حل "على قدّ الحال".. والأكثر محال!!

حل "على قدّ الحال".. والأكثر محال!!

تركيا حسمت خياراتها في المسألة السورية، وهي ماضية في مسارها الجديد نحو التصالح مع نظام الأسد وعقد صفقة شاملة معه .. وهذا الاستنتاج المتواضع لا يمثّل بالتأكيد كشفاً خارقاً للقراءات والتوقعات، فكل التصريحات التركية المغلفة ببعض الدبلوماسية تقودنا إليه بيُسر وسهولة، وليست المشكلة الأكبر هنا باعتقادي بل بمترتبات تلك الصفقة الشاملة على مسار ومحتوى العملية السياسية المتعلقة بالملف السوري برُمّتها، ذلك أن تركيا لن تكتفي بمجرد رفع الغطاء عن المعارضة ووقف دعمها كما فعلت مع المعارضين المصريين لنظام السيسي، وإنما ستفرض رؤيتها التي توافقت أو قد تتوافق عليها مع النظام السوري وروسيا وإيران على تلك المعارضة وستحاول إجبارها على السير في هذا المسار بعد أن فعلت سابقاً ذلك مع المكوّنات العسكرية المعارضة عبر مسار (أستانا). 

الاستدارة بدأت قبل ذلك بسنوات

والحقيقة أن تركيا بدأت استدارتها وطريقة تعاطيها مع المسألة السورية قبل ذلك الغزل الساخن المستجدّ بينها وبين النظام بسنوات، وتحديداً منذ حادث إسقاط الطائرة الروسية عام 2015 ومسارعة حلف الناتو لسحب بطاريات ( باتريوت ) من تركيا والتنصل عن دعمها، حينها أدركت تركيا أن سياستها تجاه المسألة السورية لا تحظى بالدعم الأمريكي – الأوروبي حتى إلى الدرجة التي منعها فيها حلفاؤها من إقامة منطقة آمنة للسوريين في الشمال.. وما تبع ذلك مما تكشّف عن دعم أمريكي – غربي لمحاولة الانقلاب عام 2016 والتي كانت نقطة حاسمة في تبدل خيارات تركيا في الملف السوري والتوجّه نحو الحفاظ على الحد الأدنى الممكن من المكاسب؛ أقلّها فيما يتعلق بالأمن القومي التركي حصراً والعمل على إفشال نشوء كيان خاص بالكرد السوريين.

ولعل ما استتبع ذلك من تنازلات كبيرة ومؤلمة ماثل للعيان، سواء في مدينة حلب أو بعض مناطق الشمال ضمن نطاق مسار الطريق الدولية M5 وتحجيم دور ومناطق انتشار القوات العسكرية المعارضة التي سمّيت فيما بعد بالجيش الوطني، وذلك مقابل السماح لها بالسيطرة على مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام (!) . 

على المقلب الآخر لم يتمكن المسار التفاوضي وجلسات اللجنة الدستورية من إحداث أي اختراق، مهما كان صغيراً، وهو شيء متوقّع بالنظر لعدة عوامل:

أولها: عجز وتفكّك المعارضة السورية نفسها وفشلها في تصدير خطاب وطني ورؤية حقيقية لمستقبل سوريا، سوى بعضٍ من الكلام العائم الممجوج بالنظر إلى كونها أصلاً مرتهنة للقوى الدولية والإقليمية الداعمة لها.

وثانيها: تعاجز دول ما يسمّى أصدقاء الشعب السوري عن تقديم الدعم اللازم لإحداث التغيير المأمول، وقرارها بوضع سقف لطموحات السوريين لا يتجاوز حافة إصلاحات سياسية واقتصادية شكلية، لا تمس في جوهرها بنية السلطة وأدوات الحكم في سوريا.. فكان أن اختُزلت قضايا هيئة الحكم الانتقالي إلى حكومة وحدة وطنية وإصلاح دستوري يلحظ تلك الإصلاحات. 

هذا على مستوى المعارضة السياسية، أما على مستوى القوى والأدوات العسكرية فواقع الحال في مناطق سيطرتها يشي بحقيقة تكوينها وهدفها كأي عصابة تفرض سطوتها ونفوذها على المجتمع بقوة سلاحها وترتكب من الجرائم والانتهاكات ما يجعلها نسخة عن خصمها المفترض.

مشهدية وشكل عناصر الحل   

عادةً ما تعكس الحلول السياسية بين أطراف الصراع في مضامينها ونصوصها، موازين القوة ومساحات السيطرة والقدرة على الفعل المؤثّر عند الحاجة. وبالنظر إلى المشهد السوري في وجهيه السياسي والعسكري يمكننا استنتاج طبيعة ما يتم الاشتغال عليه من حلول للمسألة السورية، في ظل انشغال الغرب بالحرب الأوكرانية - الروسية وإفرازاتها ولم يعد يعنيها من سوريا – حتى الآن على الأقل – إلا ضمان دعم إنشاء كيان كردي في شرق سوريا، وانشغال الدول العربية الفاعلة بصُداعها الفارسي وفشل سياساتها تجاه الملف السوري وانكفائها عنه. 

يمكننا في ضوء ذلك تخيل مشهدية شكل وعناصر الحل الذي يشتغل عليه أطراف (أستانا) اليوم والذي يقوم بتقديري – والذي أتمنى ألّا يكون صائباً - على إعادة بسط النظام سيطرته على مناطق المعارضة المسلحة، وإدماج ميليشيات الجيش الوطني ضمن بنية الجيش السوري بعد إصدار عفو عام عمّن حمل السلاح وانخرط في اعمال عسكرية ضد ما يسمّى “ الدولة السورية “، أو قدّم دعماً سياسياً لهم، وتعديل اتفاقية أضنة لتُتيح مساحات أعمق للتدخل العسكري التركي عند الاقتضاء وتوفير مشاركة سياسية لبعض المعارضين في منظومة السلطة تحت مسمّى حكومة وحدة وطنية، وإعادة اللاجئين السوريين من دول الإقليم وبعض دول الاتحاد الأوروبي بعد إعلان ”سوريا الآمنة” التي ستبدأ بعدها بالانتقال من طور دعم برامج التعافي المبكر إلى مرحلة إطلاق برامج ومشاريع إعادة الإعمار.

هل يقبل الثوار ذلك؟   

من الطبيعي جداً أن يسأل القارئ وهو يقرأ هذه السطور السوداوية.. وهل يقبل الثوار ذلك؟ هل يقبل الجيش الوطني أو الائتلاف الوطني تلك الصفقة المفترضة؟ وجوابي عمن يُتبع اسمه صفة (الوطني) أي الائتلاف وجيشه ، فنعم سيقبلون بعد قليل من محاولات التمنع.. وسيرضخون ويمتثلون، وسيقولون لنا هو حل على قدّ الحال لأن الأكثر صار مُحالاً، وأما الثوار فهو وصف صار فضفاضاً جداً يتنطّع الكثيرون للتلطّي به، بينما قلة باقية على قيم الثورة وأهدافها ربما لم تعد قادرة على الفعل المرتجى في ظل المعطيات الحالية لكنها قادرة بالقطع على أن تبقي الصداع مستمراً في رأس سلطة العصابة .  

 

 

التعليقات (3)

    شيار عفريني

    ·منذ سنة 6 أشهر
    وأخيرا ياقناة أورينت عرفتم نوايا تركيا الخبيثة منذو البداية كانت ضد الثورة ومن إفشالها إستخدمنا كل الوسائل حيث أستخدمت سياسة فرق تسود وضرب الكل ببعضهم فقط لعدم إنشاء كيان سوري ديمقراطي يأخذ فيها الكل حقوقهم خاصة الكورد لكونها تكن العداء الكورد خوفها من كوردها وقامت بكل الوسائل من أجل ضربهم ببعضهم ومبروك على تركيها بنجاحها هذا لأنها عملت منذو البداية من أجل مصالحها

    مهيار

    ·منذ سنة 6 أشهر
    وهل يملك من ؤسمون أنفسهم معارضين ترف عدم الأنصياع للقرار التركي بل هؤلاء من اختلاف وغيره عباره عن قطط سمان انتفخت كروشها وشبعت ولم يعد يعنيها غير المحافظة على ما غنموه باسم الثورة من ثروات ومصالح

    محمد قرنفل

    ·منذ سنة 6 أشهر
    وماذا عن الحاضنة الشعبية السورية الثائرة التي لا ترضى بتلك القرارات ،ان لم تستطيع ان تبقي الصداع مستمراً ً، ما مصيرها وما القرارات التي ستتخذ تجاههم ؟
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات