تضخيم إعلامي وإقبال خجول.. لبنان والأسد يطبقان أولى مشاهد "مسرحية العودة الطوعية"

تضخيم إعلامي وإقبال خجول.. لبنان والأسد يطبقان أولى مشاهد "مسرحية العودة الطوعية"

بالفعل، طبّق حلف إيران في سوريا ولبنان (نظام أسد وحلفاؤه) أول مشاهد "مسرحية العودة الطوعية" بإعادة دفعة من اللاجئين السوريين إلى بلادهم أمام عدسات الإعلام وشعارات تخفي وراءها الأسباب الحقيقية للعودة، من أساليب التضييق الممنهج الذي مارسته سلطات لبنان خلال الأشهر والسنوات الماضية تجاه اللاجئين على أراضيها، رغم التحذيرات الدولية والحقوقية من إعادتهم إلى بلادهم المصنفة "غير آمنة" ، حيث ما زالت أسباب التهجير موجودة في مناطق تخضع لسيطرة ميليشيات أسد ومخابراته.

واحتفى نظام أسد عبر وسائل إعلامه بعودة مئات المهجرين السوريين من لبنان، اليوم، بإجراء مقابلات "مزيفة" مع عدد من العائدين بشكل قسري إلى بلادهم، حيث تضمنت قافلة العائدين نحو 750 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال، دخلوا من معبر الزمراني بريف دمشق، ومعبر الدبوسية بريف حمص.

وبحسب مصادر خاصة فإن معظم السوريين العائدين كانوا يعيشون ظروفاً متردية بمخيمات اللجوء في منطقة عرسال اللبنانية قبل أن يجري الضغط عليهم بشتى الوسائل لدفعهم للعودة، حيث ينحدر معظم اللاجئين العائدين اليوم من مناطق وقرى القلمون الغربي بريف دمشق، وبعض بلدات وقرى ريف حمص، وادعت حكومة أسد أنها "اتخذت كافة الإجراءات والتسهيلات اللازمة لوصول جميع الأهالي إلى مناطقهم ومنازلهم".

كما غابت المنظمات الدولية بشكل كبير عن مشهد العودة "الإعلامي" لمئات اللاجئين إلى سوريا، كون تلك المنظمات كانت وما زالت ترفض الضغوط على اللاجئين لإعادتهم قسراً إلى بلادهم "غير الآمنة"، عكس ما تصر عليه السلطات اللبنانية خدمة لحليفها نظام أسد من جهة، ولتغطية فسادها الاقتصادي من جهة أخرى.

التغطية الإعلامية لوسائل إعلام أذرع إيران في سوريا ولبنان، كانت لا تتناسب مع أعداد اللاجئين العائدين إلى سوريا، لا سيما أن تلك القافلة تحمل على متنها مئات العائدين مقابل مئات الآلاف الذين رفضوا العودة من لبنان لغياب الظروف الملائمة وكذلك غياب الضمانات التي تحميهم من بطش ميليشيات أسد، إلى جانب الحضور الخجول للموافقين على مسرحية العودة بخروج 12 لاجئاً سوريا "فقط" من معبر المصنع الذي يعد المعبر الرسمي بين البلدين، سيما وأن قافلة اليوم شملت لاجئين يقطنون في منطقة عرسال وسلكوا طرقات وعرة في منطقة حميد باتجاه معبر الزمراني بريف دمشق.

وفي الضفة المقابلة، لم تحتفِ السلطات اللبنانية بعودة مئات اللاجئين السوريين إلى بلادهم وحسب، بل عدت ذلك الإنجاز بمثابة "نصر عظيم" ووصفه وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار أنه "يوم وطني وتاريخي"، نافيا وجود أي ضغوط مورست على اللاجئين العائدين.

في حين أكدت مصادر لبنانية مطلعة لمراسلتنا إيلينا بونعمة في لبنان، أن قافلة اللاجئين العائدين إلى سوريا لا تتعدى سوى أنها "مسرحية" تنفذها السلطات اللبنانية أمام الرأي المحلي والدولي، بينما تؤكد الوقائع الفعلية غياب أي ظروف ملائمة لعودة السوريين إلى بلادهم.

ونقلت المراسلة عن حقوقية مختصة بشؤون اللاجئين السوريين في لبنان، قولها إن دفعة العائدين شملت أشخاصاً غير مطلوبين أمنياً لمخابرات أسد من جهة، ويعيشون ظروفاً معيشية قاهرة في مخيمات اللجوء بمنطقة عرسال، حيث انتقدت الحقوقية عودة اللاجئين إلى سوريا، كون بلادهم ما زالت تفتقد الظروف الملائمة على الصعيد الأمني والاقتصادي، ولغياب أي ضمانات لحماية العائدين من الملاحقات الأمنية من ميليشيا أسد ومخابراته.

فيما أشارت الحقوقية إلى مخاوف تطال السوريين السجناء الذين أنهوا فترة سجنهم، حيث سبق وأن أقرت السلطات اللبنانية قبل عامين بإعادتهم إلى بلادهم فور انتهاء محكوميتهم في سجون لبنان، بتهمة "الدخول بطريقة غير شرعية إلى لبنان"، وبتهم أخرى متعلقة بغياب الأوراق الثبوتية وغيرها، رغم أن تلك العودة تشكل خطراً على حياتهم.

عودة "غير طوعية"

وكانت السلطات اللبنانية قد أعلنت في وقت سابق من الشهر الحالي أن مديرية الأمن العام وبالتعاون مع حكومة ميليشيا أسد ستبدأ بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم على دفعات، وذلك بموجب خطة وُضِعت سابقاً لإعادة 15 ألف لاجئ شهرياً.

كما اعتبر المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم، خلال مؤتمر صحفي أمس، أن إعادة اللاجئين السوريين إلى أرضهم "واجباً وطنياً علينا أن نؤدّيه"، وقال إن "لملف النزوح انعكاسات سلبية على كل المستويات لذلك يجب معالجته"، مضيفا أن لبنان يرفض طريقة التعاطي التي تتم معه في هذا الملف، وأن بلاده لن تخضع للضغوطات لأن "مصلحة الشعب اللبناني هي أولاً وأخيراً".

وذكر أن هناك مليونين و80 ألف سوري موجودون حالياً في لبنان، وقرابة 540 ألف سوري عادوا طوعاً إلى بلادهم منذ بدء تنفيذ الخطة عام 2017، وفق قوله.

تحذيرات حقوقية متكررة

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" حذرت في تموز الماضي من عمليات الإعادة القسرية التي ينوي لبنان تنفيذها بحق اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيه، مؤكدة بالأدلة أنهم سيواجهون خطر التعذيب والاضطهاد.

وقالت المنظمة في بيان أصدرته رداً على تصريحات وزير المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال ​عصام شرف الدين بشأن خطة تستهدف "إعادة 15 ألف نازح سوري شهرياً إلى بلادهم" وطلبه من مفوّضية شؤون اللاجئين تعليق المساعدة لأولئك الذين تم اختيارهم للعودة، إن الإعادة القسرية للسوريين من قِبل لبنان غير آمنة وغير قانونية.

ولفتت "رايتش ووتش" إلى أن "أي إعادة قسرية للاجئين السوريين ترقى إلى حد انتهاك التزامات لبنان الخاصة بالإعادة القسرية والتي تنصّ على عدم إعادة الأشخاص قسراً إلى بلدان يواجهون فيها خطراً واضحاً بالتعرض للتعذيب أو غيره من الاضطهاد".

وحسب المنظمة فإنه "على عكس التصريحات اللبنانية، فإن سوريا ليست آمنة لعودة اللاجئين"، مشيرةً إلى أن الذين عادوا بين عامي 2017 و2021 من لبنان والأردن واجهوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، والاضطهاد على أيدي ميليشيا أسد والأجهزة التابعة لها.

واعتبرت أن لبنان "بصفته طرفاً في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من سوء المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة، فإنه مُلزم بعدم إعادة أو تسليم أي شخص معرَّض لخطر التعذيب"، لافتة إلى أن على لبنان "الالتزام بمبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي العُرفي".

 

مضايقات ممنهجة

وخلال السنوات والأشهر الماضية، عانى اللاجئون السوريون في لبنان من حملات تضييق واسعة من قبل المنظومة الحاكمة التي تحمّلهم مسؤولية جميع أزمات البلاد للتهرب من فسادها وجرائمها الكبرى، حيث وصل التضييق لحملات عنصرية ممنهجة يقودها كبار السياسيين، في وقت ما زالت فيه سوريا غير آمنة لعودة اللاجئين بسبب دمار منازلهم وأحيائهم وبسبب الملاحقة الأمنية المتواصلة تجاههم على خلفية مواقفهم المناهضة لميليشيا أسد.

ويستضيف لبنان نحو مليوناً ونصف المليون لاجئ سوري، مسجَّلين بشكل رسمي بحسب الإحصائيات اللبنانية والأممية، ودخل هؤلاء اللاجئون الأراضي اللبنانية منذ عام 2011، هرباً من بطش ميليشيات أسد وإيران وخاصة "حزب الله" اللبناني الذي ساهم بتدمير عشرات المدن والقرى وتحويلها لمقرات عسكرية لميليشياته بعد تهجير أهلها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات