في تطور لافت، أغارت طائرات تابعة للاحتلال الروسي صباح الأحد، على محيط مدينتي إعزاز وعفرين بريف حلب الشمالي، التي تركزت فيها الاشتباكات بين ميليشيا الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني وميليشيا هيئة تحرير الشام، الأمر الذي اعتُبر رسالة روسيّة لتركيا بعد اقتحام "تحرير الشام" المنطقة.
وشنت الطائرات الحربية الروسية ثماني غارات جوية استهدفت إحداها مقراً عسكرياً تابعاً لفصيل صقور الشام المنضوي تحت راية الجيش الوطني، قرب بلدة كفر جنة بريف عفرين، وكان قد شارك في التصدي لهجوم الهيئة على مدينة إعزاز، في حين استهدفت قرية أطمة في عفرين أيضاً، كما تعرضت الجهة الغربية لمدينة إعزاز لعدة غارات جوية.
وبعد ساعات من القصف الجوي، استهدفت مليشيا أسد محيط القاعدة التركية في بلدة كفرجنة براجمات الصواريخ، دون ورود أنباء عن تسجيل إصابات بين عناصر القوات التركية، في حين تحدث ناشطون عن مقتل عنصرين من فصيل صقور الشام وإصابة آخرين بجروح متفاوتة.
تصعيد قادم
وحتى اللحظة، لم يصدر أي تعليق رسمي من الجانب التركي على القصف الذي استهدف منطقة عفرين ومحيط القاعدة التركية في بلدة كفر جنة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قاعدة حميميم الروسية، التي سبق أن شنت غارات جوية استهدفت ريف حلب الشرقي.
ويعتبر "عباس شريفة" الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أن القصف الأخير جزء من الاستراتيجية الروسية التي تعطي نفسها حق التدخل العسكري والقيام بأعمال تجدها ضرورية لتقويض الجماعات التي تصنفها إرهابية.
ويقول: هناك رسالة واضحة من القصف الأخير لريف حلب، إذ اللافت انتقاله من منطقة وقف إطلاق النار إلى منطقة خفض تصعيد، مع دخول هيئة تحرير الشام، التي تعتبرها موسكو تهديداً إرهابياً للمنطقة الثانية، ما يعني تحول الريف الحلبي إلى منطقة عمليات ضد التنظيمات (الإرهابية) كما هو الحال في إدلب، وهذا يكسب الغارات الروسية صفة قانونية.
كما إن آثار هذا التدخل على المنطقة لن تقتصر على الغارات الجوية والقصف البري، بحسب شريفة، مضيفاً أن دخول تحرير الشام ريف حلب يهدد تفاهمات "آستانة" بين روسيا وتركيا، ويجعل من التوصل إلى اتفاق جديد يضمن أمن وسلامة المدنيين مهدداً بالفشل، وقد لا تحظى المنطقة بتمديد جديد لاتفاق وقف إطلاق النار.
ويخضع الشمال السوري إلى اتفاقيات تركية - روسية ضمن تفاهمات "آستانة" التي حددت منطقة إدلب منطقة خفض تصعيد، بينما تعتبر أرياف حلب الخاضعة لسيطرة فصائل الجيش الوطني المدعوم من تركيا، مناطق وقف إطلاق نار.
رفض روسي للتعويم
وتنظر روسيا إلى الأحداث الأخيرة وتبدّل كفة القوة المسيطرة في ريف حلب على أنها خطة معدّة مسبقاً لصهر تحرير الشام في التشكيلات الموالية لأنقرة، وكان قد حذّر وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف من هذه الخطوة في تصريح صحفي مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2021، حين أكد "ضرورة عزل الإرهابيين وفي مقدمتهم هيئة تحرير الشام".
ويعتبر محللون أن الغارات الجوية الأخيرة على ريف حلب، تحمل أبعاداً سياسية ورسائل شديدة من قبل موسكو، مختصرها أنها ترفض توسع نفوذ هيئة تحرير الشام باتجاه ريف حلب، وتتمسك بضرورة إيفاء أنقرة بتعهداتها السابقة بتفكيك الهيئة، ومنع محاولات تمييعها ودمجها ضمن مكونات الفصائل الموالية لتركيا.
ويبني أصحاب هذا الرأي موقفهم على قيام موسكو بشن غارات جوية استهدفت مدينة عفرين في شهر آب عام 2021 الماضي، بعد تداول أنباء عن دخول مجموعات تابعة للهيئة وتمركزها في المدينة، إضافة لاستهدافها قرية الباسوطة بريف عفرين شهر أيلول من العام ذاته، فضلاً عن الغارات التي استهدفت مدينة الباب وبلدة ترحين شرق حلب، إضافة إلى مدينة مارع بريفها الشمالي خلال الأشهر الماضية.
المحلل العسكري العقيد المنشق "عبد الجبار عكيدي"، اعتبر أن الغارات الجوية تمثل رسالة واضحة على استمرار استخدام الروس للهيئة كذريعة دائمة لقصف الشمال السوري، بحجة استهداف التنظيمات الإرهابية.
ويضيف أن الاتفاق الروسي- التركي كان واضحاً، فهو يؤكد على حل هيئة تحرير الشام وفصل الجماعات الراديكالية عن بقية فصائل المعارضة، وعليه تم اتفاق سوتشي عام 2018، وتدعيم اتفاق وقف إطلاق النار عام 2021.
الجولاني يقدم فرصة لأعداء الثورة
وبالمقابل بحسب العكيدي، فإن القوى المحاربة للثورة "روسيا وميليشيات أسد وقسد" هم أكبر المستفيدين من وجود هيئة تحرير الشام في عفرين ومناطق ريف حلب، التي تضم حوالي مليون سوري بين أبناء المنطقة ونازحين، خاصة أنها مصنفة على قوائم الإرهاب لدى روسيا وأمريكا وحتى أنقرة.
ويتابع أنه خلال الأيام السابقة كانت أرتال الجولاني المؤلفة من عشرات العربات والمدرعات تتجه نحو عفرين تحت أنظار روسيا والتحالف الدولي، دون أن يحركوا ساكناً، بل على العكس فإن الغارات الروسية اليوم استهدفت فصائل المعارضة من الفيلق الثالث وحركة التحرير والبناء التي تصدت للجولاني قرب إعزاز.
ويضيف أن وجود الجولاني قدّم كل المبررات والذرائع التي تحتاجها روسيا وميليشيا أسد لقصف المنطقة، إضافة إلى قسد التي تعتبر المستفيد الأكبر من هذا التدخل، وخاصة أنها تسوّق المنطقة على أنها حواضن للإرهاب، وبالتالي مطالبتها قوات التحالف الدولي دعم عمليات استعادة عفرين.
وأشار العكيدي إلى أن قسد قد طلبت فعلاً دعم التحالف الدولي لاستعادة السيطرة على عفرين، لوجود تنظيم إرهابي مسيطر عليها، وهذا الأمر قد يضع تركيا في موقف حرج خلال الفترة القادمة أمام موسكو وواشنطن حليفة قسد.
بينما تؤكد المعطيات سيطرة ميليشيا هيئة تحرير الشام على مفاصل المؤسسات الحكومية بريف حلب، دون تحرك تركي لإخراجها، وثبات الموقف الروسي تجاه الهيئة الذي عبّرت عنه باستهداف المنطقة، يتساءل الشارع السوري عن الأدوات والخطوات التي قد تلجأ إليها أنقرة لإيقاف القصف على مناطقهم مستقبلاً.
التعليقات (2)