بعد نجاة الفيلق الثالث.. ما مصير الشمال السوري وهل تعيد تركيا النظر بخطتها التي رسمتها للمنطقة؟

بعد نجاة الفيلق الثالث.. ما مصير الشمال السوري وهل تعيد تركيا النظر بخطتها التي رسمتها للمنطقة؟

نجا الفيلق الثالث ودخل الجميع في الحسابات.. هذه هي الخلاصة الوحيدة المؤكدة الآن، بعد عشرة أيام استثنائية شهدتها مناطق سيطرة الجيش الوطني شمال سوريا، وكادت تغيّر كل شيء، قبل أن تتدخل عدة عوامل وتعيد عقارب الساعة للوراء.
صحيح أن الفيلق الثالث هو من بدأ المواجهة ضد فرقة الحمزة، على خلفية تورّط الأخيرة بمقتل الناشط محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) في مدينة الباب، يوم السابع من الشهر الجاري، لتندلع الاشتباكات في العاشر منه، لكن الصحيح أيضاً أن ذلك لم يكن السبب الحقيقي في توغّل هيئة تحرير الشام إلى منطقة غصن الزيتون، وتقدمها باتجاه منطقة درع الفرات، بذريعة التصدي لعدوان الفيلق على الفصائل الأخرى.لا يتعلق ذلك فقط بتربُّص الهيئة المعروف على أي حال بالجبهة الشامية وجيش الإسلام، الفصيلين اللذينِ يتكون منهما الفيلق، فهذا معلوم للجميع بطبيعة الحال، كما إن هذا التربص لا يقتصر على التحالف المعلن بين الهيئة وحركة أحرار الشام/القاطع الشرقي، وفرقة السلطان سليمان شاه (العمشات)، بل يتعلق أيضاً بالموقف التركي من الفيلق الثالث من جهة، وبالخطة التي كانت قد حضّرتها أنقرة لمناطق سيطرة الجيش الوطني خلال الأشهر السبعة القادمة من جهة أخرى.

الخطة التركية
كانت الخطة التركية التي أشرف على وضعها جهاز المخابرات، حسب المعلومات المتداولة في أوساط المعارضة السورية، والتي تم تحديد الخامس عشر من تشرين الأول/أكتوبر موعداً للمباشرة بتنفيذها، كانت تهدف من حيث المبدأ إلى فرض الاستقرار الأمني والإداري في الشمال، من أجل إعادة ما لا يقل عن 500 ألف لاجئ سوري من تركيا إليها، بعد إنجاز البنية التحتية اللازمة.
وحسب المعلومات التي أكدها صحفيون ومحللون أتراك مقرّبون من حزب العدالة والتنمية الحاكم، فقد رأت أنقرة أن الجهة الأقدر على القيام بهذه المسؤولية هي حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، لكن العقبة الوحيدة أمام ذلك كان الرفض المتوقع من جانب الفيلق الثالث لإيكال المهمة إلى هذه الجهة.
وبما أن الفيلق ليس فصيلاً مَرضيّاً عنه بشكل كامل من جانب أنقرة، فإن الجهات التركية التي كانت معنية بتنفيذ الخطة، أخبرت، كما تقول مصادر أورينت، الفصائل الأخرى بأنها لن تمانع من استخدام القوة ضده، حتى وإن اقتضى الأمر إنهاءه، بشرط أن يحدث ذلك بأقصى سرعة ودون إراقة دماء.

