النظام الإيراني يقترب من مصيره المحتوم

النظام الإيراني يقترب من مصيره المحتوم

رغم أن السياسة الإيرانية منذ انتصار الخمينية السياسية حتى الآن جعلت من إيران رقماً صعباً في المعادلة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، إلا أن بعض الباحثين يعتقدون أن إيران لم تحسن استخدام أدوات قوتها الصلبة والناعمة، فرغم أنها استطاعت التمدّد خارج حدودها وفرض أجندتها الإقليمية، ورغم استمرار تموضعها خارج حدودها، إلا أنها فقدت الكاريزما والهيبة التي انبنت على الشعارات الثورية. لذلك، من المتوقع أن منحنى الصعود سيبدأ بالانحدار؛ نظراً لانكشاف مخططاتها.

اقتصاد العالم رهينة

لم تكن العربدة الإيرانية يوماً موضع ترحيب من قبل القوى الدولية أو الإقليمية، إلا أن إيران فعلت ما فعلت رغم أنف الجميع مستغلة موقعها الجيواستراتيجي المميز، إذ تطل إيران على الخليج العربي، المصدر الأول للطاقة الأحفورية بساحل يتجاوز طوله 2400 كم. وبالتالي، فأي قوة أو مجموعة قوى ستفكر بحرب مفتوحة مع إيران عليها أن تضع بحسبانها أن صادرات النفط والغاز من دول الخليج سوف تتوقف لفترة قد تصل لأشهر، وهو ما يعني ارتفاعاً جنونياً بأسعار الطاقة يؤدي بالضرورة إلى ركود اقتصادي، ومن ثم أزمة اقتصادية لا تُعرف عواقبها. علاوة على ذلك، تستطيع إيران من خلال أذرعها إشعال المنطقة وخلق أزمة مركّبة تصعب إدارتها. إذن، فمن خلال موقعها الجيواستراتيجي المميز، ومن خلال تبنيها ودعمها للجماعات المسلحة التي تدور في فلك استراتيجيتها؛ استطاعت إيران أن تتخذ من اقتصاد العالم رهينة. من أجل ذلك قال "زبغنيو بريجينسكي" أحد كبار المنظّرين الاستراتيجيين الأمريكيين: "إن التحدي الإقليمي الذي تمثله إيران ليس قابلاً للحل بتوجيه ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية إلى المرافق النووية الإيرانية التي هي قيد الإنشاء الآن". 

ظروف دولية تشبه الحظ

جاءت نصائح "بريجينسكي" بعد تورّط أمريكا في حربي العراق وأفغانستان، خاصة أنه كان من معارضي تلك الحرب، إلا أن إدارة "بوش" الابن لم تضع تلك الأمور بالحسبان، بل إن الرئيس "بوش" أعلن أنه بعد إسقاط النظام العراقي سيأتي الدور على النظامين السوري والإيراني، إلا أن الرياح سارت بما لا تشتهي سفن "بوش"، واضطرت الولايات المتحدة للاستعانة بالميليشيات المدعومة من إيران للخروج من ورطتها. وهكذا، فبدل إسقاط النظام الإيراني بدت الولايات المتحدة كمن يقدّم العراق لإيران على طبق من ذهب كما يقول البعض. علاوة على ذلك، أفرزت النتائج الكارثية لحروب "بوش" مزاجاً عاماً أمريكياً مناهضاً للحرب، وهو ما جعل الرؤساء الأمريكيين الذين خلفوا الرئيس "بوش" وكأنهم لا يمتلكون صلاحية شن حرب، بل أصبح الحديث عن سحب القوات الأمريكية من مناطق النزاع مورداً لكسب الأصوات الانتخابية، ولم يعد أمام القادة الأمريكيين سوى محاولة احتواء إيران من خلال فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والسياسية للوصول إلى بعض التفاهمات معها. وفي عهد الرئيس "ترامب" وصلت الضغوط حدّها الأقصى لجر إيران لتوقيع اتفاق مذلّ أقرب إلى الإذعان، إلا أن "ترامب" غادر البيت الأبيض مبكّراً بعد فشله بالفوز بانتخابات التجديد، وجاء الرئيس الجديد "جو بايدن" إلى الحكم متلهفاً لإعادة إيران إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه سلفه الرئيس "دونالد ترامب"، وبينما وصل العالم إلى مرحلة القرف من السلوك الإيراني التفاوضي، جاءت الحرب الأوكرانية لتعطي للاتفاق النووي مع إيران أهمية مضاعفة. وهكذا مازالت الظروف والأحداث الدولية تخدم إيران بما يشبه الحظ.

طموح يفوق الإمكانات

بالرغم مما تمتلكه إيران من مقدّرات بشرية وجغرافية وموارد طبيعية، إلا أن النظام الإيراني بدأت تظهر عليه ملامح الترهل والإعياء، فالاستراتيجية التي اختارها النظام الإيراني كانت مرتفعة السقف ولا تتناسب مع موارد الدولة الإيرانية رغم وفرتها، فمنذ اليوم الأول لانتصار الخمينية السياسية تبنى الخميني البعد التطبيقي لمفهوم تصدير "ولاية الفقيه" بصيغته الأممية تحت شعار الدولة الإسلامية العالمية، والتي تمتد رقعتها الجغرافية في المرحلة الأولى من جاكرتا إلى الدار البيضاء، بينما تتضمن المرحلتان الأولى والثانية أهدافاً تفوق ما كان يحلم به "هتلر". إن النزوع نحو التمدد الإمبراطوري الذي وسم السياسة الإيرانية منذ عهد الخميني حتى يومنا هذا طريقه محفوف بالمخاطر، فالإمبراطوريات ذات المطامع التوسعية تنزلق نحو الهاوية بمجرد أن تعجز عن توفير المصادر الضرورية لمواجهة زيادة النفقات الناجمة عن ذلك التوسع، وهو ما حذر منه الجيوسياسي الأمريكي "بول كينيدي" حكومة بلاده؛ معتبراً أن التوسع الإمبراطوري كان السبب الرئيس في انهيار الإمبراطورية البريطانية (بول كينيدي: صعود وسقوط القوى العظمى). فما بالك بدولة بحجم إيران.

ثورة "مهسا أميني" قد تكون يتيمة

لقد أرهقت سياسات النظام الإيراني وطموحاته التوسعية موارد الدولة، وانعكس ذلك سخطاً شعبياً تزداد رقعته اتساعاً يوماً بعد يوم، وما انتفاضة "مهسا أميني" أو "ثورة الحجاب" كما يسميها البعض، إلا مثالٌ صارخٌ عن السخط المتزايد، والذي عبّر عن نفسه من خلال حرق صور رموز النظام والهتافات بموت الديكتاتور. قد تكون ثورة "مهسا أميني" وُلدت يتيمة لعدة اعتبارات؛ لعل أهمها أن الدول المعنية سيتوقف اهتمامها عند الحد الذي يجعل من هذه الثورة عامل ضغط على النظام الإيراني يدفعه للتوقيع على الاتفاق النووي، وخلاف ذلك قد لا يكون موضع ترحيب العالم المنهمك بإدارة أخطر أزمة عرفها العالم منذ أزمة الصواريخ الكوبية حتى اليوم. رغم ذلك، تبقى ثورة "مهسا أميني" مؤشراً قوياً على أن الأرض تحت النظام الإيراني تهتز بعنف وباستمرار، خاصة إذا ما علمنا أنها الثورة الرابعة على نظام الملالي منذ الثورة الطلابية الكبرى عام 1999 حتى الآن.

خلقت السياسة الصدامية والمطامع التوسعية للنظام الإيراني بيئة معادية على المستوى الخارجي، واكتمل النصاب بالسخط الشعبي الآخذ بالتمدد، فأصبح يتجه رويداً رويداً نحو مصيره المحتوم. إنه الانحدار نحو الهاوية، ولحظة الارتطام بالقاع قد اقتربت، سواء بتمدد ثورة "مهسا أميني" أم بموت المرشد الثاني والأخير، وأغلب الظن أن الشعب الإيراني لم يعد يحتمل حكم المرشدين أكثر من ذلك.  

التعليقات (1)

    محمد احمدي

    ·منذ سنة 5 أشهر
    اوافق الرأي بما ينسجم مع انهيار نظام الملالي وأخالف بما يدل على أنه ليس بقريب. استمرار الثورة ل50 يوما رغم القمع الوحشي ما هز العالم خير دليل على أن الشعب الإيراني لم يعد يحتمل حكم خامنئي والمرشدين قطا وهذا ليس ظنا بل أنه يقينا دامغا. الجيلين الأخيرين في إيران يشارك الثورة بكاملة دوافعها وقدراتها وهما في التعارض الجوهري مع النظام من الرأس إلى كعب القدم وأثبتا أنهما لن يتراجعا إلا بتحقيق المطلوب وهو تغيير النظام. والمقاومة الإيرانية تقود الثورة فعلا وهذا يزيد الإصرار على تحقيق النصر لأنها ذات تجارب منذ 5 عقود في النضال ضد النظامين الدكتاتوريين الشاه والخميني فضلا عن اتخاذ عهده القديم لإسقاط النظام مهما كلف الثمن. النصر آت وقريب والله خير الناصرين
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات