قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، خطاباً عدائياً غير مسبوق، قرأه الكثير من المتابعين والصحافيين والمحللين بسوداوية تُنذر بما هو أسوأ في الأيام القليلة المقبلة، ليس على الصعيد الأوكراني فقط، بل العالمي أيضاً.
"لدى روسيا 25 مليون شخص للتعبئة العسكرية، حسناً، فرّ منهم 30 ألفاً 50 ألفاً؟ هل سيبقون شعبنا إن بقوا هنا؟ دعهم يغادرون.. لا أعلم وجهة نظرك حيال هذا الأمر، ولكن ذلك لم يقلقني عندما غادر بضعة آلاف من بيلاروس في 2020، لقد رغبوا بالعودة، معظمهم طلبوا العودة، وهؤلاء (الروس الفارّون) سيفعلون ذلك أيضاً، ولكن يجب أن يُتّخذ قرار حول ما الذي يتوجّب فعله معهم".
ما سبق كان جانباً من اللقاء الذي جمع الديكتاتور البيلاروسي، لوكاشينكو، أحد تلاميذ بوتين وحلفائه، الذي قال بصريح العبارة: "دع هؤلاء الخونة يفرّون من بلادهم، سيطلبون العودة يوماً، كما حدث هنا في بيلاروس".
وبالتزامن مع تعبئة الآلاف وفرار آخرين بطرق شتى، أعلن بوتين أمس ضم 4 مناطق أوكرانية لروسيا رسمياً، وأكد أنه سيدافع عن "الأراضي الجديدة" التي هي أراضٍ تاريخية روسية ومن حق روسيا ضمّها، وعن مواطنيها الذين أصبحوا مواطنين من روسيا للأبد.
وقد بدأ بوتين خطاب الضم بالحديث عن الاتحادي السوفيتي وكيف كان انهياره "كارثة"، مهاجماً القادة السوفيت حينذاك لأنهم "دمّروا بلدنا العظيم وتركوا الناس لتحمُّل العواقب".
وأضاف أيضاً أن الدول الغربية تريد تدمير روسيا لأنها لا تتحمل وجود دولة كبيرة وغنية، بل يريد أن يستعمر روسيا ويسرقها ويحوّل شعبها إلى عبيد لا صوت لهم.. قال أيضاً إن الغرب مستعمرون ينشرون الخوف من روسيا في أنحاء العالم.
وعلّق ماكس سيدون، مدير مكتب فاينينشال تايمز في موسكو على خطاب بوتين بالقول: "اشتمل على انتقاد عنيف للغرب، ورسم خطاً بين النخبة الغربية الاستعمارية (على حد تعبير بوتين بالطبع) وبين بقية العالم، ووجّه رسالة مفادها أن روسيا تريد أن تقود مقاومة عالمية ضد الغرب".
وأضاف بوتين أن الغرب يدّعي جلب الحرية والديمقراطية للعالم ولكنه يفعل عكس ذلك، تحدث أيضاً عن قصف أمريكا النووي لليابان وقصف الحلفاء للمدن الألمانية وحروب كوريا وفيتنام.. يعلّق سيدون: "15 دقيقة لم يتحدث بكلمة واحدة عن أوكرانيا، وهذا في الواقع إعلان نوايا عدوانية رسمي ضد الغرب".
وتعليقاً على ذلك أضاف سيدون: "على مدار 15 عاماً، تابعت الكثير من خطابات بوتين، وهذا هو الخطاب الأكثر عداء وعدائية بمراحل، إزاء الولايات المتحدة الأمريكية".
نهاية العالم
وفيما أعلن بوتين أن "روسيا ترغب بقيادة حركة مُناهِضة للاستعمار، حركة لتحرير العالم من الهيمنة الغربية وتحطيمها، علينا فعل ذلك من أجل روسيا العظيمة"، في إعلان يكاد يبدو أنه إعلان عن حلف "مقاومة وممانعة" عالمي يقوده هو، نقل سيدون عن ألكسندر دوغين، الفيلسوف اليميني الروسي المتطرف الذي يُطلق عليه وصف "راسبوتين الجديد" تعليقه على ما جاء في خطاب بوتين، حيث قال: "هذا إعلان أساسي للحرب ضد العالم الغربي الحديث، والعالم الحديث ككل، لا أستطيع تخيُّل العواقب الذي ستنتج عنه، لقد كان خطاباً دينياً إسخاتولوجياً".
والإسخاتولوجيا هي علم يهتم بالأحداث النهائية للتاريخ، أو المصير النهائي للبشرية، ويشار إلى هذا المفهوم عادة باسم "نهاية العالم" أو "نهاية الزمان"، وقد ظهر هذا الاسم للمرة الأولى في اللغة الإنكليزية عام 1844، ويعرّفه قاموس أوكسفورد بالقول: " هو جزء من اللاهوت معني بالموت والدينونة والمصير النهائي للنفس والجنس البشري".
واحتوى الخطاب كذلك على الكثير من الرسائل والانتقادات والتهديدات المباشرة والمبطنة، وبعد إنهاء إجراءات الضمّ رسمياً، اجتمع بوتين بزعماء الأراضي المحتلة التي ضمّها، ووضعوا أيديهم فوق بعضها، وهتفوا جميعاً: "روسيا .. روسيا!".
بروبغندا غربية وثمن باهظ
وبتعابير وقراءة تبعث هي الأخرى على القلق والتخوف من المستقبل، قال الكاتب واختصاصي العلوم السياسية، المصري شادي لويس بطرس، إنه "بعيداً عن البروبغندا الغربية، فإن إعلان بوتين المتوقع لضم المناطق الأوكرانية المحتلة، يعني أنه ضم خُمس مساحة أوكرانيا، وتلك المناطق تقدّم ما نسبته 25 بالمئة من الإنتاج الصناعي الأوكراني، وفيها نسبة كبيرة من الصناعات الثقيلة والطاقة، إلى جانب 9 ملايين مواطن يشكلون نحو 25 بالمئة من السكان أيضاً".
وأضاف بطرس أن الغرب لن يعترف بالضم، إلا أن ذلك سيكون تحصيل حاصل، فبوتين أثبت رغم التعثّر الكبير في العمليات أنه يعمل ما يحلو له ولا أحد وجد سبيلاً لإيقافه.
ولفت أيضاً إلى أن الاستطلاعات الغربية تُظهر تأييد الروس للحرب بنسبة تصل إلى 72 بالمئة، وهي نسبة مرتفعة تكشف حجم التأييد الروسي الكبير لبوتين والحرب.
أما بالنسبة للأوروبيين، فقال بطرس إنه ما عاد لديهم عقوبات إضافية لفرضها، وحتى لو وُجدت فإنها لن تُحدِث فرقاً على اعتبار أنهم استخدموا جميع أوراقهم، في الوقت الذي تتسبب فيه الحرب والعقوبات بتأثير كارثي على أوروبا.
ويكمل بطرس: "الاقتصاد البريطاني كان على وشك الانهيار خلال الأسابيع الماضية، في وضع يعود بذاكرتنا إلى ثمانينات القرن الماضي، الأمر الذي أرجعه الساسة البريطانيون إلى بوتين وحربه، رغم أن هناك أموراً أخرى هم تسبّبوا بها، إلا أن تصريحاتهم تحتوي على اعتراف ضمني أن بوتين الذي يشن حرباً على أوكرانيا، قادر على إصابة الاقتصاد البريطاني بضرر كبير لا تعافي قريباً منه".
واستطرد الكاتب بالقول إن ما سبق لا يعني أن روسيا تنتصر والغرب يُهزم، لكن البروبغندا الغربية الكاريكاتورية التي تقول إن "بوتين رجل مجنون خسر الحرب" ليست إلا "كلاماً مضللاً".
وختم: "لم يعد لدى بوتين أي شيء ليخسره حالياً، لدرجة أنه هدّد بالسلاح النووي، وبالتالي فهو ماضٍ في ما يصبو إليه، والشهور المقبلة من الشتاء سيكون ثمنها باهظاً على أوروبا، وستتسبب بتبعات اقتصادية واجتماعية مؤلمة جداً".
التعليقات (3)