تقديرات خاطئة
لا توجد معطيات قاطعة تحسم ما إذا كان الهجوم الذي شنه الفيلق الثالث ضد فرقة الحمزات، في العاشر من هذا الشهر، ولاحقاً ضد فرقة العمشات بعد يومين، جاء كعملية استباقية لخطة الإجهاز عليه، لكن المؤكد أن قيادة الفيلق أخطأت التقدير بشكل واضح عندما قررت خوض مواجهة مع الفرقتين، خاصة أنها كانت تعلم مسبقاً بتحالف الأخيرة مع هيئة تحرير الشام، وتربص حركة أحرار الشام المجاورة في مناطق انتشارها بريف حلب الشرقي لفرقة الحمزة، في وقت لم يكن فيه الفيلق جاهزاً على الصعيد الداخلي لخوض مثل هذه المواجهة الواسعة.
باختصار فرضت كل الظروف نفسها لتشكّل حلقة بدأت تضيق حول رقبة الفيلق الثالث مع توسّع المواجهات والهجوم المنظّم من قبل الخصوم ضده من جبهات مختلفة، بل والأقسى من ذلك كانت المساهمة الفعالة التي لعبها تواطؤ فصائل أخرى ضده، حيث سمح فيلق الشام بدخول قوات الجولاني من معاقله، بينما شاركت مجموعات تابعة لحركة نور الدين زنكي في القتال، بسبب مشاكل قديمة بينهم وبين قادة وتشكيلات في الفيلق الثالث.
لكن رغم ذلك فقد صمدت قوات الفيلق التي تحصّنت في بلدة كفر جنة، بين مدينتي إعزاز وعفرين بريف حلب الشمالي من جهة، وتلك التي تمركزت في منطقة الباب من جهة أخرى، ما منع تقدماً سهلاً لخصومها نحو معقلها الرئيسي في إعزاز، بينما اكتفى الجيش التركي بالانتشار في عفرين والمراقبة.
إلا ان سقوط كفر جنة، وبقدر ما كان يُنظر إليه على أنه إيذان بانتهاء الفيلق الثالث، بقدر ما شكّل مناسبة لعودة التماسك والروح له، بعد تقاطر المقاتلين من التشكيلات التي رفضت القتال في البداية بسبب خلافات داخلية، والانتفاضة الشعبية الواسعة التي عبرت عن رفض قاطع من خلال المظاهرات والاعتصامات لسيطرة هيئة تحرير الشام على الشمال، الأمر الذي مثّل نقطة تحوّل فارقة أجبرت الجميع على اتخاذ مواقف جديدة.

إلغاء "اتفاق الإذعان"
كان من أهم نتائج هذه الانتفاضة، تمزيق كوادر ومقاتلي الفيلق الثالث الاتفاق الذي كانت قيادته قد وقعته يوم الأحد 16 تشرين الأول مع "أبو محمد الجولاني" متزعم هيئة تحرير الشام. وتضمّن بنوداً اعتُبرت مُذلّة بالنسبة للفيلق، بالنظر إلى أنها جرّدته من كل امتياز، وحصرت نشاطه في الرباط والقتال، مقابل إشراف الهيئة على إدارة المنطقة بكاملها.
لكن ما سبق لم يكن كل ما ترتب على هذه الانتفاضة من نتائج إيجابية بالنسبة للفيلق الثالث، إذ تسبّب الضجيج الذي أحدثته المظاهرات، مع نجاح قيادة الفيلق بإطالة وقت التفاوض على اتفاق جديد أو إدخال تعديلات على الاتفاق السابق، في لفت الانتباه بشكل كبير لما يحدث، حيث كشف معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عن توجيه الولايات المتحدة طلباً لتركيا بإخراج هيئة تحرير الشام من عفرين والمناطق التي تمددت إليها على الفور، مهددة بدعم هجوم لقوات قسد من أجل استعادة المدينة لسيطرتها.
ورغم عدم وجود مصادر رسمية أكدت هذا الأمر، إلا أن قوات من الجيش التركي تحركت للانتشار بشكل أوسع في عفرين وعلى الحدود بين المدينة وبين مناطق سيطرة تحرير الشام بريف حلب الغربي، بينما أكدت مصادر متقاطعة طلب أنقرة من الهيئة المغادرة بشكل كامل، على أن يشمل الانسحاب العسكريين والأمنيين على حد سواء.

تغيُّر الموقف التركي
أمر أثار حفيظة الجولاني ومجلس قيادته بكل تأكيد، فاندفع أحد المسؤولين لديه لشن هجوم عنيف على الفيلق الثالث، متهماً قيادته بالارتباط بجهات خارجية، لكن هذا النوع من التحريض تبيّن أنه بلا جدوى، مع ظهور موقف شعبي حاسم ضد انتشار الهيئة في الشمال من جهة، وتدخل جهات تركية أخرى لتغيير التوجهات التي كانت قد فُرضت قبل ذلك من جهة ثانية.
تكشف مصادر مقرّبة من الفيلق الثالث أنه وبعد أن تركت الحكومة في أنقرة لجهاز الاستخبارات تنفيذ خطته، فإن فشل انجازها في الوقت المحدد، واللغط الواسع الذي أدى إليه ذلك، مع تكشف حقيقة الموقف الشعبي في الشمال، كل هذا دفع لتدخل قيادة الجيش ووزارة الداخلية إلى إلغاء خطة المخابرات، على أن يتم إعداد ترتيبات جديدة للمنطقة.
وبينما كشفت مصادر خاصة لـ"أورينت" عن دعوة قيادة الجيش التركي مسؤولي الفصائل إلى اجتماع في أنقرة يوم الإثنين المقبل، أكد مصدر مسؤول في الفيلق الثالث أنه لن يكون هناك أي مستقبل لهيئة تحرير الشام في مناطق سيطرة الجيش الوطني، وأن تركيا حسمت بشكل نهائي أمر مغادرة الهيئة لهذه المناطق، وعدَلت تماماً عن فكرة تكليفها بإدارة الشمال.
وبينما لم يُشِر المصدر بشكل صريح لمصير الاتفاق الموقّع بين الفيلق وتحرير الشام، إلا أنه من الواضح ضمنياً تحلل المصدر من هذا الاتفاق، وهو أمر متوقع بطبيعة الحال بالنظر إلى المتغيرات الجوهرية التي طرأت.
بل إن المصدر يُبدي ثقة أكبر وتفاؤلاً واضحاً بالمستقبل، حين يؤكد أن لدى الفيلق الثالث القدرة والإمكانات على تحمّل مسؤولية إدارة مناطقه وإنجاح أي خطة لفرض الاستقرار وتمكين مؤسسات الإدارة في جميع مدن الشمال، مشيراً إلى تجربة غرفة القيادة الموحدة "عزم" والنجاحات المعقولة التي حققتها على هذا الصعيد.
ويضيف: إن هذه الجماعة التي كان نهجها على الدوام قائماً على التغلب وتفكيك الفصائل وتجميد الجبهات وزرع الوهن في نفوس المهجّرين من خلال مشاريع تخديرية تُلبِسها الهيئة لبوس النمو الصناعي، تتغافل عن حقيقة أن المشاريع هذه تدار من قادة الهيئة والتجار المقربين منها، وتنعكس فائدتها على حلقة ضيقة من المنتفعين ضمن الفصيل.
وإلى جانب التشكيك بتفاخر تحرير الشام بنجاح إدارتها للمناطق التي تسيطر عليها، فإن المصدر ركز وبشكل واضح على التناقض بين ما تعلنه تحرير الشام من مكافحة المفسدين وبين مساندتها لفصيلي الحمزات والعمشات المتهمين بالفساد وارتكاب تجاوزات مضاعفة بالمقارنة مع الفصائل الأخرى، متسائلاً: "كيف ستبرّر الهيئة لعناصرها زجّهم في معركة لنصرة أبو عمشة، على سبيل المثال، وهو الذي لطالما كفّرته وطاردته؟!".

يبدو أن جميع الأطراف قد أخطأت التقدير في نظرتها للأمور بالشمال السوري، وليس فقط قيادة الجبهة الشامية والفيلق الثالث، بما فيهم هيئة تحرير الشام والحكومة التركية.
وببنما كانت الهيئة تتوقع انتصاراً عسكرياً سهلاً على الفيلق، يُعفي الأتراك من الحرج الإعلامي والسياسي، وبينما كانت تنتظر أيضاً ترحيباً شعبياً واسعاً بها، نظراً لاحتقان السكان في مناطق سيطرة الجيش الوطني بسبب الفساد والتجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها الفصائل التي يتكون منها، إلا أن المفاجأة كانت بصمود عسكري معقول للفيلق على الرغم من عدم مشاركة سوى جزء من قواته فيها، والمفاجأة الأكبر والأهم كانت بالموقف الجماهيري الرافض لدخول تحرير الشام إلى الشمال، الأمر الذي أعاد خلط الأوراق مجدداً بانتظار ما ستسفر عنه لقاءات أنقرة مع قادة فصائل الجيش الوطني.

 

التعليقات (2)

    حسان

    ·منذ سنة 6 أشهر
    هذا يعطينا فكرة واضحة لماذا لم و لن تنجح الثورة السورية

    عبد المنعم محمد

    ·منذ سنة 6 أشهر
    بل ستنجح الثورة بإذن الله بالرغم مماحدث
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات