المجلس العسكري السوري.. حقيقة أم وهم؟

المجلس العسكري السوري.. حقيقة أم وهم؟

في ظل عدم وجود قيادة عسكرية مركزية تحقق أحادية القيادة، وقرار عسكري واحد لفصائل الجيش الوطني، وفي ظل تعقيدات الحل السياسي وضبابية الرؤية وعدم الاهتمام الدولي بالملف السوري وغياب احتمالية تشكيل هيئة حكم انتقالي، لا تزال فكرة تشكيل المجلس العسكري قائمة في أذهان الكثير من الذين وجدوا أنفسهم في الدور الذي سيقوم به المجلس العسكري المُزمع تشكيله، ويعتبره البعض أحد الحلول المُثلى والأجدى في مراحل الوصول إلى إعادة ما تبقى من الدولة السورية. 

في الواقع إن المجلس العسكري في سورية هو مشروع نظري تسويفي، ويبدو في الوقت نفسه طيّ أروقة الأرشيف، علماً أنه إحدى البنود التي ضمنها القرار الأممي 2254 والذي يعد مرجعية الحل في سوريا معطوفاً على بند تشكيل "هيئة حكم انتقالي" التي تشمل ضباط انشقّوا عن حكم بشار الأسد كي لا تتلوث أيديهم بالدماء، وبإشراف من الأمم المتحدة كأمر لا بد منه  وبقرار أممي تحت الفصل السابع يُنهي الحرب. وتُنتهي معه حقبة القتل والاعتقال والتغييب القسري واستباحة الدم السوري. 

إن الواقع الدراماتيكي على الأرض مناقض للحل السياسي، الذي أسكت القنوات السياسية باستقواء نظام أسد في حربه على الشعب السوري بالأخطبوط الإيراني ضارباً بعرض الحائط كل القرارات الدولية لمجلس الأمن.

في قاموس آل الأسد وشبيحته مبدأ مفاده أن سوريا لا تقبل القسمة على اثنين حيث لم يقبل حافظ الأسد في عهده السابق أن يشارك أحداً في قراره، سواء مجلس عسكري أو وزارة دفاع أو رئاسة أركان أو حتى أي من مؤسسات الدولة،  بل كان القائد الملهَم الذي يتلقى أوامره من الذات الإلهية، واليوم وريثه بشار وشبيحته لا يقبلون بحكم أحد سوى الأسد، فـ( الأسد أو نحرق البلد).

لا شك أن سوريا مليئة بالخبرات العسكرية التي يمتلكها الضباط السوريون المنشقّون الأوفياء للشعب والقسَم والشرف العسكري وأكفاء قادرون على قيادة البلاد إلى بر الأمان، ولا شك أن معظم ضباط سوريا الأحرار المنشقين هم مؤهلون بدورات قيادية ودورات قيادة وأركان عليا وأركان حرب. من مختلف أكاديميات القيادة والأركان، سواء من داخل البلاد أو من خارجها، وكثير منهم من ذوي الخبرات العملية في الخدمة والمشاريع القتالية. 

لو فرضنا جدلاً أن المجلس تشكّل، فما هي المهام الأساسية  للمجلس العسكري السوري المقبل في دولة منهارة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً واجتماعياً كــسوريا مهدّمة البنيان؟، سيقع على عاتق أعضائه عبء كبير ليس بالأمر السهل، آخذين بعين الاعتبار أن الشعب هو مصدر السلطة سينجحون، وأن الإنسان السوري المقهور هو أغلى القيم وغاية الحياة، مُنطلقين من شعار القسم العسكري القاضي بأن يكون الجيش خادماً وفياً ًللشعب السوري.

في واقع الحال فإن الشعب السوري الذي هُجّر قسراً من دياره والذي سئم من حياة العيش في الخيام لا يريد سقفاً عالياً من المطالب على صعيد الحياة الاجتماعية والمعاشية لا يريد من المجلس في حال تشكيله كما افترضت جدلاً سوى:

- عودة اللاجئين والنازحين إلى الديار التي هُجّروا منها قسراً، والسماح للنازحين في الداخل واللاجئين بالخارج بالعودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها قسراً واسترجاع أراضيهم التي سلبتها الميليشيات المجرمة القاتلة العابرة للحدود، ومزروعاتهم وأرزاقهم التي استولى عيها الشبيحة الطائفيون.

- إصدار عفو حقيقي عن كل السوريين المحكومين بقرارات عشوائية من قبل بشار الأسد وشبيحته، والسماح لكل مواطن سوري بالعودة إلى بلده، وتبديل الحواجز الأمنية الحالية التي تبتزّ المواطنين وتعتقل كل مواطن تظاهر وهتف بإسقاط نظام أسد ووضع حواجز جديدة لإرساء الأمن في كل القطر وبين المحافظات.

- تبديل كل أطقم الأمن بكل أشكاله من أمن عسكري وجوي وسياسي والعام و الجمارك على معابر الحدود البرية والبحرية والجوية، التي تسيء لسمعة الوطن، وتغيير رؤوساء الفروع الأمنية وضباط فروع الأمن بكل صنوفهم.        

أما على الصعيد العسكري: 

- أن يتمتع بسلطة مركزية تحقّق أحادية القيادة، يكون أعضاؤه ذوي خبرات في أمور شؤون الدولة ويضم مختلف الاختصاصات الأمنية والعسكرية، وأصحاب خبرات دقيقة في قيادة التشكيلات الكبرى وأكاديميين لهم مهارات قيادية اكتسبوها من خلال العمل العسكري واطلاعهم على كل مفاصل الدولة.

- حماية الوطن والمواطنين، بالقضاء على ميليشيات إيران الإرهابية العابرة للحدود مثل حزب الله  والفاطميون والزينبيون والحشد الشيعي وجمع السلاح، ويتحقق ذلك من خلال إعادة البنية التنظيمية للجيش وتغيير القادة الموالين لإيران وحلّ الدفاع الوطني واللجان الشعبية. 

- إلغاء الجندية الإلزامية للشباب السوري التي تستنزف طاقاتهم، بحجة المقاومة والممانعة وتحويل الجيش من جيش شمولي إلى جيش محترف، يضم كل أبناء الوطن دون تمييز بينهم. 

-  تغيير نظام الدخول والقبول في الكلية الحربية بشكل يسمح لكل سوري بالدخول إلى الكلية الحربية العسكرية حسب الكفاءة واللياقة البدنية. بعيداً عن المحسوبيات والطائفية والمناطقية. 

- تغيير الهيكل التنظيمي بالكامل للجيش الحالي التابع لنظام أسد إلى جيش وطني وتحويله وتغيير مهمته من جيش مهمته حماية عرش الرئيس، إلى جيش وطني مهمته حماية الوطن والمواطنين والشعب السوري. وحماية حدود الوطن وترابه، بعيداً عن التدخل في الحياة السياسية.

- الاستناد إلى مبدأ تكافؤ الفرص في توزيع المناصب على الضباط في التشكيلات والقطعات على الضباط في جيش سوريا المستقبل، بطريقة الاستحقاق الصحيح لجميع أبناء المحافظات بالتساوي، ليس حكراً على أبناء منطقة محددة كما هو في هيكلة الجيش الحالي.

أما على الصعيد الوطني:

1- إعادة بناء الثقة مع أبناء الشعب الواحد وإنقاذ ما تبقى من البنية التحتية، وردم الفجوة وترميم النسيج الاجتماعي الذي تعرّض للتفكك جراء الخطاب الطائفي الذي استخدمه الكثير وعلى رأسهم  بشار ونوابه ومستشاروه ونوابه وأبواقه وشبيحته، والحفاظ على وحدة الجمهورية العربية السورية.

2- العمل بكل الوسائل من أجل تقديم بشار أسد وضباطه العسكريين والأمنيين إلى محاكم الجنايات الدولية وتطهير الجيش السوري الجديد من الميلشيات والمرتزقة الدخيلة التي تم تجنيسها، وطردها خارج سوريا، وتجريد كل المرتزقة الذين دخلوا إلى سوريا من الجنسية السورية، وقيام المجلس بالقضاء على الإرهاب، وحماية الوطن والمواطنين، وجمع السلاح.

3- العمل ضمن مهام محددة بجدول زمني معلوم، وإشراك شخصيات مدنية في إدارته، لإخراجه من القوالب المعتادة للمجالس العسكرية وأن تكون لديه دراية بصناع الدولة العميقة التي كانت تدير سوريا والقدرة على تفكيكها وإعادة هيكلها التنظيمي الجديد القائم على العدل والمساواة بين المواطنين. 

سيبقى المجلس العسكري حالة نظرية لا تستطيع أن ترى النور حتى يتم فرضه دولياً وتشكيله على أنه حل لضبط الحالة الأمنية في سوريا، وحماية الهيئة السياسية المختلطة، وضمان محاربة قوى الإرهاب، ووضع حد للقوى الأمنية المنفلتة التابعة للنظام، ووقف الانتقام والثأر، ووضع مسارات واضحة لعلاقة الجيوش الأجنبية بسوريا.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات