فلتان أمني يُنذر بانفجار شعبي

فلتان أمني يُنذر بانفجار شعبي

قد تكون قضية الشهيد الناشط الإعلامي "أبو غنوم" من بين قضايا قليلة جداً حظيت باهتمام كبير وتتبع من قبل المؤسسات الرسمية، وما قام به الفيلق الثالث كون المغدور أحد كوادره، عبر غرف عملياته من تتبع خيوط الجريمة ومن ملاحقة ومتابعة للخلية المكلفة بالاغتيال بعد مراقبة أشرطة أكثر من 200 كاميرا موزّعة في شوارع مدينة الباب، وعبر جهود مشكورة، استطاع الفيلق الثالث كشف طلاسم الجريمة، والإيقاع ببعض الأشخاص المشتبه بهم في تنفيذ جريمة الاغتيال.

إلى هنا كان الخبر عادياً, وإن كان يأتي بعد سلسلة طويلة من الاغتيالات والجرائم التي طالت الجسم الإعلامي خاصة, منذ اغتيال الإعلامي حسين خطاب, ثم محاولة اغتيال الإعلامي الآخر بهاء الحلبي, إلى محاولة اغتيال مراسل أورينت خالد الحمصي, إلى اغتيال الناشط الإعلامي محمد أبو غنوم, إلى محاولة خطف الإعلامي بدر طالب, وقبلها وخلالها الكثير من الجرائم, إضافة لاغتيالات لمقاتلين وعناصر ومدنيين أكثر من القدرة على عدها وحصرها, تُوّجت بالأمس باغتيال المقاتل الأربعيني راضي رحمو العبد الله النجار في مدينة مارع, لتضاف لعشرات الجرائم والسرقات والانتهاكات والتغييب القسري وانتهاك الأعراض التي حصلت, ولم تجد جميعها قصاصاً عادلاً يوقف تلك السلسلة من الجرائم, لكن أن تداهم مجموعة قتالية مشفى الباب لتهريب المعتقلين المشتبه بهم باغتيال الشهيد أبو غنوم بالقوة ورغماً عن حراسة الشرطة العسكرية, فنحن أصبحنا أمام كارتيلات ومافيات قتل وإجرام مستعدة لارتكاب أي جريمة مقابل تحقيق أهدافها, ضاربة بعرض الحائط كل القوانين التي صاغوها بأنفسهم وهم أول من خرقها خدمة لما يريدون.

الاتهام الذي طال ثلاثة أشخاص وتم اعتقالهم وقيل إن من بينهم دواعش, أمر ليس بجديد, منذ عام تقريباً هناك منظمات دولية وحقوقية أصدرت تقاريرها وعددت أسماء ومناصب ومواقع لعدد كبير من الدواعش يوجدون ضمن هيكلية بعض فصائل الجيش الوطني, وحينها طالب الكثير من الحريصين على مؤسسات الثورة بإعادة هيكلة الفصائل داخلياً, والتخلص من أشخاص قد يتسببون بوضع فصائل الجيش الوطني على قوائم الإرهاب, وكثير من المهتمّين حذروا أن دائرة الاستهداف قد تتوسع وتطال كامل المؤسسة العسكرية للجيش الوطني, لكن أحداً لم يحرك ساكناً, لغياب القرار, ولغياب الهرمية التي يُفترض أنها موجودة بمفاصل مؤسسة تدعي أنها وطنية, ولاحقاً وقع المحظور وصُنفت بعض فصائل الجيش الوطني مع قادتها على قوائم الإرهاب الدولي.

لكن بعيداً عن تلك القوائم وبعيداً عن مدى مصداقيتها وشفافيتها، هل كان الأشخاص المعنيون بالجيش الوطني وفيالقه وفصائله من قادة وغيرهم، أمناء على تلك المؤسسة الوطنية وأوفياء لقضية الشعب السوري؟؟

أن تتحرك أرتال من بعض الفصائل نصرة للشرطة العسكرية في محيط مشفى الباب لتأمين بقاء احتجاز المتهمين، وأن يصدر قرار من قيادة فرقة الحمزات باعتقال القيادي بصفوفها "أبو سلطان الديري" بتهمة تورطه في اغتيال الناشط "محمد أبو غنوم" وزوجته، مع ملاحقة "أبو يعقوب" المتهم الآخر بنفس القضية، والهارب بعد عملية مداهمة من قبل أمنية الفيلق الثالث في مدينة الباب، هو أمر إيجابي يستحق التقدير، لكن هذا لا يكفي..

لو كانت عملية اغتيال أبو غنوم الجريمة الأولى التي تُرتكب, فيمكن حينها القبول بما تم, لكن بعد أن وصل الفلتان الأمني لمرحلة لا تطاق أجبرت فيه سكان مدينة الباب على إصدار بيان يطالبون فيه بتحميل المسؤولية لقائد فصيل ويطالبون بمغادرته مع فصيله كاملاً مدينة الباب وأريافها, فالبيان مؤشّر على حالة غضب باتت تعتري الحاضنة الشعبية, لتضاف لعشرات الضغوط التي ترزح تحتها وأجبرتها على إصدار بيانات, وتنفيذ وقفات, وإقامة خيم اعتصامات, لتعبر فيه الحاضنة الشعبية عن وضع أصبح يأخذ طابع الديمومة, ومعه أصبحت الحاضنة في مرحلة الغليان, وهنا يجب العودة للمطالب التي قيلت ورُدّدت لسنوات مضت ولم تجد آذاناً صاغية, أن الجسم العسكري والأمني والقضائي بحاجة لإعادة هيكلة وإعادة تنظيم, وان استمرار الوضع على ما هو عليه سينعكس انفجاراً شعبياً قد لا تَحتمل نتائجه سلطات "الأمر الواقع" والحليف الذي يتحمل المسؤولية بحكم خضوع المنطقة لإرادته وأوامره, وإن كنا لا نحمّل الجانب التركي مسؤولية أي من الجرائم التي تُرتكب, لكن نحمّله مسؤولية إعادة ضبط الأوضاع وإبعاد الفاسدين والتخلص من كل مسيء للحاضنة الثورية وللعلاقة الأخوية مع الجار تركيا.

صفة الدعشنة التي لصقت بالخلية التي اغتالت الشهيد أبو غنوم أمر خطير, تنبئ باختراق قد يكون أكبر مما نتوقع, وقد تكون غايته خلق بلبلة بين فصائل الجيش الوطني, وإن كان بيان فرقة الحمزات الأخير قد أخمد نيراناً كانت مهيّأة لحرق الكثير, لكن علينا أيضاً أن نتوقع أن تلك الخلية بالتأكيد ليست وحيدة, بل قد تكون هناك خلايا أكثر وأعمق وأكثر تجذراً بين حنايا فصائل الجيش الوطني, وطالما كان للدواعش مكان, فبالتأكيد هناك خلايا أخرى تتبع لهيئة تحرير الشام, ولزعيمها الجولاني الذي لم يألُ جهداً لتمزيق المحرر, وتشتيت الفصائل, وشرذمة الصفوف, لتسهل عليه عملية ابتلاع المنطقة وتسيّدها.

تعبير "المحرر" يعني اكتسابه الحرية، والحرية تتأتى من حرية الكلام وحرية التعبير وحرية الرأي وحرية التنقل وحرية العمل و و و، هناك من يسأل: بعد كمّ الأفواه، وإبعاد الإعلام والتضييق عليه، وإرهاب الأهالي، وفرض قيود على التحرك، وإقامة الحواجز، وسرقة الأرزاق، وتهجير الناس، وفتح المعتقلات، وعمليات الخطف والتغييب القسري بدون محاكمات و و و ... ماذا أبقيتم من كلمة محرر وحرية؟؟

إياكم أن تستهينوا بقدرات الشعب السوري كما استهان بها الطاغية الأسد فوقع بشرّ أعماله، وإياكم أن تستهينوا بغضبه وجبروته، وإياكم والرهان على إخضاعه وإركاعه، فمن ثار على أعتى نظام ديكتاتوري قاتل ومجرم، ومن وقف بوجه عصابات روسيا وإيران وحزب الله، ومن قدّم مئات آلاف الشهداء من فلذات أكباده, ومن ترك الديار والمال كرمى لعيون ثورته, مستعدّ ليس فقط لمواجهتكم وحرقكم وسحلكم بنعاله, بل هو مستعد أن يواجه العالم بأسره, لأنه شعب لم يعد لديه ما يخسره, واللبيب من الإشارة يفهم.

التعليقات (4)

    خالد الدالي

    ·منذ سنة 6 أشهر
    صارت القصة متل ضيعه ضايعة

    ناهد

    ·منذ سنة 6 أشهر
    مقال يضع اليد على الوجع ونتكنى ممن يدفنون رأسهم كالنعامة وسط الرمال من الجيش الوطني وغيره من الفصائل التي تحزل اغلبها لشبيحة وزعران ان يتحركوا لاستئصال تلك السرطانات

    ابو محمد

    ·منذ سنة 6 أشهر
    الجيش الوطني يخدم مصالح امريكا اتي تمده بالمال والسلاح والمعومات الاستخباريه فى نشر الفلتان الأمني والاغتيالات والمخدرات والمافيات....... امريكا هى من صنعت داعش وقبلها القاعده

    عبد المنعم محمد

    ·منذ سنة 6 أشهر
    على المسؤولين تطبيق شرع الله لمنع حدوث ما حدث (ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب ) (ولايجرمنكم شنآن قوم على أن لاتعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات