احتجاجات إيران.. هل يستيقظ السوريون؟!

احتجاجات إيران.. هل يستيقظ السوريون؟!

تغرق سوريا في الصمت السياسي وكأنه قدرها المرئي أو المنطوق، ليس الآن، بل منذ مدّة، إذ لا وقودَ يكفي لرفع أذان الثورة فيها بعدما نضب صوتها، والمنطقة حولها تغتال الصمت السياسي مرتين، في العراق الجار القريب منها، وفي إيران ذات النظام السياسي الحليف لها. لكن السوريين يضمنون بقاءهم بالصدفة، تلك الفطرةُ الكاذبة، وهي وحدها من تنسج يومياتهم الرثّة وتزيّنها لهم، ثم تعيد تدوين سيرة صمتهم بين مرثيات من ماتوا في الغوطة، أو في ريف حمص، وبين من تهجّروا، فيما قاتلهم ينتظر حقنة "بوتيكس" إضافية لردم مزيدٍ من تضاريسه المتصدّعة.

حواسّهم المعطّلة لا تُنبئهم بأن  ثمّة ما يتخلخل في المنطقة حولهم وهم غافلون، لا يتنبّهون كفايةً لرداءة الطقس المخيِّم فوقهم، وأن هذه الأنظمة الشمولية ذات تاريخ الصلاحية المنتهي يتوجّب كنسها كحتميّة تاريخيّة واضحة الدلالة. متى يقرؤون تاريخ انتهاء صلاحية نظامهم السياسي؟! متى يُتلفون ذاك المخزون الفاسد؟!

البحث عن "مهسا أميني" في سوريا!

 لا فرق بين معتقل "كهريزك" وسجن صيدنايا العسكري، الأول في دولة الخميني، والثاني في دولة الأسد، وكلاهما سليل نسبٍ واحد متخصّصٍ بإبادة الاختلاف، وتأديب المختلف سياسياً، وفي كثير من الأحيان تصفيته، كما لا فرق بين مصير "ستار بهشتي"  و"طلّ الملوحي" كلاهما مدوّنان، اعتُقل الأول في إيران، والثانية معتقلة لدى نظام الأسد منذ العام 2009، لكن موت مهسا أميني هو الفارق بين ضفتي الحكاية، هو فارق التوقيت بين طهران ودمشق، هو أول الاستيقاظ وتأخّره.

 
يستيقظ الإيرانيون فيما السوريون نيام. موت مهسا أميني يجعل للصحوة السياسية مذاقاً نسي السوريون حلاوته، إذ يبدو صعباً إعادة برمجة احتجاجات جديدة في مناطق سيطرة النظام، لا لأن السوريين لم يجدوا موتاً كالذي لاقته "أميني" في إيران، فالموت عند السوريين كثير، نجده متأبطاً صوراً نازفة عالقة في الذاكرة، وأخرى ما زالت تحدث، حتى إن ثورةَ جياع تبدو عاجزةً عن بلوغ الوعي السياسي للسوريين الخاضعين لحكم الأسد، ربما بسبب ضريبة الدمار والاعتقال والنزوح الهائلة التي عالج بها نظام بشار الأسد جموع المنتفضين عليه عام 2011، وربما أيضاً نتيجةَ ذبول معنى الحراك السياسي، وخذلان النتائج للمقدمات، الأمر الذي نال من بديهيّة التغيير السياسي لديهم، وأحالهُ إلى توافقات دولية لصياغة بديلِ ما هو قائم، وتلك توافقات طال انتظارها ولم يستطع أحدٌ ترجمتها بعد، أو حتى قراءة نواياها المستترة إلى الآن.

البرميل في التوقيت الصيفي

المتظاهرون في زاهدان الإيرانية يذكّروننا بالمتظاهرين في حمص قبل عشر سنوات، ومظاهرات أردبيل الخاطفة تذكّر بمظاهرات دوما المسائية، وهتافات الناس في عبادان جنوب غرب إيران، تعيد إلى الذاكرة هتافات أهل درعا البلد المفجوعين.

يَقلق النظام الإيراني من اعتناقٍ شعبي أوسع لحركة الاحتجاجات الحالية، مثل قلق النظام على نفسه من تنامي الاحتجاجات، وبلوغها مناطق الأقليات قبل عشر سنوات أيضاً، ثم يعين نظام الخميني نظام الأسد على قمع الناس، واليوم قد يتطلع بلهفة إلى من يعينه على قمع شعبه، وتلك أزمات وجودية تأتي بمثابة استحقاقاتٍ للأنظمة الشمولية، في طهران وفي دمشق وفي غيرهما من عواصمَ ممسوسة بطغاةٍ تافهين وسلطات بوليسية مرعبة.

في احتجاجات إيران الحالية تُزيل المتظاهرات أغطية رؤوسهنَّ، وتقتطع المتضامنات مع تلك الاحتجاجات من داخل إيران وخارجها خصلاً من شعرهنَّ، وفي ذلك استقطابٌ رمزّي مكثّف يسعى لتذكير الجميع بمصير مهسا أميني المفجع، وربما أن مثل هذه الدلالة الرمزيّة بإيحائها القوي والتي ترافق انتفاضة الإيرانيين الراهنة، لم يكن حاضراً ما يشابهها دلالياً داخل عقيدة احتجاجات السوريين الخائفة قبل أكثر من عشر سنوات، بل إن الدلالات الرمزية التي يحفظها السوريون هي أقرب أن تكون ذات صلة بأساليب القمع السلطوية التي تساقطت فوق رؤوسهم مراراً، كرمزيّة "البرميل" مثلاً، ودلالاته السخيّة بين من غفت عظامهم تحت حمولةِ برميل متفجر، أو الذين تنتظر عظامهم وصول ربع برميل مازوت لتتدفّأ به عبر رسالة "موبايل" غبية، فالبرميل لدى نظام الأسد هو وحدة قياس موضوعيّة لتجريد البشر من حياتهم، أو لإذلالهم، والأمر عنده سيان.

يقابل نظام إيران المحتجّين ببوليسٍ مدجّج بالحماقة والسلاح، وتقابل أسماء الأسد السوريين بإطلالة حديثة لها ثمنها أكثر من عشرين مليون ليرة هي كلفة فستانها من ماركة فالنتينو، لعلها لا تأبه بملايين السوريين الذين تشرّدوا أو تحولوا بفعل سياسة زوجها إلى مدمنين على الفقر في خط تصنيفه الأدنى، وكل ما استطاعت فعله حكومة النظام لشعبها هو الإبقاء على التوقيت الصيفي قائماً طيلة العام، وكأنها بذلك تعادي رمزياً فكرة الاعتدال أو الانقلاب، فنظام بشار لم يعترف بالاعتدال الخريفي إذاً، ولن يعترف بالانقلاب الشتوي القادم، فلا يريد فصولاً في سوريا إلا فصله المظلم.
        

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات