ماذا وراء الصمت التركي عن اقتحام ميليشيا الجولاني لعفرين؟

ماذا وراء الصمت التركي عن اقتحام ميليشيا الجولاني لعفرين؟

بينما كانت المفاوضات دائرة بين قياديين من الفيلق الثالث من جهة، وبين أبو محمد الجولاني متزعم ميليشيا هيئة تحرير الشام من جهة أخرى، مساء الخميس، بهدف التوصل لاتفاق ينهي الاقتتال الدائر بين الفصائل في ريف حلب، كانت الاشتباكات في محيط مدينة الباب قد بلغت أشدها، فيما حسمت الهيئة ترتيبات سيطرتها على المناطق التي سيطرت عليها هي وحلفاؤها من فرقتي الحمزة والسلطان سليمان شاه.

وسط كل ذلك كان لافتاً غياب أي موقف تركي علني مما يجري في الشمال، حيث تجاهلت أنقرة، إعلامياً، الاشتباكات الدائرة بين الفصائل المتحالفة معها، في وقت أكد فيه الكثيرون، أنه وعلى الأرض "كان كل شيء يحدث بإشراف أنقرة".

مخطط تقويض "الشامية"

ورغم أن الاقتتال بدأ نتيجة الهجوم الذي شنه الفيلق الثالث في الجيش الوطني، الذي تشكل الجبهة الشامية عموده الفقري، على فرقة الحمزة في مدينة الباب، يوم الإثنين، إلا أن مؤيدي الفيلق يؤكدون أن ما جرى لاحقاً كان معداً له مسبقاً ويستهدف تقويض "الشامية".

مصدر مقرب من قيادة الفيلق الثالث أكد لـ"أورينت نت" أنه ورغم علم قيادة الفيلق بتجهيز خصومه لخطة تستهدفه، إلا أنه لم يتردد في التحرك لإلقاء القبض على قتلة الناشط أبو غنوم ومحاسبتهم، الأمر الذي تم توظيفه كذريعة من قبل (تحرير الشام والحمزات والعمشات) لتنفيذ مخططهم.

وحول أهداف هذا المخطط وموقف تركيا، يقول المصدر: إن الجولاني وسيف أبو بكر قائد ميليشيا فرقة الحمزة، ومحمد الجاسم أبو عمشة، قائد ميليشيا فرقة السلطان سليمان شاه، لديهم خطة واضحة تستهدف تفكيك الفيلق/الجبهة الشامية بشكل كامل، لكن تركيا تريد فقط تحجيمه وإضعافه.

ويضيف: لا يمكن القول إن الفيلق الثالث قد ارتكب خطأ في الهجوم على الباب وإلقاء القبض على خلية الاغتيالات التابعة لفرقة الحمزة، الأمر الذي تسبب بكل ما لحق به فيما بعد، لأن الهجوم عليه كان حاصلاً بكل الأحوال، لكن المفاجأة كانت في وقوف جميع قوى الجيش الوطني الأخرى على الحياد، بالرغم من افتضاح حقيقة الحمزات والعمشات.

خطة تركية للشمال

لكن موقف بقية الفصائل التابعة لما يسمى بالجيش الوطني لم يكن سهلاً، ليس فقط بسبب العلاقة الشائكة مع الفيلق الثالث، والتخوف أيضاً من انتقام ميليشيا هيئة تحرير الشام، بل وبسبب الغموض في الموقف التركي مما يجري، ووضوح موقف أنقرة المبدئي من الفيلق بالمقابل.

وبينما يتفق الجميع تقريباً على أن أنقرة كانت تتحين بالفعل الفرصة المناسبة من أجل تأديب الجبهة الشامية وتحجيم قوتها، بسبب نزوع الجبهة للاستقلالية والشغب الذي تبديه في العلاقة بينهما، يرى مصدر في المعارضة السورية أن هدف تركيا أبعد وأهم من محاسبة قيادة الفيلق الثالث.

المصدر المقرب من حكومة حزب العدالة والتنمية يقول لـ"أورينت نت": إن أنقرة انتهت منذ شهرين تقريباً من إعداد خطة لإصلاح الأوضاع الأمنية والإدارية في مناطق سيطرة الجيش الوطني بالشمال، كي يكون جاهزاً لاستقبال مئات آلاف السوريين من المقيمين على الأراضي التركية ويرغبون بالعودة إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لكنهم يريدون قبل ذلك أن يروا سلطة قوية هناك تنهي التعديات وتقمع التجاوزات وتوفر الخدمات الأساسية والاستقرار، وهو الأمر الذي كان يتم العمل عليه بالفعل مع قيادات الجيش الوطني، لكن تفجر الاقتتال الأخير أغضب أنقرة بشدة ودفعها لعدم التدخل بين الفصائل هذه المرة، كما كان يجري سابقاً.

ويضيف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته: لكن مع ذلك فإن المخابرات التركية ومجاميع من القوات الخاصة كانت تراقب عن كثب وبشكل مباشر تطورات الأمور على الأرض، وتدخلت في الوقت المناسب بعفرين وريفها لمنع ارتكاب أي تجاوزات أو انتهاكات بعد انسحاب قوات الفيلق الثالث منها، كما أمّنت الحماية لمقرات المؤسسات التابعة للحكومة السورية المؤقتة، في الوقت الذي أبلغت فيه القوات التابعة لميليشيا هيئة تحرير الشام، التي دخلت المدينة يوم الخميس، بضرورة الانسحاب الفوري منها.

موقف تركي بترجمة سورية

وبالفعل، فقد كان لافتاً مساء الخميس التصريحات المتزامنة التي صدرت عن مسؤولين في الحكومة المؤقتة والائتلاف المعارض، والتي أكدت خروج هيئة تحرير الشام من مدينة عفرين.

عبد الرحمن مصطفى رئيس الحكومة المؤقتة، وهيثم العاسمي المسؤول الإعلامي في الائتلاف، أكدا في تغريدتين لهما انسحاب ما وصفوها بـ"القوات الأخرى" من المدينة، واستمرار عمل المؤسسات الأمنية والخدمية فيها، الأمر الذي اعتبره الكثيرون بمثابة موقف تركي غير مباشر.

مراقبون رأوا أن ما نشره المصطفى والعاسمي "يمثل التوجهات التركية" للتأكيد على عدم تمركز أي من مقاتلي ميليشيا هيئة تحرير الشام في عفرين، بسبب تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية، على الرغم من أنها تفضل بالفعل أن تكون المدينة تحت سيطرة ميليشيا تحرير الشام، "بسبب قدرة الأخيرة على فرض سلطة واحدة وإدارة قوية"، وهو الأمر الذي فشلت به جميع فصائل الجيش الوطني.

ويبدو أن الجولاني يستشعر ذلك ويعمل على استثماره في المفاوضات الجارية حالياً بينه وبين الفيلق الثالث، من أجل فرض شروطه لوقف إطلاق النار، مع الإبقاء على الفيلق الثالث تحت الضغط.

وحسب المعلومات التي حصلت عليها "أورينت" فإن ‏المطالب التي قدمتها ميليشيا هيئة تحرير الشام خلال لقاء زعيمها مع ممثلي الفيلق الثالث مساء الخميس، تتمثل بالاتفاق على إدارة موحدة للشمال، مع احتفاظها بالملفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، مقابل موافقتها على وقف إطلاق النار.

كما كان لافتاً تركيز الجولاني خلال المفاوضات على إخراج كتلة "جيش الإسلام" العاملة في الفيلق الثالث حالياً إلى خارج منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، الأمر الذي يتفق على ما يبدو مع موقف تركيا في هذه النقطة، حيث تشترك أنقرة مع الهيئة في الموقف السلبي من جيش الإسلام.

ارتياح أنقرة

موقف تركيا يبقى مع ذلك غير واضح بالنظر إلى تجنبها إصدار أي تصريح رسمي حتى الآن، لكن الارتياح التركي يمكن تلمسه من خلال الزيارة التي أصرت أنقرة أن ينفذها وفد رسمي يرأسه نائب وزير خارجيتها إلى مدينة إعزاز، الخاضعة لسيطرة الجبهة الشامية، يوم الأربعاء، برفقة والي عنتاب ووالي كلّيس، من أجل تفقد المشاريع الإنمائية هناك.

زيارة يرى فيها الصحفي السوري حسام محمد "ضرورية من أجل فهم ما يجري في الشمال السوري اليوم، إلى جانب غيرها من الأحداث".

ويقول في تصريح لـ"أورينت نت": يمكننا القول إن الاقتتال في الشمال السوري له أسباب داخلية، لكن الدافع له، وفق اعتقادي، خلافات خارجية مرتبطة بالمنطقة، وأن هيئة تحرير الشام تنفذ مشروعاً مطلوباً منها بتأديب وإضعاف بعض الفصائل من المعارضة السورية التي لم يعد مرغوباً بها، والعمل على تحجيمها، وربما ستقوم "النصرة" بعد ذلك بالتراجع عن كافة المناطق التي دخلتها بعد تنفيذها المطلوب، وكأن شيئاً لم يكن.

ويضيف: تركيا طبعاً ليست بعيدة عما يجري في الشمال السوري، بل هي موجودة على الأرض كقوات وتراقب بقوة وتتابع كل ما يجري بأدق تفاصيله، وغالباً قد نشاهد فصائل مقربة أكثر من أنقرة تنتشر في المناطق التي انسحبت منها الفصائل الهاربة إبان توغل ميليشيا النصرة "هيئة تحرير الشام" لتلك المناطق، وهذا ما يشير إليه ربما تصريح رئيس الحكومة السورية المؤقتة باستمرارية عملهم في عفرين وغيرها.

ترتيبات الحل السياسي

أمر يتفق معه فيه الكاتب السياسي محمد سليمان دحلا، لكن الأخير يعتقد أن ذلك قد يكون مرتبطاً أيضاً بترتيبات الحل السياسي الشامل في سوريا.

دحلا يقول: أعتقد أن ما يجري هو إعادة ترتيب للخارطة الفصائلية في الشمال بإشراف مباشر من المسؤولين الأمنيين الأتراك عن المنطقة، وأتوقع أن ينجم عن ذلك تقكيك لبعض الفصائل ودمج أخرى، فالأتراك معنيون
 بالتخلص من حالة الفوضى وعدم الانضباط الفصائلي، وما يترتب عليه من فشل أمني وإداري، يجعل فكرة المنطقة الآمنة لعودة المهجرين واللاجئين غير واقعية بسبب النزاعات المتكررة بين الفصائل.

ويضيف في حديث مع "أورينت نت": أيضاً الأتراك معنيون بإيجاد حل لمشكلة هيئة تحرير الشام، وربما يتم ذلك خلال هذه الفترة ولو على مراحل، عبر الاحتواء والاستيعاب وإعادة الإنتاج، وصولاً إلى انضباط الفصائل العسكرية وتحضيرها لاستحقاقات المرحلة المقبلة، التي قد تتراوح بين ترتيب حل سياسي تكون المعارضة المسلحة جزءاً منه، وفق التفاهمات الروسية-التركية، أو الذهاب نحو شرق الفرات في حال فشل النظام في إبعاد ب ي د/ ب ك ك عن الحدود التركية وإنهاء سيطرة قسد هناك.

‏جلسة تفاوضية أخرى من المنتظر أن تعقد بين هيئة تحرير الشام والفيلق الثالث، وعلى الرغم من اقتناع الأخير على ما يبدو بأن الجميع تخلى عنه، إلا أن قيادته ترفض بشكل حازم حتى الآن الانصياع للجولاني، في وقت ينتظر فيه الجميع أن تقول تركيا كلمتها النهائية بخصوس ما يجري في الشمال.

التعليقات (2)

    Ayman Jarida

    ·منذ سنة 5 أشهر
    شو بدهن يعملوا الأتراك أنا بظن عم يقولوا فخار يكسر بعضوا

    محمد

    ·منذ سنة 5 أشهر
    اريد مجموعة وتس
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات