراياه القاتلة... هدأت الأمور بعض الشيء، مع الأمل الكاذب في تقديم الزوج المدروس بعناية - بشار الأسد العلوي وأسماء الأخرس السنية - كنموذج جديد للمستقبل السوري الخالي من الطائفية.. تغير كل شيء في زمن الثورة لأنه حدث الاصطفاف والتمايز؛ وكان من الصعب إعادة التوازن والانسجام إلى المجتمع السوري.. وهذا كله صب، ويصب حتى الآن في مصلحة ذلك الزوج الهجين! 

لقد أدى الانقسام المتزايد على أسس دينية وطائفية وعرقية وقومية إلى حقيقة أن الطبيعة المنفتحة للسوريين قد تم استبدالها بأفكار الإسلام الجهادي والانفصالية العرقية والطائفية الانتقامية، ما أدى إلى زيادة العدوانية في الخطابات والتصرفات المتبادلة، وظهور صراعات مستعصية لا يمكن حلها لا في المستقبل القريب، ولا في البعيد...

لكن لماذا يقع اللوم على العلويين فقط؟

ربما، لأن أكثرية العلويين وقفت مع عصابة الأسد، رغم وجود معارضين له بينهم طبعاً، مقابل الاستفادة منه عبر التطوع في جيشه وأجهزة مخابراته ومراكز شرطته، أو الحصول على وظيفة، أياً كانت وفي أي مكان كان.. المهم هو الحصول على موطئ بسطار على الخارطة السورية؛ ومن ثم التمدد والعمل كسمسار/سمسارة لأحد المسؤولين المتنفذين أو ضابط من المخابرات!

هذا يعني أن العلاقة بينهم ليست طائفية تماماً، وإنما علاقة ريعية انتهازية بحتة؛ وبالتالي ليست عضوية متينة أبدية كما يتصورها الغالبية؛ ويمكن لهذه العلاقة أن تتأزم وتتوتر في حال تراجعت المصالح، أو فقد أحد الأطراف امتيازاته فجأة كما حدث مع آل مخلوف وقبلهم مع آل جديد وغيرهم... كذلك يمكن في أية لحظة فك الاتباط بين الطرفين حال توافرت الشروط والظروف والبدائل - رفعت الأسد وأولاده نموذجاً... لكن، للأسف، حتى اليوم لم يتوفر سوى بعض البوادر المشجعة، والتي كان من المفروض دعمها وتشجيعها والوقوف معها؛ وليس السخرية والتهكم منها، ونبذها في النهاية... 

من المعروف أن رغوة الحليب تصعد نحو سطح القدر رويداً رويداً مع ارتفاع درجة الحرارة؛ وفي النهاية يفور مرة واحدة عندما تصل حرارته إلى المستوى المطلوب. وهكذا، فقد خرج الكثير من العلويين عن صمتهم التقوي، وأخذوا يتحدثون علناً.. كذلك بدأت بعض نخبهم برفع وتيرة أصواتها المعارضة للأسد، لتأخذ منحى جديداً من خلال تحديد "الرئيس" بنبراتها وتوجيه الأصابع الاتهام مباشرة إلى أفراد عصابته الحاكمة؛ في حين كانت غارقة في العموميات والمجازيات وبكائيات الخوف الوجودي سابقاً، وإن تحدثت فالحديث أخذ أبعاداً دائرية حول الفساد والمحسوبيات والتقصير والإهمال... لذلك، إذا كان هناك لدى الطائفة العلوية انحياز مطلق للأسدية في البداية، فقد تغيرت الأمور نوعاً ما بعد ذلك، وتراجعت شعبية "المخلص" و"الضامن"؛ الذي أصبح "مورط" العلويين في سفكهم للدم السوري!

الطائفية تركة ثقيلة تم توارثها منذ زمن طويل، وتعززت في عهد آل الأسد الديكتاتوري؛ والتي ظهرت أثناء الثورة بسبب التشويهات البروباغندية الحاقدة التي رافقت مسيرتها؛ لذلك تم إجهاض كل عملية تهدف إلى تصحيح العلاقات بين أفراد الشعب السوري. لم تستطع الثورة للأسف أن توحد جميع أطياف المجتمع السوري ضد الطاغية، بل نفثت نار الطائفية الخامدة تحت طبقات الديكتاتورية المركبة، وأخرجت ما يحويه قاعها من رواسب راكدة إلى السطح.

يقول لينين: "يجب ألا نضلل أنفسنا، فلتكن لنا الجرأة على الإقرار صراحة بما هو قائم"؛ لذلك علينا خلق ظروف جديدة يمكن أن تخدم في إصلاح الأوضاع وتقويمها تقويماً صريحاً ومبدئياً كما هي على حقيقتها، لأن ذلك يمكنه أن يزيل كل سبب لتفاقمات واحتقانات سابقة، بحيث يمكننا أن نمتلك الجرأة ونعترف جميعاً بأخطائنا، لكي نفتح الطريق أمام الحرية والعدالة والمحاسبة والمصالحة الوطنية... وإذا لم نفعل، فستبقى سوريا ممزقة مقسمة تحكمها عائلات وتنظيمات عابرة للدم ليس لها علاقة بالسوريين لا من بعيد ولا من قريب، وشعبها مهجر ونازح، والديكتاتور مرتاح في قصره العالي وأمامه تمتد سورية كسجن كبير لا فرق فيه بين السجناء والسجانين!

لقد عمل الأسد على شغل أبناء طائفته بقيادة عمليات تعذيب وقتل وتشريد واغتصاب وتهديم مدن وقرى وبلدات أبناء جلدتهم من السوريين الآخرين.. إن حب آل الأسد للسلطة أعماهم وجعلهم لا يرون أحداً؛ لذلك علينا أن ندرك أن تحرر العلويين والطوائف الأخرى من ربقة الأسد يصب في حرية سورية كاملة. 

دعونا من العواطف المشروخة، وليسأل كل واحد من العلويين نفسه هذه الأسئلة: ماذا يمكن للأسد أن يقدم لكم أكثر من ذلك الراتب التافه التعيس المغموس بدمكم ودموعكم؟ هل تقبلون أن تبقوا رهائن له ولجشعه ووحشيته وبرودة دمه التمساحية؟ ألم تفهموا أن الأسد قد استخدمكم وقوداً لحربه الظالمة ضد بقية الشعب السوري؟ ألم تشعروا حتى الآن بأنهم يدفعونكم لتحاربوا من أجل أنفسهم وليس من أجل العلويين؟ ألم تدركوا أنه في حال شعوره بقرب سقوطه سيهرب بأول طائرة هو وأفراد أسرته فقط، وتبقون أنتم في مواجهة الأكثرية؟... من يسرق السوريين وثرواتهم منذ نصف قرن؟ هل أنتم راضون عما يوجد في البلد من مؤسسات فاشلة ومشافٍ قذرة ومدارس وجامعات متخلفة؟ من جلب المرتزقة الشيعة من كل حدب وصوب؟ من أدخل الروس وأعطاهم النفط والغاز ومناجم الفوسفات والموانئ والمطارات..، ومن ثم جعلكم عبيداً لهم؟ من أفرج عن المتطرفين الإسلاميين في سجونه وسمح لهم بالتغلغل بين صفوف الثوار ليحولوا ثورتهم إلى جهاد وقصاص ونكاح؟ من أطلق سراح القتلة وأصحاب السوابق والجنح لينضموا إلى الثوار ويصبحوا شبيحة من نوع آخر؟ من سمح للأتراك بالدخول وفرض الوصاية على المناطق الخارجة عن سيطرته؟ من استقطب أوجلان وجماعته من أكراد تركيا وفتح لهم المعسكرات وقدم لهم كل أنواع السلاح والذخيرة والدعم ليحتلوا في النهاية الجزء الأغنى من الوطن؟ من أرجع سورية إلى قرن للوراء بينما كانت منارة ومقصداً للجميع في العالم؟ 

على العلويين أن ينتفضوا ضد من يستخدمهم كي تبقى عائلته تحكم إلى أبد الآبدين.. عليهم أن يقوموا ضد من يقتلهم باسم الدفاع عن الطائفة بينما هو يقتلهم باسم الدفاع عنه، وعن عرشه، وعن رفاهيته.. هو يتنعم مع أولاده وأقربائه بكل شيء.. هم يملكون القصور والفيلات والسيارات الفارهة والأموال الطائلة، بينما أكثريتكم العلوية ماذا تملك: رواتب، حواكير، بيوت متهالكة مخالفة على أطراف دمشق؟

أنتم تموتون وهم يعيشون.. انظروا، انظروا فقط إلى صور بشير يوسف هارون المُصاب بالشلل شبه الكامل، والمُلقى على فراش تعفنه وهو يعاني ما يعانيه من غياب أدنى مقومات الحياة البشرية؛ واسألوها واسألوا أنفسكم: ماذا أعطاه إصراره على تأييد الأسد بداية بصوت عال، أي قبل أن يُصاب بالشلل شبه الكامل؛ ونهاية على استحياء وخجل؟ ماذا قدم له تفاخره باستقبال الأسد وزوجته أسماء له، وأخذه بعض الصور معه؟ هل يهم الأسد موت بشير يوسف هارون بشرف أو ذل الغرق في برازه؟ 

إن ما يهم الأسد هو أن يبقى حتى لو مات الجميع من أجل ذلك: الثائر والمعارض والموالي وشبه الموالي والمحايد وأصحاب مقولات: "الله ينصر الحق"، "الله يطفيها بنوره"...

هناك نصب في إحدى قرى طرطوس لأسماء الذين قتلوا من هذه القرية.. قد يكون هذا عادياً ولا يلفت انتباه أحد، لأنه يوجد مثله في كل مدينة وبلدة علوية تقريباً؛ لكن هناك شيء مهم في هذا النصب، وهو وضع صورة بشار الأسد في أعلى قائمة القتلى؛ بينما يوجد مكان فارغ في الأسفل من أجل تسجيل أسماء القتلى الجدد.. إذاً، أيها العلوي المحترم لا تجعل اسمك يكون التالي! 

في النهاية، لا أحد يلوم الذئب على صيده أرنباً جميلاً؛ فهذه طبيعته.. ربما يحزن المرء قليلاً، لكنه ما يلبث أن ينسى.. لكن، ماذا لو خالف الأرنب قوانين الطبيعة وأصبح ذئباً!

إذاً، لا تكونوا الذئب ولا الأرنب في طفرته التحايلية.. كونوا بشراً حقيقيين يؤمنون بأحقية الجميع في العيش الحر الكريم المحترم المتسامح داخل وطنهم السوري الواحد؛ وليس وطنهم الأسدي الطائفي القمعي الاستبدادي اللئيم.

التعليقات (7)

    ......

    ·منذ سنة 5 أشهر
    صحيح انا ابداً ما بهمني موضوع الاديان والطوائف بس الصراحة انو العلويين مو انو رجعو لطائفتن بداية وقوع الثورة ، هني اصلاً ومن طول عمرن اكتر الطوائف طااائفية وتمييز عن جد ، هني اصلاً ما غادرو طائفتن لحتى يرجعولا ، من طول عمرن هيك، مفكرين حالن سادة ع كل البشر ..واكبر مثال انو هتلر سوريا (حافظ الجحش) ما اعطى اكبر قيادات و مناصب حكومتو الا لعلويين ...

    واحد من السوريين

    ·منذ سنة 5 أشهر
    مقال نادر و مطلوب ... لأنه كتب بطريقة لم يكتبها أحد من قبل أو لم يتجرأ بالأحرى على كتابتها و مطلوب لأننا يجب أن نغير طريقة التخاطب التخوينية مع العلويين و التي لم تجدي فحالهم كحال مجموعة خائفة و بنفس الوقت تحتجز الكثير من الرهائن و هنا احياناّ لا تنفع لغة العنف او الحرب خوفاً على سلامة الرهائن و المعني بهم هنا سوريا بأكملها .. و يجب ان نعرف و نعترف أن الوطن رهينة بيدهم . و ان اي طرف منا لن يستطيع أن يبيد الآخر أو يقضي عليه . فلنجرب الحوار و السياسة و نقدم مشروع يضمن حق الجميع و يطوي صفحات الالم و الموت .. و لنفكر بعقلانية .... نسبة كبيرة منهم لا يعرف ما هي الديمقراطية و لا حقوق الإنسان و لا معنى التعايش السلمي و لا الانتماء لوطن الكل فيه متساوي . هم يرون أن كل شيء في هذا الوطن قدمه لهم الاسد و اوصلهم للحكم و هو يحميهم من البعبع السني . معظمهم لم يسافر و يرى الوجه الآخر للعالم ... هم يعيشون في دائرة محددة و عالم خاص مفرداته هي الأمام علي . الأسد . سيدي . البعث . الفرع . الأمن . شو جايب لنا معك . شو بتدفع . باص المبيت . و البوط العسكري . هكذا تمت إدارتهم من قبل آل الأسد و هم أسرى هذه الأفكار و العقلية ... فلا بأس بأن نراجع أخطأنا و نبدأ بتحريرهم من هذه العقلية و نمضي في طريق يحقن دماء السوريين و يعيد عزهم و هيبتهم .

    سوريا حرة

    ·منذ سنة 5 أشهر
    انت تتكلم عن طائفة عقولها منغلقة موبؤة بالتقوقع والطائفية النصيريون لن يتراجعوا عن عقليتهم المريضة إلا عندما يشعروا بالتهديد الوجودي. يتراجعوا ويتظاهروا بالعقلانية والاندماج تقية فقط لتمر السنون ويعودوا عاداتهم القديمة. وهذا هو التاريخ أمامكم يؤيد مانقول عمليا.

    سوري

    ·منذ سنة 5 أشهر
    لاتندهي مافي حدا مافي حدا.

    واحد من السوريين

    ·منذ سنة 5 أشهر
    يا أورينت الحبيبة المحترمة ... ليش عم تتأخروا بتنزيل التعليقات ؟؟ الناش قرأت المقال و خلصت و لما تنزّلوا التعليق متأخر ما حدى راح يقرأه او بالأحرى قلة قليلة.

    Asyrian

    ·منذ سنة 5 أشهر
    لولا حثالات السنة, لما بقي الاسد في الحكم ليوم واحد.. وبالطبع, لما وصل ال الاسد اساسا للحكم.. السنة هم اكثر الطوائف خنوعا وذلا وغباءا للاسف... كمية الجهل والسذاجة والغباء والتشبيح والذل والعبودية التي تجري في دم السني رهيبة... اعتمد ال الاسد ولازالوا وسيبقون معتمدين على حمير السنة من مشايخ وطائفيين ومتطرفين.. داعش السنية (العميلة لايران طبعا) ومن بعدها جبهة العهر الاسلامية وطوائف الارهاب (السني) هم الذراع اليمنى للأسد.. وحدهم العلمانيون والمنادون بالدولة المدنية هم الان من يقف بوجه الاسد ومليشياته الطائفية (ومن خلفها مليشيات ابن العاهرة الجولاني)... عدد المثقفين الثوريين من باقي الطوائف وكنسبة هم اكبر بكثير من عددهم (كنسبة) ضمن الطائفة السنية التي كانت على الدوام ايضا الخزان البشري للشبيحة مرتزقة الاسد

    بسبب

    ·منذ سنة 3 أشهر
    بسبب أن العلويين ملة قذرة لا تاريخ و لا حضار و لا أخلاق حميدة لا شرف /// إنهم نجاسة تعيش على الفساد و لقد تفوقوا على اليهود و البوذيين و الهندوس في نجاستهم
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات