عن استئناف حماس العلاقة مع نظام الأسد

عن استئناف حماس العلاقة مع نظام الأسد

أصدرت القيادة المتنفّذة بحركة المقاومة الإسلامية "حماس" منتصف أيلول سبتمبر الماضي بياناً أعلنت فيه نيتها وعزمها المضي قدماً في استئناف وتقوية العلاقات مع نظام بشار الأسد ضمن خطاب إنشائي ممل ومكرر عن احترام سوريا قيادة وشعباً، في إشارة واضحة إلى سوريا الأسد طبعاً، ورفض الغارات والهجمات الإسرائيلية المتكررة ضد مواقع النظام وإيران وميليشياتها في البلاد، والتي لا يرد عليها الأسد ولا حلفاؤه بالطبع. بيان حماس هذا جاء بعد ثلاثة أشهر على إصدار البيان الأول الذي أعلنت فيه الحركة نيتها إعادة العلاقة مع نظام الأسد بحجة تمتين محور المقاومة المزعوم مع ادعاء وجود إجماع داخل الحركة على ذلك.

جرت مياه كثيرة في النهر خلال الشهور الثلاثة الماضية مع استمرار الوساطة عبر إيران وذراعها الإقليمي المركزي حزب الله، ثم جرى الحديث حتى عن تجميد مساعي إعادة العلاقة بسبب رفض وتعنّت النظام إلى أن جاء البيان الأخير الذي أثار بالطبع ردود فعل غاضبة ورافضة من أبناء وأعضاء وتيارات واسعة داخل حماس، كما من داعميها وأنصارها في العالمين العربي والإسلامي.

خلال تلك الفترة يمكن الحديث عن معطيين أساسيّين عرقلا أو أخّرا استئناف العلاقة رغم رغبة بل هرولة القيادة المتنفّذة بحماس، تمثَّل المعطى الأول بنصيحة علماء الأمة للقيادة المتنفذة بالتراجع عن إعادة العلاقة مع نظام الأسد، ما نزع الغطاء الديني عن خطوة الحركة وخطابها السياسي بشكل عام، وأفرغ منطقها من مضمونه. أما الثاني فتمثّل بالعدوان الإسرائيلي الأخير ضد غزة أوائل آب/ أغسطس الماضي الذي نسف وهم محور الممانعة ووحدة الجبهات والساحات، واستخدم خلاله إعلام النظام ومسؤوليه لغة قاسية ضد الحركة بحجة تخليها عن نهج المقاومة وترك حركة الجهاد الاسلامي وحيدة في الميدان، رغم أن النظام نفسه لا يرد على الهجمات والغارات الإسرائيلية المتكررة والتي أضحت أسبوعية، وهو الأمر الذي انضمّت إليه حماس مؤخراً لمعطيات وتبريرات مشابهة لتلك التي يطرحها النظام.

نصيحة علماء المسلمين كانت أهم بكثير مما بدت عليه، وعندما نتحدث عن علماء ورجال دين بارزين من طول العالم العربي وعرضه، حيث ضمت اللائحة أسامة الرفاعي من سوريا، عصام البشير من السودان، وعبد المجيد الزنداني من اليمن، ووصفي عاشور من مصر، وعلي قره داغي من ليبيا، مع فتوى مماثلة للشيخ محمد الددو من موريتانيا، ودعم من الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ما يعني أن ثمة إجماع وسط الأمة على رفض إعادة العلاقة بين حماس ونظام الأسد.

من هذه الزاوية أكدت نصيحة علماء المسلمين مرة جديدة، عزلة القيادة المتنفذة لحماس في الشارعين العربي والإسلامي، ونقضت ونسفت الأساس الديني القداسي لخطابها عن تحرير فلسطين، ما يتناقض بالضرورة مع إعادة العلاقة مع مجرم حرب قتل مليون مواطن سوري، وشرّد عشرة ملايين، ودمّر نصف البلد، واستجدى الغزاة للاحتفاظ بالسلطة رغماً عن الشعب الثائر ضده. هذا مع عدم وجود أي فائدة وجدوى ملموسة تجنيها الحركة من ذلك، ناهيك عن تبييض صفحة النظام وحلفائه الذين شاركوه الجرائم ضد الشعب السوري والشعوب العربية الأخرى في العراق واليمن ولبنان. بينما كان القرار الأخير بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير، بعدما سكت العلماء أو تغاضوا عن علاقة الحركة مع إيران باعتبارها من باب الاضطرار وأقرب إلى أكل الميتة، وفق المصطلح الشرعي.

أما المعطى الثاني الذي أثّر على منحى إعادة العلاقة بين حماس والنظام فكان العدوان الإسرائيلي ضد غزة الشهر الماضي، والذي رفضت حماس الانخراط في مواجهته. تاركة عملياً حركة الجهاد وحيدة في الميدان لعدة أسباب منها الحفاظ على سلطتها هناك كما على التسهيلات وأنبوب أوكجسين أو "السيروم" المحلول الغذائي الموصول من قبل الاحتلال لغزة المنهارة وغير القابلة للحياة كما تقول الأمم المتحدة.

حماس تلقت انتقادات على ذلك تحديداً في السياق الجماهيري العربي والإسلامي، وعلى الرغم من أن العدوان هدم كل ما يقال عن محور الممانعة ووحدة الجبهات ولم تكن حماس فقط من تركت الجهاد في الميدان وإنما حلفاءها من أعضاء المحور المزعوم بمن فيهم نظام الأسد نفسه، إلا أن أبواق النظام الإعلامية والناطقين الرسميين وشبه الرسميين باسمه شنّوا حملة ضارية على الحركة بحجة تخليها عن المقاومة، وأن النظام كان محقاً برفض أو التحفظ على إعادة العلاقة معها، في انفصام موصوف كونه لا يردّ على الغارات والهجمات الإسرائيلية الأسبوعية. مع استخدام هذا المعطى لشيطنة مواقف حماس كلها بما فيها رفض تماهيها في السنوات الماضية مع رواية النظام حول الثورة السورية أو تغطية وتبرير جرائمه بحق الشعب السوري الثائر. رغم ذلك كله أصرت القيادة المتنفذة بحماس على استئناف العلاقة مع بشار الأسد وتقويتها حتى مع غطرسة واستعلاء هذا الأخير تجاهها وكأن شيئاً لم يكن ببيان إنشائي ممجوج وعبارات فارغة وغير صحيحة.

إلى ذلك، ثمة أمر لافت في البيانين، سواء الأول الخاص بقرار إعادة العلاقات أو الثاني المتعلق بالإصرار على المضي بها قدماً مع تقديم ما يشبه الاعتذار لنظام الأسد. حيث صدر البيان الأول عشية توجّه رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية إلى بيروت للقاء حسن نصر الله أواخر حزيران/ يونيو الماضي، أما البيان الثاني فصدر أثناء وجود وفد حماس برئاسة هنية نفسه في موسكو الداعم الرئيسي لنظام الأسد والذي منع أو أخّر سقوطه للدقة، ما يعنى أن ثمة أبعاد وشروط خارجية فرضت على الحركة إعادة العلاقة والمضي بها قدماً رغم رفض وممانعة النظام ووضع عدة شروط على الحركة، منها اعتذارهاعن مواقفها السابقة-اكتفت القيادة المتنفذة بالتزلف وإظهار التقدير لنظام الأسد- كما رفض استقبال قيادات وازنة وتاريخية من جيل المؤسسين مثل رئيس المكتب السياسي بالخارج خالد مشعل سنتين وآخرين من قيادة الخارج. 

وبالعموم أظهر القرار ضعف القيادة المتنفذة بحماس وعدم صمودها أمام الضغوط وسذاجتها التفاوضية والعجز عن التمسك بمواقفها والدفاع عن قناعاتها مع تجاهل وتناسي المنطق التاريخي القائل أن لا تحرير لفلسطين دون تحرير دمشق وبغداد "المحتلتين" وإعادة إعمار حلب والموصل المدمّرتين باعتبارها الخزانات البشرية التاريخية لصد الغزاة من التتار إلى الصليبيين، كما وحدة مصر والشام، حيث الأولى مختطفة من نظام مفلس أوصل البلد إلى حافة الانهيار، بينما بشار نفسه فاقد للسلطة حتى في مناطقه ولا يرد على إسرائيل ولا يريد من حلفائه الردّ، ما يثير التساؤل عن أي فائدة لحماس من التحالف مع هؤلاء.  

والأسوأ ربما من كل ما سبق أن هرولة القيادة المتنفذة بحماس تجاه الأسد تأتي ضمن وقائع أخرى منها عدم الانخراط بمواجهة العدوان الأخير والحفاظ على سلطتها بغزة بأي ثمن والتي تذهب مجتمعة باتجاه المضي قدماً أيضاً في تكريس الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي، علماً أن القيادة المتنفذة نفسها تتحمّل مسؤولية أساسية ومركزية عنه بداية من قرار الحسم العسكري 2007 إلى رفض وثيقة المصالحة 2009، وإعلان الدوحة 2012 الذى مثّل آخر فرصة جدية لمصالحة ندية شفافة ونزيهة، حيث قال أحد أركان القيادة المتنفذة "محمود الزهار" إن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي آنذاك تجاوز صلاحياته، إلى تقديم تنازلات شكلية بعد الانقلاب في مصر 2013 ولكن بعد فوات الأوان عملياً وتجذّر الانقسام وتعمّقه قبل أن يتولى رئيس السلطة محمود عباس الإجهاز على الآمال المتبقية بالمصالحة حفاظاً على سلطته المنهارة والمتراجعة التي وصلت إلى نهاية طريقها على كل المستويات.

 

التعليقات (2)

    سوري مُشرد

    ·منذ سنة 6 أشهر
    لم يعد اسمها حركة المقاومة الفلسطينية بل حركة الخيانة الفلسطينية لأنها تخون الشعب الفلسطيني و تصطف مع الجزار القاتل بشار و نظامه الطائفي و كما أنها ترضخ للإبتزاز الإيراني لأجل استمرار الحصول على السلاح و الخبرة الإيرانية و تفتح غزة لنشر التشيع.

    سوري مُشرد

    ·منذ سنة 6 أشهر
    لم يعد اسمها حركة المقاومة الفلسطينية بل حركة الخيانة الفلسطينية لأنها تخون الشعب الفلسطيني و تصطف مع الجزار القاتل بشار و نظامه الطائفي و كما أنها ترضخ للإبتزاز الإيراني لأجل استمرار الحصول على السلاح و الخبرة الإيرانية و تفتح غزة لنشر التشيع.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات