رسومات الفنان التشكيلي شبلي سليم: النساء تستوطن رمزيته التعبيرية من السلم إلى الحرب

رسومات الفنان التشكيلي شبلي سليم: النساء تستوطن رمزيته التعبيرية من السلم إلى الحرب

أجساد تتلوّى وتتلوّن وتحتضن كثيراً من الألم، لو قيل لي ارسمي المأساة  لكانت هذه اللوحة إحدى فصولها. لأنك حتى تتوغل في تعبيرية ( شبلي سليم ) يعني أن تكون مزوَّداً بأدوات العبور، عبور المفازات والتضاريس الغارقة في الأبعاد الرمزية، وبعدها لك أفق التفسير والتأويل. الفنان ( سليم ) شفاف رغم الرمزية المغرقة فهو يبني اللوحة ودلالاتها بعناية فائقة.

لا شك أن الحدث السوري اقتلع الجميع وقطع صلاتنا مع الزمان والمكان عبر منافي الجغرافيا ومنافي الروح إلا أن الفنان مشدود إلى ما لا نهاية نحو قضية استرداد المغتصب في الزمان والمكان. 
مثلاً في هذه اللوحة التي رسمها في ضجيج الروح والعقل والآلة الحربية يريد أن يقول إن هناك علاقة بين المرأة الرمز في الصورة، وبين السياق الاجتماعي السياسي، محدداً بذلك رؤيته من القمع والاستلاب، مبيّناً بالحركة الملتاعة والاحتضان وسط الرعب أن القمع بآلياته المعقدة يمكن أن يجعلك في لحظة لا تروم سوى الأمان والخلاص الفردي، ومستغرقاً في حالة القهر حتى الموت.  


اللوحة تعني في معادلها الرمزي الضياع والفقد التام للاتجاهات والمعنى والهدف تحت وطأة قمع تاريخية تتخذ أشكالاً عنيفة في ذروتها القصوى فيزيائياً وقت الحروب وأيام ما يسمّى ( السلم ) تتخذ ألواناً ومحدّدات الممنوع والمستور والمحرم، وفي اللوحة التي تلي نساء أيضاً، يتناول الفنان موضوعهن، مؤكداً أن التأسيس لحالة القمع كانت بقتل الأم المنتجة للحياة حاضرة المرأة دائماً وتلك بداية القصة ومنها وفيها الحبكة والمحاكمة والنقد والقطع مع الموروث ومنها البسملة للبدايات نساء حانيات ثم متمردات مستسلمات.  


إنه المجتمع الذي سقطت من حساباته الأم والأخت والحبيبة والمناضلة والمبدعة، إنها لوحة مكثفة بالدلالات والرموز والمعاني ولكن أوضح ما فيها أن التاريخ والنصر والقيمة لا يمكن أن نحصل عليها على حساب حرية الإنسان أياً كان جنسه… في اللوحة التالية.. نساء تتعدد مراتبهن وآلامهن وآمالهن، لكنها كثيفة العلاقة بالحرية والحياة أجساد مقهورة جلداً اغتصاباً سجناً واحتقاراً وحاجة،  لكن هدف الروح هو خبز الحرية وحده الذي يُشبع ويُغني.

 


شبلي سليم  يؤكد أن الفن ينبوع يغذي الروح الإنسانية إذا فقد الأفق وتعسر الطريق المبدع وظيفته إعادة بناء المفاهيم بل أحياناً كثيرة خلقها من جديد.

 
المبدع يملك مستويات لا نهائية من القيمة والموهبة إذ ليس بينه وبين المثل والأخلاق حجب.  


وحده موكّل بمعرفة النواميس والشرائع وقلبه وعقله يملي ريشته كل صورة، فالصورة عند الفنان سليم متشابكة مع المعنى وكلاهما نفس الحقيقة. وبعضهم يلتبس عليه المعنى.


هنا يبدو سليم مؤسساً للوحة وفن ( صوفيان ) ويخبرنا أن البهاء في اللون ورشاقة الريشة هي بعض الجمال، وأنه يكتمل بالمعنى الذي هو الهدف واللب، وهو يرسم تراه بحالة كمن يصلّي خاشعاً، لكن بعد لأي ومجاهدة التقط البروق من شعاع يحضر مرة ويغيب مرات.  ثم يصيّره في محراب الفن، لون ومعرفة وخط، وعندما تنقل نظرك بين لوحة وأخرى يصل المعنى عقلك.  اللوحات لها أرواح  
تسبح بحمد العبقرية.


لا شيء يوازي لغز وعظمة الروح الإنسانية هكذا تكثّف لوحاته الخبر اليقين وأما الجزع والخوف  والألم والحنان والشجاعة والتمرد والخضوع  فكل رشقة لون وهسيس ريشة يقول إن النفس العظيمة يضيق بها إهاب الجسد وتنفر من سقط المتاع،  ومستغنية عن كل طمع وشهوة ومقامها دائماً الأمداء والآفاق. 


شبلي سليم ابن السويداء التي امتُحِنت مثل باقي الجغرافيا السورية بالسلطة والقبيلة والطائفة … و.. و…إلا أنه رابط الجأش، مضى مُوقداً ناره (البرمثيوسية)، معلناً أن ثمة مكاناً في المتن والهامش يمكن أن تعبر منه سالماً من براثن العقائد والقمع والنفي والإلغاء وأن بذور القيامة والانبعاث يمكن أن تنثرها حتى في طريقك إلى الجلجلة ويمكن أن تعيش في الوطن رغم زلزلته وانزياحه وتتمرد إلى الحدود القصوى دون ضجيج ودون أن تتصالح أو تستسلم  والفن رسالة تستنهض التمرد أبداً  وتقدّس الإنسان ولا يمكن أن تنسجم، ولا لأي لحظة مع القبح والرداءة تحت مسميات أو اصطلاحات إطلاقاً لأن الإبداع  طبيعته الهدف والوسيلة والمعنى ولا توجد وسيلة توصله سوى  دوره في التكوين والخلق والبناء.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات