اقتتال الجبهة الشامية و"الحمزات".. الإخوان يكررون تطبيق نظرية فاشلة وجيش الإسلام متحفز

اقتتال الجبهة الشامية و"الحمزات".. الإخوان يكررون تطبيق نظرية فاشلة وجيش الإسلام متحفز

بشكل مفاجئ تفجرت المواجهات بين الفيلق الثالث في الجيش الوطني وفرقة الحمزة التي تتبع نظرياً للفيلق الثاني، بعد أن كشفت الإدارة الأمنية للفيلق الثالث، الذي تشكل الجبهة الشامية ثقله الرئيسي، عن تورط أمنيين من "الحمزة" بجريمة اغتيال الناشط محمد عبد اللطيف "أبو غنوم" التي وقعت في مدينة الباب بريف حلب يوم الجمعة الماضي ٧ تشرين الأول/أوكتوبر.

الجرأة التي أبداها الفيلق الثالث في اتخاذ قرار المواجهة كانت لافتة، لكنها لم تكن مفاجئة بالنظر إلى واقع التفوق الذي يمتلكه بالمقارنة مع فرقة الحمزات، الأمر الذي يستوجب تشريح الموقف بشكل أكبر، وإعادة قراءة الجبهة الشامية/الفيلق الثالث مجدداً، بناء على التطورات التي طرأت عليها خلال السنوات والأشهر الماضية، من أجل فهم الدوافع والأسباب التي قد تكون خلف هذه الخطوة.

نجحت الجبهة الشامية التي تشكل عماد الفيلق الثالث في الجيش الوطني، بتوطين صورتها كآخر قلاع الثورة بين الفصائل، من خلال ترويج سردية إعلامية تركز على ذلك، وتطبيق سياسات عملية على الأرض تحاول دعم هذه السردية، مستفيدة من معطيات ووقائع واستقطابات وتحالفات معقدة، يحسب لقادتها أنهم وفقوا بالتعاطي معها، لكن هل يعني ذلك نجاحاً مطلقاً سينتج تجربة مختلفة تفرح الثوار والمعارضة السورية، وتفتح باب الآمال بالحصول على قوة ثورية تكون بمثابة ملجأ للقوى السياسية والمدنية، وقاعدة انطلاق جديدة لها في أي يوم أو أية مرحلة؟

الثابت والمتغير

لا يحتاج الأمر لسرد تاريخ الجبهة، ليس لأن سيرتها الذاتية متوفرة على الإنترنت بسهولة، بل لأن الكثير تغير منذ الإعلان عنها إلى هذا اليوم.. تشكيلات منها التي اندثرت، ومنها التي اندمجت بأخرى، ومنها من غادر إلى كيانات منافسة، مقابل التحاق مجموعات وفصائل أخرى بها فيما بعد.. وهكذا، لكن الثابت كان استمرار معظم القادة المؤسسين في مجلس شورى الفصيل، الذي يلعب دوراً فاعلاً وقوياً، بل وحاسماً في صياغة سياسات الجبهة بالأمس/ الفيلق اليوم.

وعليه، فإن ما يحتاج للقراءة والبحث والتمعن هو واقع التشكيل اليوم، وكيف تتم إدارته وبأي اتجاهات ووفق أي توجهات، ومن أجل أية أهداف، وهل يمكن اعتبار هذا التشكيل الذي باتت عليه الشامية حالياً "أملاً ثورياً" بالفعل، وما هي فرص استمراره، وما إمكانيات نجاح القائمين عليه في ما يخطط له؟

يمكن القول إن الجبهة الشامية، وعلى الرغم من مغادرة العديد من التشكيلات المؤسسة لها على فترات مختلفة، إلا أنها حافظت باستمرار على كتلتها الصلبة، أو على الأساس الذي بنيت عليه، والذي يتألف من لوائي التوحيد (مارع) والفتح (تل رفعت) وبدرجة أقل لواء عاصفة الشمال (إعزاز).

