هل حان وقت إصلاح الجيش ومؤسسات الشمال؟

هل حان وقت إصلاح الجيش ومؤسسات الشمال؟

مما لا شك فيه أن الحاضنة الشعبية في الشمال تعيش أوضاعاً غير مستقرة على كافة المستويات, الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الثورية, وهي ترى بأم عينها كيف تتبدد أحلامها وتضيع تضحياتها التي راكمتها على مدار قرابة أحد عشر عاماً, وكيف أن كل ما تم إنجازه من رصيد ثوري عُمّد بتضحيات ودماء وعذابات واعتقال وتشرد ونزوح, يُصرف اليوم على أيدي جهلة تصدروا المشهد العام للثورة, فدمروا معظم أركانها, سواء عبر سوء أدائهم أو عبر غبائهم أو عبر تقديم مصالحهم ومكاسبهم ومناصبهم على مصالح أولياء الدم والأرامل واليتامى والمشردين بالخيام من نازحين ومهجرين وحتى المقيمين من أبناء الشمال.

لكن بالمقابل نجد أن الجانب التركي أيضاً, بات مؤخراً يبدي ضيقاً وانزعاجاً عبر مسؤوليه ومحلليه السياسيين والعسكريين الذين ينقلون نبض الرأي التركي, مما آلت إليه الأمور, واليوم لن نعود إلى القرارات والبدايات الخاطئة التي أوصلتنا لما نحن فيه, فالوقت الضاغط والحال المتأزم, ومآلات وارتدادات غزوة الجولاني الأخيرة على منطقة غصن الزيتون, وتشرذم الجيش الوطني, وتهلهل أداء الحكومة, وضياع قرار مؤسسات الثورة, كل ذلك يحتّم القول إن واقع حال الناس بالشمال لا يحتمل مزيداً من المماحكات, ومزيداً من الجدال حول المسؤول عن الواقع الحالي, بل علينا جميعاً من سوريين وشركاء وحلفاء, البحث عن حلول سريعة وناجعة, تدفع بعربة الإصلاح اللازمة والضرورية لإخراج الناس من ضيق عيشها ونفاد صبرها, وتحسين أوضاعها بكافة السبل وعلى كافة الصعد.

لا استقرار دون قوة عسكرية تحمي الحدود عبر وزارة دفاع حقيقية لا صورية, تصون المنطقة, وتحقق توازن الرعب مع العدو الأسدي والإيراني والروسي, وبالتالي نحن بحاجة لمؤسسة عسكرية حقيقية, تزود بالدفاع عن المحرر, وتفرض حالة عسكرية تمثل نبض الشارع الثوري, مؤسسة من رحم الثورة ومن أبنائها المخلصين, يُراعى في جيشها المهنية والحرفية والهرمية والتراتبية العسكرية بعد أن يرفع (الفيتو) عن عودة الضباط الحقيقيين وليس الاعتماد عمن تم تصنيعهم وترقيتهم ووضع الرتب المزيفة على أكتافهم لغايات ومحسوبيات لا علاقة لها بالثورة, عودة الضباط المنشقين تكون لتولي زمام المهمة الوطنية بالتشارك مع الشرفاء والوطنيين من الثوريين بالداخل والخارج, وإعادة الفصائل والمقاتلين الذين شرّدهم الفساد وإرهاب تنظيمات القاعدة (داعش وجبهة النصرة)ّ, وليس عودتهم للعمل تحت أيدي جهلة لا تمثل لهم الثورة أكثر من أرقام حسابات بنكية, معيارهم وبوصلتهم فيها زيادة أرصدتهم المالية والعقارية والنفوذية والتسلطية.

لا أمن دون وزارة داخلية مهنية وحقيقية, تمثل ثقة الناس, ويشعرون قربها بالأمان والطمأنينة, مؤسسة تستلم أمن المدن والبلدات والقرى والمعابر, لا سلطة تعلو على سلطتها, أهدافها مصالح الشعب, ومرجعيتها الحكومة التي تتبع إليها, لا كما نعيش اليوم بأن يكون أمراء الحرب هم مرجعيات الأمن ومرجعيات القضاء, والأحكام والتحقيقات تخضع لمزاج ومصالح إقطاعيات المزارع, وعبر النهج المتبع, ضاعت الحقوق وأصبحت شريعة الغاب من تتحكم بمفاصل الأمن الداخلي, وللخروج من هذا الواقع اللامُرضي، يجب استقطاب أصحاب الخبرة وأصحاب التجربة وأصحاب المهنية من ضباط أمن وصف ضباط, والاستعانة بخبرات ضباط وأمناء الجمارك والموظفين السابقين بالمؤسسات الخدمية, للنهوض بواقع المحرر, ولا سلاح بالمدن ولا مقرات عسكرية ولا تجمعات مسلحة, وتلك يجب نقلها للخارج, ويجب بناء مقرات عسكرية وثكنات للمقاتلين خارج المدن بدل بناء المولات والشركات الشخصية التي تموّل من المال المسروق وتسجل بأسماء القادة.

يقول الزعيم تشرشل: القضاء والتعليم معيار التقدم والنهوض بالأمة، وبالتالي نحن بحاجة لوزارة قضاء عادلة، تعيد الحقوق لأصحابها، وتكون معايير الحكم فيها تطبيق شرع الله والقانون لا مصالح أمراء الحرب وأصحاب رؤوس الأموال وأصحاب النفوذ، ولدينا من القضاة الشرفاء ما يكفي لتطقيم وزارة العدل وجعل منصة القضاء تعلو على الجميع ويخضع لها الجميع دون استثناء.

المجالس المحلية التي تعتبر الدائرة الأضيق والأقرب للحاضنة الشعبية, يجب إعادة هيكلتها وإصلاحها, لتكون كوادرها ممن تلامس ضمائرهم حال الناس, وليس كالواقع الحالي بعد أن تم اختيار معظم رؤساء وأعضاء المجالس الحالية بناء على محسوبيات وصلات قرابة وشراكة بالفساد, فأصبحوا سيفاً مسلطاً على رقاب العباد.

من المؤكد أن لا رفاهية وقت اليوم أمام صانع القرار السياسي والعسكري, فالوضع الداخلي بحاجة للاستقرار, والحليف التركي أيضاً هو الآخر قادم على استحقاقات انتخابية مفصلية, والشمال يدخل في صميم توجهات واهتمامات الكثير بالداخل التركي, وبالتالي يجب التعاون على إصلاح الشمال خدمة للسوريين وخدمة للحليف, إصلاح وتصحيح يسحب الكثير من الأوراق الضاغطة التي قد تستغلها أحزاب معارضة للنيل من الحزب الحاكم, ومن المؤكد أن السوريين والأتراك لديهم قناعة تامة أن حال الحكومة المؤقتة بوزاراتها ومجالسها المحلية لا تسر أحداً حتى على القائمين عليها, ومن المؤكد أيضاً وبعد غزوة الجولاني لعفرين, والتشرذم الذي لحق بالجيش الوطني, لا يستحق من عاقل مزيد من التفكير بضرورة الإسراع بإصلاح هذا المشهد التعيس لوزارة الدفاع والحالة الفصائلية التي ترخي بظلالها على الواقع العسكري بالشمال, والإصلاح لا يعني مطلقاً نهج الترقيع الذي جُرب سابقاً وما عاد إلا بمزيد من الويلات, وبنفس الوقت لا يعني إعادة تجربة المجرّب, فلدينا من القامات العسكرية الوطنية والكوادر العلمية والمهنية من مختلف الشرائح والتخصصات, ولكافة مناحي العمل, لدينا خبرات وفعاليات وعقول تفخر بها الحاضنة الشعبية لكنها غُيبت عن سبق إصرار وقصد, هؤلاء يجب أن توكل لهم قيادة المرحلة وتسند لهم المهام, مع تفعيل لجان المراقبة والمحاسبة والمتابعة, وتقديم برامج عمل ترصد المطلوب وتحقق المراد وتخضع للسؤال والمكافأة والعقاب.

هي صرخة تسبق كلام متداول عن تشكيل قيادات عسكرية جديدة وإصلاح لمؤسسات سياسية, لكن ما يسرب عنها لا يسر الخاطر ولا يريح البال لأنه يعيد تكريس الواقع, والحلول اليوم لا ينفع معها التراخي والتهاون, وإلا فالقادم سيكون أسوأ من الكارثة التي يعيشها الشمال حالياً. 

التعليقات (2)

    أحمد أبو نسيم

    ·منذ سنة 5 أشهر
    اي والله كلام جميل

    أنس غزال

    ·منذ سنة 5 أشهر
    افتقار قادة الفصائل إلى حوكمة عملهم إن كان عملا ثوريا
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات