تصدّرت صورة رجل الأعمال السوري غسان عبود غلاف مجلة (Gulf Business) الاقتصادية الشهيرة، حيث نشرت المجلة الأسبوعية في عددها الصادر خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي حواراً مطوّلاً معه، أضاءت من خلاله على شخصية غسان عبود الصحفي ورجل الأعمال والإنسان عبر قصة كفاح ونجاح بدأت قبل نحو 30 عاماً وما تزال مستمرة، صار فيها رقما صعباً بين رجال الأعمال، ليس عربياً فقط بل على مستوى الإقليم والشرق الأوسط، ورائداً عالمياً في الاقتصاد بمجالات كثيرة كالضيافة وتجارة التجزئة، والأغذية، والإعلام، والخدمات اللوجستية، والسيارات، والرعاية الصحية وغيرها.
وتحت عنوان "رجل الأعمال المقيم في الإمارات العربية المتحدة غسان عبود يتحدث عن دور إستراتيجية التنويع السليمة بدفع عجلة النمو" جاء الحوار متناولاً كل تلك القضايا المذكورة في المقدمة، إضافة إلى الحديث عن أبرز مشاريع مجموعة غسان عبود الحالية المتمثلة في مركز الأغذية الإقليمي بالتشارك مع مجموعة موائئ أبو ظبي، وفيما يأتي ترجمة كاملة لنص الحوار كما جاء في المجلة:
مثَّل الإدراك العميق نقطة البداية في قصة نجاح رجل الأعمال السوري غسان عبود لينتقل بعد أن وطأت قدميه دولة الإمارات عام 1994 من عالم الوظيفة المكتبية إلى عالم التجارة والاستثمار، وليصبح الآن رائد أعمال يدير تكتلاً اقتصادياً دوليا ناجحاً.
في تلك المرحلة كان كل ما احتاجه عبود هو إحساس قوي يناديه من الداخل بأن عالم الأعمال بانتظاره وليس بالاكتفاء بمجرد وظيفة ليتخذ بناء على ذلك الشعور قراراً بإنهاء رحلته المهنية القصيرة في مجال الإعلام والبدء بشركة تجارية في العام 1994.
عن بداياته، يقول غسان عبود "برزت الإمارات العربية المتحدة في ذلك الحين كمركز جذب للتجار الدوليين الذين كانوا يقصدونها لتلبية احتياجاتهم من البضائع، وقد شعرت أن الفرصة سانحة لإنشاء شركة يمكنها تلبية هذا الطلب".
بعد ما يقرب من ثلاثة عقود، تطورت تلك الأعمال الصغيرة إلى مجموعة غسان عبود، وهي مجموعة متعددة التخصصات، تغطي العديد من القطاعات الرئيسية مع توسع أنشطتها إلى أكثر من 100 دولة، حيث يدعم مركز المجموعة الرئيس في الإمارات العربية المتحدة مكاتب في بلجيكا وأستراليا والأردن وتركيا ومصر.
يعتقد عبود، رئيس ومؤسس المجموعة، أن رحلة النجاح هذه كان لا بد لها من أن تبصر النور، ويبرر ذلك بالقول : "أنا من عائلة كانت تدير أعمالًا لأجيال".
ومع ذلك، فإن الجهد والمثابرة اللازمين لبناء مشروع متعدد الأعمال يجعل من الصعب على أحد أن يحسد عبود على نجاحه، ولا سيما أنه يترأّس فريق يتألف من أكثر من 2500 موظف، ويواصل توسيع أنشطته عبر قطاعات ومناطق جغرافية متنوعة.
نمط التنويع
من بدايات متواضعة في قطاع تجارة السيارات انتقل عبود إلى قيادة مجموعة تنشط في سلسلة من القطاعات بما في ذلك الضيافة، وتجارة التجزئة، والأغذية، والإعلام، والخدمات اللوجستية، والسيارات، والرعاية الصحية، بالإضافة إلى الأسواق الرقمية، وقد تطلّب النمو الناجح لعبود أكثر من مجرد جهد بشري، إذ بعد الوقوف على قدميه في مجال السيارات غامر عبود في قطاعات جديدة بعد أكثر من عقد من الزمن.
في عام 2008، أطلقت المجموعة ذراعها Live Point Art Production، وهي شركة إنتاج تقدم حلول محتوى شاملة وما يعرف بخدمات ما بعد الإنتاج وقد وسعت من أنشطتها عام 2015.
في العام التالي، أطلق عبود مجموعة "Crystal Brook"، وهي شركة لتطوير وإدارة الفنادق في أستراليا، تمكنت الشهر الماضي من اقتناص فندق Rydges Sydney Harbour Hotel بسعر أكثر من مناسب يبلغ حوالي 100 مليون دولار أسترالي. كما تمتلك الشركة ثلاثة فنادق في مدينة كيرنز، بالإضافة إلى عقارات في بريسبان وخليج بايرون ونيوكاسل وفندق صغير في منطقة "سوري هيلز" في سيدني.
يقول عبود: "من المقرر أن تنمو محفظة الفنادق لدينا في السنوات القادمة داخل أستراليا والمنطقة. كما إننا نتابع أفكارًا حول التوسع الدولي من خلال التعاون الإستراتيجي".
في عام 2016، أضاف عبود أيضًا للمجموعة مفهوم التجزئة للمواد الغذائية والبقالة عبر إنشاء علامة Grandiose التجارية، ومنذ ذلك الحين توسّعت العلامة لتشمل حاليًا 18 متجرًا متعدد الأشكال - مثل محلات السوبر ماركت والهايبر ماركت والمتاجر - في جميع أنحاء الإمارات العربية المتحدة، مع خطط للمزيد من التوسع.
وعن ذلك النشاط يقول عبود: "سنواصل تنمية بصمتنا في عالم إدارة المتاجر الكبرى باستمرار في السنوات القادمة، مع التركيز على التوسع في المناطق المجاورة؛ وإنشاء متاجر أكبر مع تركز على إشراك الخبرات الغذائية، فضلاً عن إقامة متاجر أصغر في المواقع ذات الازدحام الشديد تراعي مبدأ التسوق السريع".
ويضيف عبود "بحلول نهاية عام 2022، سيكون لدى Grandiose ما لا يقل عن 30 متجرًا عاملاً في جميع أنحاء الإمارات العربية المتحدة، وتشمل خططنا إطلاق 15-20 متجرًا إضافيًا في عام 2023. وعلى المدى المتوسط، وسنركز على تكثيف أعداد متاجرنا داخل الإمارات العربية المتحدة، لكن وعلى المدى الطويل نعتزم للتوسع أكثر عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على المدى".
وفي الوقت نفسه، تنشط Grandiose للضيافة في مجال تقديم وجبات التجزئة المعبأة وحلول الحفلات وإدارة الأحداث لعملاء القطاع العام والشركات.
لكن وبالنسبة لعبود فإن رؤية توفير الأغذية والحلويات لا تقتصر على مشهد البيع بالتجزئة ولكن بدلاً من ذلك، تتطلع إلى تغطية كامل سلسلة القيمة الغذائية بأكملها، إذ في وقت سابق من هذا العام، دخلت المجموعة في شراكة مع مجموعة موانئ أبوظبي لتأسيس أحد أكبر مراكز تجارة للمواد الغذائية بالجملة والخدمات اللوجستية في منطقة الخليج العربي في مدينة خليفة الصناعية. سيجمع مركز أبوظبي للأغذية- كيزاد- أصحاب المصلحة، بما في ذلك المشترين والبائعين والعاملين في مجال الخدمات اللوجستية والموزعين من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى أجنحة تجارية مميزة، وخدمات لوجستية، ومخازن مبردة ومرافق إعادة تدوير النفايات وغيرها من المرافق.
وبحسب عبود، فإن الإطار الزمني الافتتاحي لمركز الغذاء لم يتم الإعلان عنه بعد، لكن المشروع يتقدم على أساس الأولوية بمشاركة جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين. مضيفاً أن مركز الأغذية في أبو ظبي صُمّم ليغير من شكل سلسلة القيمة الغذائية في كامل الإقليم. وسيقدم حلولاً لوجستية متكاملة عبر البر والبحر والجو والسكك الحديدية لتسهيل التجارة داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
وبالإضافة إلى ذلك، تحرص المجموعة أيضًا على البناء على علاقتها مع مجموعة موانئ أبوظبي كشريك إستراتيجي رئيسي. وفي ذلك الإطار يقول عبود: "نعمل على إنشاء مركز للسيارات في أبو ظبي مصمم لجذب اللاعبين الباحثين عن خدمات منظمة. سيشتمل مركز السيارات على نظام بيئي متكامل يمكنه استيعاب جميع منتجات السيارات، بما في ذلك سيارات الركاب والمركبات التجارية والمعدات والآلات الثقيلة وقطع الغيار وخدمات ما بعد البيع وكل ما يرتبط بعالم السيارات".
وقد أثمرت جهود المجموعة في التنويع عبر الصناعات والمناطق الجغرافية، لا سيما أن التنويع يضمن إدارة مخاطر الأعمال بشكل جيد بعيداً عن مشاكل تقلبات الدورات الاقتصادية.
وعن ذلك يقول عبود: "لقد دفع هذا نمونا في السنوات الأخيرة، مع اقتحام أسواق وخطوط أعمال جديدة. اليوم لدينا محفظة جيدة من الاستثمارات التي تشمل قطاعات خارج مجال تركيزنا الأولي - أعمال السيارات".
المرونة والتكيّف
على الرغم من اتباع إستراتيجيات النمو للمجموعة بإرادة لا هوادة فيها، واجهت عبود العديد من التحديات على طول الطريق، كان من بين أحدثها نسبيًا جائحة كورونا، حيث ومع ظهور الوباء كان على المجموعة مواجهة مستويات غير مسبوقة من عدم اليقين كحال معظم الشركات الأخرى.
لكن عبود شرع على الفور في إستراتيجيات من الواقع الجديد لاستكشاف فرص قابلة للتطبيق، بالإضافة إلى اعتماد التكنولوجيا ذات الأولوية والحلول الرقمية كمحفز للنمو.
يقول عبود: "فلسفتنا هي التفكير دائمًا على المدى الطويل، وبالتالي، عملنا بعقلية استخدام الأزمة كفرصة لتحسين عملياتنا وتحديد مجالات النمو ونتيجة لهذا الوباء، حققنا تقدمًا في التوسع في أعمالنا الحالية، مع الدفع أيضًا من أجل السرعة في مشاريعنا الجديدة ولا سيما مركزي الغذاء والسيارات الإقليميين، اللذين جاءا في إطار شراكة فريدة بين القطاعين العام والخاص، وقد بدأ العمل على تنفيذهما ونأمل أن نرى النتائج في الأشهر المقبلة، كما زدنا من تركيزنا على التكنولوجيا كعامل تمكين للأعمال".
وحرصًا على الاستفادة من اتجاهات المستهلكين التي تفضل التجارة الإلكترونية عن سلسلة التوريد التجارية التقليدية، أطلقت المجموعة في العام 2020 سوق BuyGro الإلكتروني غير المخصص للشركات، وسجلت بذلك أول حضور لها في عالم قطاع الأسواق الرقمية. ومنذ ذلك الحين، استقبلت المنصة أكثر من 12000 مشترٍ من محلات البقالة والمقاهي والمطاعم في الإمارات العربية المتحدة.
وعن تلك التجربة، يقول عبود: "يربط BuyGro البائعين والمشترين على منصة رقمية واحدة سهلة الاستخدام مما يحسن تغطية السوق، ويقلل من التكاليف على نطاق واسع، ويوفر عروضًا فعالة للمشترين. ولاسيما أنه يحتوي على آلاف المنتجات المواد الغذائية سريعة التوصيل، والسلع الاستهلاكية والفئات غير الغذائية، والتي تلبي جميع احتياجات التجزئة وشركات الفنادق والضيافة".
وبالاستفادة من سنوات الخبرة في تجارة السيارات، أطلقت المجموعة أيضًا العام الماضي سوق قطع غيار السيارات عبر الإنترنت يحمل اسم BuyParts24 ، ويعنى بربط الموزعين بالمرائب وورش العمل ومالكي أساطيل الشاحنات والمشغلين، مما يساعد على تقليص النفقات التشغيلية وتوفير أعلى حدّ من الخدمات.
وعن ذلك يقول رجل الأعمال السوري: "تم إنشاء BuyParts24 ليكون المحرك الأول في النظام البيئي لقطع غيار السيارات في دولة الإمارات العربية المتحدة. تحتوي المنصة حاليًا على أكثر من 35000 منتج من أكثر من 135 مصنعًا للمعدات الأصلية وعلامات تجارية لخدمات ما بعد البيع، بالإضافة إلى الإطارات والبطاريات". ويضيف "ينمو نطاق المنتجات وقاعدة العملاء يوميًا. لقد قمنا بتجهيز أكثر من 4000 مرآب خلال فترة قصيرة ".
وامتدت استراتيجيات نمو المجموعة إلى قطاعات أخرى أيضًا. يقول عبود: "أطلقنا أيضًا أعمالًا جديدة في الرعاية الصحية، وتوزيع الأدوية والعيادات".
ومع ذلك، استمرت التحديات في أشكال مختلفة. لم تؤثر الأزمة الأوكرانية على سلاسل التوريد العالمية فحسب، بل أدت أيضًا إلى ارتفاع أسعار النفط، مما أدى إلى زيادة ضغوط التضخم الحالية، وعلى الرغم من تراجع أسعار النفط بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، لا تزال الشركات في جميع أنحاء العالم تترقب بحذر.
وتعليقاً غلى ذلك يقول عبود: "لقد شعرت الشركات في جميع أنحاء العالم وخاصة في قطاعات مثل السيارات والمواد الغذائية بتأثير كل من الجغرافيا السياسية وارتفاع التضخم". ويضيف: "في مجموعة غسان عبود، نراقب التطورات بشكل استباقي لتقليل أي تأثير سلبي على أعمالنا. كما أننا نبحث عن فرص محتملة للاستثمار".
أكثر من مجرد لعبة أرقام
عبود رجل أعمال باختياره بقدر ما هو فاعل خير كذلك. إذ حرصًا على رد الجميل للمجتمع وخلق مستقبل أفضل، دافع عبود دائمًا عن المسؤولية الاجتماعية، مما دفعه إلى تأسيس "أورينت للأعمال الإنسانية" عام 2012 لمساعدة ملايين اللاجئين والنازحين.
ومع ذلك، فإن رئيس مجلس الإدارة مدرك بنفس القدر للأزمة البيئية التي تلوح في الأفق وقد رسّخ التزاماته البيئية عبر مفاصل عمليات المجموعة.
يوضح عبود: "نحن في مهمة استباقية للحد من استخدامنا للبلاستيك أحادي الاستخدام حيثما كان ذلك ممكنًا عبر مجموعة علاماتنا التجارية بما يتماشى مع تركيزنا على الاستدامة".
وعلى سبيل المثال توقفت متاجر Grandiose عن تقديم الأكياس البلاستيكية عام 2018، واستبدلتها بأكياس ورقية مجانية. كما استثمرت في عربات تسوّق مصنوعة من البلاستيك المستخرج من البحار والمحيطات قبل إعادة تدويره، وكذلك قدّمت مؤخرًا تشكيلة من 100 دراجة موفرة للطاقة لتخفيض الانبعاثات، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من طرحها على الفروع في الربع الرابع من هذا العام.
كما اعتمدت Grandiose للضيافة والوجبات أيضًا بدائل صديقة للبيئة تقوم على استخدام النباتات لتغليف المواد الغذائية، جنبًا إلى جنب مع نظام متطور لإعادة استخدام المواد القابلة لإعادة التدوير".
وفي الوقت نفسه، يعتمد الذراع الفندقي للمجموعة "Crystal Brooke Collection " على حمامات "خالية من النفايات" بنسبة 100 في المائة، في حين أن وسائل الراحة إما قابلة للتحلل البيولوجي أو قابلة لإعادة التدوير، مما يلغي الحاجة إلى التخلص من مخلفات تقدّر بأكثر من 250 ألف حاوية بلاستيكية سنويًا في كل فندق يتبع المجموعة.
وبالإضافة إلى ذلك لا تعتمد Crystal Brooke على المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وحتى القشة التي تُستخدم لشرب العصائر ليست من هذا النوع.
المستقبل في أيدينا
على الرغم من إدارته لـ 16 شركة، لا يزال عبود في مهمة ريادية، حريصاً على تحديد الفرص، سواء في المناطق المعروفة أو في القطاعات غير المكتشفة.
يقول عبود: "نحن نراقب عن كثب تأثير التكنولوجيا الرقمية في تعطيل نماذج الأعمال التقليدية وذلك بهدف تحديد المجالات المحتملة لنا لاستكشافها. وبالتأكيد يعمل فريقنا بنشاط على العديد من الفرص ".
يضيف: "تواصل المجموعة أيضاً بناء الأصول الرقمية وتقييم الفرص في قطاعات السيارات والخدمات اللوجستية والضيافة والرعاية الصحية والغذاء".
إذا كنت تدير تكتلاً عملاقًا وما زلت تستكشف آفاقًا جديدة، فلن يكون مفاجئًا عندما يركّز رئيس مجلس الإدارة في نصائحه للمدراء بشكل أساسي على الأشخاص واتباع نهج ثابت تجاه العقبات.
يختم عبود بالقول: "المستقبل في أيدينا، ويمكننا تحويل كل تحدّ إلى فرصة. أيضًا، لتحقيق النمو، فمن المهم بناء ورعاية فريق ذو قدرات فالعمل في عزلة يقيد قابلية التوسع".
التعليقات (2)