هذه التشكيلات الثلاثة هي التي كان متوقعاً أن تكون رافعة الجبهة منذ تشكيلها على أي حال، خاصة وأن الكثير من الفصائل الأخرى بالتي انضمت إليها لاحقاً، انضمت لأسباب براغماتية، في مقدمته توفير الحماية لنفسها من الفناء والاندثار، كما حصل مع حركة حزم مثلاً، أو من التفكك والانحسار، وهو المصير الذي آلت إليه حركة نور الدين زنكي، وكلاهما سبق له الانضمام للجبهة والخروج منها، بالإضافة لقوى أخرى عديدة بطبيعة الحال.

ولذلك فقد كان من الطبيعي أن يبقى قرار الشامية بيد قادة اللوائين الأكبر فيها (التوحيد والفتح) الذين ظلا يشكلان، مع كتائب ومجموعات ريف حلب الشمالي، أكثرية عددية على صعيد المقاتلين، وبالتوازي، وبالضرورة حتماً، غالبية مطلقة في مجلس الشورى، وهو المجلس الذي مثل إحدى أهم ما أنتجته الجبهة، حيث قدمها من ناحية كمؤسسة ديمقراطية، ومن ناحية أخرى أبعد الشخصيات النافذة عن الواجهة (وعن النقد) مع إبقائها صاحبة القرار في النهاية.

مجلس الشورى والفرق السبعة

يضم مجلس الشورى "عبد العزيز سلامة" القائد السابق والأب الروحي للواء التوحيد، وهو الشخصية التي لطالما اعتبرت "دينامو" الجبهة الشامية ومحركها الحقيقي، قبل أن يتمكن "الشيخ عبد الله عثمان" من حجز مكانة متقدمة جديدة في صناعة القرار داخل الجبهة، حتى غدا اليوم الأكثر حضوراً وتأثيراً فيها كما يعتقد الكثيرون.
والأخير شغل سابقاً رئيس المجلس الشرعي لمحافظة حلب، كما إنه عضو (فوق العادة) بالمجلس الإسلامي السوري، ويرى الكثيرون أنه صاحب النظرية التي تطبقها اليوم الجبهة الشامية، وهي نظرية الدمج والقيادة.

وبالإضافة إليهما، يبرز اسم "الحجي أبو توفيق" أحد أهم قادة لواء التوحيد كما هو معروف، ورضوان قرندل قائد وأحد مؤسسي لواء الفتح ومن الشخصيات التي لا يمكن تجاوزها أيضاً، مثله في ذلك مثل القادة الأقدم في اللوائين من أبناء ريف حلب الشمالي، لكن الأصغر سناً، وأبرزهم مضر النجار وعماد ديمان وأبو عمر حريتان..إلخ، بينما لم يتمكن من تبقى من ممثلي الريف الغربي في الفصيل من حجز هذه المكانة المؤثرة، رغم أنهم يتقلدون مناصب أخرى بشكل عادل ولهم فاعلية جدية.


ولأن مجلس الشورى يقوم على مبدأ التمثيل النسبي، فقد كان بديهياً أن ينضم إليه " عصام البويضاني-أبو همام" عن جيش الاسلام و"مصطفى برو-أبو قتيبة" عن لواء السلام، الذي يمثل مقاتلي حلب المدينة في الفيلق الثالث، بالإضافة طبعاً لممثلين عن بقية التشكيلات التي أطلق عليها "فرق" وعددها سبع، هي: 
الفرقة ٣١ (لواء عاصفة الشمال وجزء من أحرار الشام وبعض المجموعات الصغيرة الأخرى).
الفرقة ٣٢ (أحرار الشام-الريف الشرقي وكتائب مدينة الباب المنضوية في الجبهة).
الفرقة ٣٣ (لواء التوحيد وجميع كتائب مارع-وكتائب تل رفعت-كتيبة ساجدون).
الفرقة ٣٤ (اللواء ٥١ جيش حر-القوة ٥٥ لواء الفتح-لواء السلام).
الفرقة ٣٥ (جيش الاسلام) - الفرقة ٣٦ (لواء المجد) -  الفرقة ٣٧ وهي قيد التشكيل وتتكون من: (لواء السلطان عثمان-فوج المصطفى/مارع-الفوج الأول/تل رفعت).

المكاتب الإدارية

ومقابل حجز مجلس الشورى للأسماء الوازنة، سواء من حيث الأقدمية أو الفاعلية أو التمثيل، فقد أتاحت المكاتب الإدارية مجالاً فعالاً بالنسبة لقادة الصف الثاني من أجل أخذ دور في قيادة الجبهة الشامية، بينما تفرغ القادة العسكريون للخدمة في هذا القطاع، مع محافظتهم على فرض احترامهم والحظوة بالتقدير داخل الفصيل.


وفق هذه التراتبية الإدارية والمؤسساتية سارت الأمور داخل الجبهة، وبالتوازي تُطبق بانضباط وفاعلية قاعدة حفظ المكانة المعنوية والقيمية للقادة، التي يبدو أنها تستلهم تجربة هيئة تحرير الشام، أو إذا شئنا القول، تجربة "حركة الزنكي" التي كان لها قصب السبق بين فصائل المعارضة الوطنية على هذا الصعيد، هذه التجربة التي حققت نجاحات مشهودة ما زالت تذكر، عندما استقطبت الكوادر والتكنوقراط من الثوار للعمل في مختلف القطاعات المدنية في مناطق سيطرتها، ما يغري باستلاهمها.


المكتب الأمني والمكتب الاقتصادي وكذلك القانوني، إلى جانب مكتب العلاقات العامة والإعلام ومكتب التعليم وغيرها من المكاتب واللجان، لم تكن فقط مراكز احتواء للكوادر أو جوائز ترضية للقادة الذين لم يتح لهم الوجود في مجلس الشورى، بل لعبت دوراً فعالاً وحاسماً في تثقيل وزن الجبهة وتوفير موارد مالية لخزينتها التي تمول مصاريفها، بما يقلل أو يحد من اعتمادها على الدعم الخارجي، إلى جانب تحقيق النجاح المعقول في إدارة مناطق سيطرتها.

والحق فإن هذا النجاح على نسبيته بات علامة فارقة عند المقارنة بالمناطق الخاضعة لفصائل الجيش الوطني الأخرى، حيث تعتبر مدينة إعزاز الأفضل على هذا الصعيد، وتنافس بقوة المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، مع ميزة لصالح "الشامية" فيما يتعلق بالحريات والحالة الثورية.

مشاكل وتحديات

هل يعني كل ما سبق أن الجبهة الشامية تشكل صفحة بيضاء ناصعة ثورياً، وأنها النموذج المرضي لكل الفئات ولجميع الفاعلين والناشطين مختلف التوجهات ؟
بالطبع لا..كما إنها مسؤولة عن الكثير من الأخطاء والتجاوزات التي تقع في مناطق سيطرتها، ولعل نموذج أبو علي سجو، أحد المسؤوليين الأمنيين المبرزين والقديمين فيها، يكفي لوحده من أجل تفهم وتبرير الحذر الذي يحكم علاقة الكثيرين بالفيلق الثالث، حيث يتهم الأخير بارتكاب انتهاكات بعضها كان جسيماً وبعضها الأخير لا يزال سارياً ويحدث حتى اليوم ناهيك طبعاً عن ملفات أخرى تتعلق بهيمنة الفيلق الثالث على أكثر المعابر، ما يجعل علاقتها متوترة باستمرار مع بقية الفصائل التي تشعر بالغبن والمظلومية على هذا الصعيد، ويزداد هذا الشعور أكثر عند كل مبادرة للتوحد بين القوى العسكرية في الشمال، حيث تفشل المبادرات أو تتعطل نتيجة رفض "الشامية" التنازل عن مكاسبها الفارقة على هذا الصعيد.


ويتضاعف الإحساس بالمظلومية والغبن لدى الفصائل الأخرى بسبب نجاح الفيلق بالإيحاء أو الترويج لدى الرأي العام وإقناعه بأن من يُفشل هذه المبادرات هم الآخرون، مستفيداً من الخلل الذي تعاني منه بقية الفصائل، والمشاكل الأمنية والخدمية المضاعفة في مناطق سيطرتها بالمقارنة مع مناطق سيطرة الفيلق الثالث، والسمعة المتردية للعديد من قياداتها، والممارسات السلبية لها، الأمر الذي يهدد بتفجر الأوضاع بين الجبهة الشامية وبقية قوى الجيش الوطني في أي لحظة.


بل إن التنافس على المعابر والموارد يهدد الفيلق الثالث ذاته من الداخل،حسب بعض المراقبين، حيث تسبب الخلاف على إدارة معبر الحمران بريف مدينة الباب، بين قيادة الفيلق وبين الفرقة ٣٢ التابعة لها تنظيمياً، والمنتمية لحركة أحرار الشام عملياً، إلى اقتتال مشهود مطلع تموز/يوليو ٢٠٢٢، حيث كان لافتاً هنا وبقوة أن بقية تشكيلات الجيش الوطني وقفت مكتوفة الأيدي عند توغل قوات هيئة تحرير الشام من ريف حلب الغربي باتجاه مناطق سيطرة الشامية بريف عفرين، وهذا يدل إلى أي حد وصل مستوى الاحتقان بسبب التنافس على الموارد والمعابر.

التذمر

الشعور بعدم الرضا عن توزيع الموارد يرافقه أيضاً في داخل الجبهة الشامية تحديداً، وليس الفيلق الثالث هنا، شعور بعدم الرضا عن توزيع المناصب والمراكز القيادية أيضاً، بالإضافة إلى ما خلفه تغير مراكز الثقل والقوى بعد توسعها لتشكل الفيلق، وذلك من جانب العديد من تشكيلات الجبهة التقليدية من أبناء مارع وتل رفعت، وبدرجة أقل من المنحدرين من بلدات حيان وحريتان وماير ودير جمال.. إلخ، وقد ظهر ذلك جلياً خلال الاقتحام الذي لم يكتمل من جانب هيئة تحرير الشام على مناطق الفيلق الثالث بريف عفرين إبان المواجهة مع عناصر أحرار الشام/الفرقة ٣٢، حيث امتنعت العديد من الكتائب عن المشاركة في التصدي لهذا الاقتحام، بل وهدد بعضها بالانضمام إلى هيئة ثائرون أو الفيلق الثاني، الذي رفضت تشكيلاته أيضاً التحرك لمواجهة اقتحام الهيئة، بسبب عدم رضا قيادته عن توزيع موارد المعابر كما قلنا.


كانت وجهة نظر الممتنعين عن التحرك لمواجهة خطر هيئة تحرير الشام يومها أن "الجبهة الشامية" التي أُسست ونمت واستمرت على أكتاف أبناء الريف الشمالي ودمائهم، لم تعد لهم اليوم كما كانت، وأن على قيادتها اليوم أن تدفع ثمن استقطاب القادمين من خارجها وتوليتهم المناصب ومنحهم النفوذ، بينما ترى هذه القيادة أن زمن القواقع المناطقية انتهت وأن على الجبهة الشامية أن تكون رائدة المشروع الوطني القادم.

التنافر

لكن ليس هذا هو التهديد الوحيد أو الأخطر الذي يواجه الفيلق الثالث، بل إن التحدي الأهم هو نجاح تجربة التوفيق بين هذا الخليط المتنافر الذي يضمه الفيلق.
لا يتعلق الأمر هنا بالجانب المناطقي، حيث المركز (ريف حلب الشمالي) ما زال هو المركز، رغم كل التضخم الذي ظل في النهاية يدور من حوله ولا يخترقه، هذا التضخم القادم من حلب المدينة، ومن الريف الغربي والشرقي، ومن مناطق ومحافظات أخرى بينها دمشق وريفها، وكذلك وإن بدرجة أقل، ريفي إدلب وحماة.. بل إن الحديث يتعلق هنا بالجانب الفكري والايديولوجي الذي يسيطر اليوم على الفصيل ويحكمه.


فالأصل بالجبهة الشامية، كما هو معروف، عدم وجود إيديولوجية صلبة وواضحة، بل مثلت بالفعل ومنذ تشكيلها المجتمع الحلبي (ريف ومدينة) الذي يصنف بأنه مجتمع محافظ متدين تقليدياً، إلى درجة استعصت على أن تتأثر بأي من حركة أحرار الشام (التيار السروري) وجيش الإسلام (السلفية العلمية) إبان اندماجها معهما في تجربة الجبهة الإسلامية.


لكنها اليوم ومع تحولها إلى فيلق، باتت الجماعة تضم خليطاً غير متجانس على هذا الصعيد، يبدأ من بقايا الجيش الحر، بما في ذلك قوى كانت مدعومة من الأمريكان بشكل مباشر (اللواء ٥١) مروراً بالتكشيلات الاسلامية شديدة التدين لكن غير المأدلجة سياسياً (ساجدون-النور) وصولاً إلى التشكيلات السلفية بمختلف تنويعاتها، حيث يضم الفيلق مجموعات من أحرار الشام (سلفية حركية/سرورية) وبقايا جيش الإسلام (سلفية علمية) بالإضافة إلى سلفيين دعويين متناثرين هنا وهناك، وهؤلاء كلهم على خلاف فكري مزمن لا يمكن التفاؤل بسهولة بإمكانية أن يتم تجاوزه قريباً.

تحدي اسمه "جيش الإسلام"

لكن مع هذا، يعتقد الإخوان المسلمون، أو التيار التقليدي في الجماعة السورية، هذا التيار الذي يتبنى التجربة ويعمل عليها بإلحاح، بدعم وغطاء من المجلس الاسلامي السوري، وعبر دور محوري للشيخ عبد الله عثمان (اللافت أنه ليس إخوانياً) يصرون أنها تجربة يمكن التعويل على نجاحها بقوة.


إلا أن هذا التفاؤل والإصرار واجه بشكل مبكر أول صدام مع الواقع، عندما تمرد عناصر حركة أحرار الشام مؤخراً، حيث كانت المفاجأة بظهور خطاب يستعيد أدبيات الحركة القديم ببن عناصر الفرقة ٣٢، الأمر الذي طرح سؤالاً كبيراً عن مدى التجانس داخل الفيلق الثالث بالفعل، وكذلك عن مستقبله وإلى متى يمكن أن يصمد.


لكن هذا الاشكال لن يبدو على جانب كبير من الخطورة بالمقارنة مع التحدي الذي يمثله جيش الإسلام في حال تمكز من استعادة كامل قوته، وإذا ما استطاع توطئة المحيط والبيئة مجدداً ليعاود الانطلاقة ويستأنف برنامجه الفكري والسياسي الخاص.


فمهما حاولت قيادة الجيش الابتعاد عن الأضواء، ومهما توارى مقاتلوه وكوادره في الصفوف الخلفية لأبعاد الأنظار عنهم أو لاثبات أنهم تغيروا واستفادوا من أخطاء مرحلة الغوطة، إلا أن الكثيرين يرون أن عقيدة جيش الإسلام الفكرية غير قابلة للتطور أو التغير في الجوهر. والواقع فإنه عندما يتعلق الأمر بالجانب العقدي فإنه لا يمكن لأي قيادي أو عنصر في الجيش إنكار استحالة التغير، وبالتالي فإنه، أي جيش الإسلام، سيلجأ حتماً إما إلى التغلغل الفكري بين عناصر الفيلق وكذلك كل المحيط، مستفيداً من مهارات السلفية الدعوية، ومن ثم تحويل كل من ينجح باستقطابهم إلى جزء من الجيش منفصل بالنهاية عن الفيلق، أو الانعزال عن الفيلق ما أمكن، ومن ثم الانسحاب منه عندما تقوى شوكته، على أن تكون المواجهة حتمية مع رفاق الأمس في النهاية ما لم يتحولوا جميعهم إلى سلفيين، كما يقول المناهضون للجيش والمتخوفين منه.


يتفق معظم دارسي التيارات الإسلامية وكثير من خبراء الجماعات فيه على أن أسوأ منتج عرفته هذه التيارات والجماعات في العصر الحديث كان منتج "السلفية الجهادية" الذي ولد من رحم التزاوج بين متشددي الإخوان والسلفيين الحركيين. 


بل حتى التيار السروري الذي كان أقل تطرفاً من السلفيين الجهاديين بالنهاية، لم يكن ولداً باراً بالإخوان رغم أنه خرج من صلبهم، ولذلك فإن الدهشة تتملك أكثرهم وهم يرون إصرار الجماعة، أو فريق منها على الأقل، على إعادة تكرار هذه التجارب المؤلمة، تجارب التزاوج بين الافكار والدمج بين المتباينين وإعادة تدوير الإيديولوجية السياسية-الدينية على أمل الحصول على منتج مختلف هذه المرة مع الجبهة الشامية.


لكن مع ذلك لا تبدو هذه المخاوف واردة على الإطلاق في ذهن عرابي التجربة، الذي يعتقدون أنهم يستطيعون من خلال هضم التحارب السابقة والاستفادة من أخطائها وتطويرها أن يحققوا نجاحاً غير مسبوق ستكون الجبهة الشامية معه في النهاية نموذجاً مثالياً للجماعة الإسلامية الوسطية والمحافظة، التقليدية والعصرية.

لكن إلى أي حد يمكن أن تمضي النظرية في عالم التطبيق بينما يغيب الاستقرار عن البيئة التي تحتضنها، وتعصف بها التوترات والاضطرابات وتتهددها متغيرات كبرى قد تقع في أي لحظة، وخاصة تلك المتوقع قدومها من الشمال.. من الحليف تركيا، التي من جهة لا تبدو سعيدة بالاستقلالية التي تحاول الجبهة الشامية انتزاعها بهدوء وعلى دفعات وبخطوات بطيئة، ومن جهة أخرى لا تريد تفكيكها، لأن ذلك يعني انفلاشاً كارثياً لأكثر من عشرين ألف مقاتل يتوزعون على نحو عشرين تشكيلاً يضمها الفيلق الثالث حالياً، ولذلك فإن أفضل طريقة للتعامل معها في الوقت الحالي، كما بات الكثير مقتنع، أن أنقرة تعمل على المحافظة على بقية الفيالق وحمايتها من الشامية من أجل استمرار التوازن، وبالمقابل استخدام عصا هيئة تحرير الشام وتهديدها بها كلما اقتضت الحاجة.

التعليقات (1)

    سوريا حرة

    ·منذ سنة 6 أشهر
    لاتحزنوا ياسوريين هذا الذي يحصل هو تنظيف ذاتي وسيستمر طالما أن الشعب والجماهير صارت تعي وترفع الصوت بوجه كل غلط وتعدي وتجاوز للحقوق. لاتحزنوا صدقوني خسارة هؤلاء الهمج مربح للثورة والشعب السوري الذي سيزداد وعياً وتحدياً .اما الأسد ونظامه ثقوا تماماً ان السوس ينخر بأركانه وهو آيل للسقوط تلقائياً وبشكل مفاجئ. قال شو عمشات وحمزات وسلطان وإخوان 😈😱👹☠السيادة والقرار للشعب الثائر صاحب الحق والأرض أيها المتقافزين المرتزقة الزعران الخونة.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات