سوريا الممزَّقة وشعارات البعث

طالب الشَّعب السُّوريُّ بالحرِّيَّة فنكَّل به البعثيُّون؛ ماذا لو طالبنا بالوحدة والاشتراكيَّة أيضًا؟

عرَّفَ منظِّرو البعث حزبَهم في منطلقاته النَّظريَّة بأنَّه حزب انقلابيٌّ ثوريٌّ يؤمن بأنَّ انتزاع السُّلطة أو الوصول إليها يكون بالانقلاب على السُّلطة، وانتقل البعثيُّون بعد الإعلان عن تأسيس حزبهم في سوريا يوم السَّابع من نيسان 1947.م من مرحلة التَّنظير إلى مرحلة التَّخطيط للانقلابات وإدارتها في كلٍّ من سوريا والعراق، ووصلوا إلى حكم سوريا في الثَّامن من آذار 1963.م، واستبدُّوا بالشَّعب بعد انقلاب حافظ أسد في السَّادس عشر من تشرين الثَّاني 1970.م، وبرغم تلطِّي البعثيِّين خلف شعارات رنَّانة رفعوها؛ كالوحدة والحريَّة والاشتراكيَّة لم تحرِّكهم هذه الشِّعارات يومًا بقدر ما حرَّكتهم شهوة السُّلطة، وليس أدلَّ على ذلك من تنكيلهم بالشَّعب السُّوريِّ، الَّذي طالب بالحرِّيَّة فقط في ثورة آذار 2011.م، فأمعن قادة الفرق والشُّعب والفروع الحزبيَّة في قمع الشَّعب السُّوريِّ إلى حدٍّ دفع المتابعين إلى التَّساؤل عن جرائم البعثيِّين المتوقَّعة إذا طالب الشَّعب بالوحدة والاشتراكيَّة بجانب مطالبهم العادلة بالحرِّيَّة؛ ليدلِّلوا بذلك على زيف شعارات هذا الحزب، ودجل قادته ووصوليِّتهم وانتهازيِّتهم واستغلالهم كلَّ منبر وموقع من أجل شهوة السُّلطة الدَّنيئة، الَّتي وجَّهتهم دومًا، ولم يحرِّكهم شيءٌ سواها في كلِّ زمان ومكان منذ نشأة هذا الحزب حتَّى وقتنا الرَّاهن.

منجزات البعث على صعيد التَّركيبة السُّكَّانيَّة السُّوريَّة:

في نتيجة مأساويَّة من نتائج ثورة الشَّعب السُّوريِّ ضدَّ حكم البعث اُستشهد عدد كبير من الشَّباب الثَّائر، وهاجر قسم آخر، وبرغم اشتداد موجة النُّزوح الثَّالثة سنة 2022.م بعد موجتي 2011.م و2015.م وتنوَّع أجناس النَّازحين وأعمارهم بين ذكور وإناث وشيوخ وأطفال أثَّرت خسارة الشَّباب في تركيبة سوريا الدِّيموغرافيَّة، وشكَّل انخفاض الذُّكور من الشَّباب خطرًا وجوديًّا على مستقبل سوريا؛ فزادت نسبة النِّساء الأرامل وغيرِ المتزوِّجات ممَّن تجاوزت أعمارهنُّ الثَّلاثين سنة، وواجه المجتمع السُّوريُّ مشكلات اجتماعيَّة مركَّبة؛ كالعنوسة واختلال التَّركيبة السُّكَّانيَّة وانخفاض نسبة الذُّكور في سنِّ الزَّواج مقارنة بنسبة الإناث في هذا العمر مع زيادة معدَّلات الفقر والجهل والأمِّيَّة والأمراض النَّفسيَّة، وكلُّ هذه المشكلات التَّي نتحدَّث عنها لا تشكِّل أيَّ هاجس لدى البعث والبعثيِّين الَّذين اجتمعوا في مكاتبهم مع انطلاقة الثَّورة السُّوريَّة، وتناقشوا حول مستقبلهم المتوقَّع في السُّجون والمحاكم وعلى أعواد المشانق، فرفضوا تسليم السُّلطة؛ لأنَّهم وصلوا إليها  بالانقلاب أساسًا؛ فلن يسلِّموها بالثَّورة، وهم يعرفون جيِّدًا ما اقترفته أيديهم من جرائم بحقِّ الشَّعب السُّوريِّ خلال خمسين سنة من السُّلوك الإجراميِّ المنظَّم، فوجد فكر البعث الإجراميُّ المنظَّم أنَّ تدمير سوريا أفضل من محاكمة مجرمي البعث وملاحقتهم، والبعثيُّون في أساس نشأتهم معتادون على السُّلوك الإجراميِّ والعبث بالبنية الدِّيموغرافيَّة السُّوريَّة في كلٍّ من حماة وحمص ودمشق والحسكة من ناحية تهجير السُّكَّان الأصليِّين وإحلال عناصر مذهبيَّة واستخباراتيَّة موالية لحزب البعث؛ لتخدم سلوكه الإجراميَّ. 

منجزات البعث على الخريطة السُّوريَّة:

اعتمد حزب البعث المجرم منذ وصوله إلى حكم سوريا على أيديولوجيا واضحة المعالم، جنَّد فيها مجموعة من الشُّعراء ورجال الدِّين والفنَّانين، وصارت المناهج الدِّراسيَّة تعدِّد منجزات البعث وانقلاب حافظ الأسد المعروف باسم الحركة التَّصحيحيَّة، فذكر أحد تلاميذ المدرسة الابتدائيَّة أنَّ بناء المساجد من منجزات الحركة التَّصحيحيَّة، وصار طلَّاب الصَّفِّ الأوَّل الابتدائيِّ يذكرون اسم سليمان العيسى بعد كلِّ أنشودة يقرؤونها، ومرَّة قرأ طالب صغير سورة الفاتحة، ثمَّ قال بعدها: سليمان العيسى في دليل واضح على دور التِّكرار في أدلجة التَّلاميذ الصِّغار، وصار أساتذة الجامعات من البعثيِّين يدسُّون سموم البعث في كتبهم ومؤلَّفاتهم الجامعيَّة ومنشوراتهم على مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ؛ فكتب أحدهم منذ أيَّام بأنَّ (بلاد الشَّام تهتزُّ لكنَّها لا تسقط) مع أنَّ أراضي فلسطين والجولان وشبعا اللُّبنانيَّة محتلَّة منذ أمد بعيد، وعلى خريطة سوريا البعث تتوزُّع جيوش ومرتزقة من روسيا وإيران وحشود طائفيَّة من هنا وهناك، وفي كلِّ بقعة من الجغرافية السُّوريَّة في وقتنا الرَّاهن يُدرَّس منهج تعليميٌّ مختلف عن المنهج التَّعليميِّ في البقعة الأخرى كما في إدلب وشرق الفرات وغربه والشِّمال والجنوب، وهكذا تفكَّكت سوريا جغرافيًّا وفكريًّا بعدما تفكَّكت ديموغرافيًّا، وانتشر فيها الفنُّ التِّجاريُّ الهابط، وصارت هذه الجغرافية سوقًا مفتوحة لكلِّ من هبَّ ودهبَّ، وصار أهلها حقل تجارب لتجَّار البشر والحروب والأزمات والمخدِّرات بقيادة عائلة الأسد المجرمة وجنودها في فرق البعث وشُعبِه وفروعه المنتشرة على الجغرافيَّة السُّوريَّة الخاضعة لحكم هذه العائلة وجنودها المجرمين.

منجزات البعث في الرِّياضة:

شاءت الصُّدفة أن يصل منتخب سوريا لكرة القدم إلى المراحل النِّهائيَّة من تصفيات كأس العالم لكرة القدم في روسيا 2018.م بسبب وجود عناصر كرويَّة كانت تلعب في كلٍّ من الدَّوري السُّعوديِّ والدَّوريِّ الكويتيِّ وغيرهما، وبرغم جغرافية سورية المستباحة من قبل الإيرانيِّين من قبل تلك التَّصفيات الكرويَّة شعر الفرس بعزَّة النَّفس، ولم يسمحوا لمنتخب البراميل بالتَّأهُّل إلى مونديال روسيا الَّذي تأهَّل له الفرس الإيرانيُّون بغضِّ النَّظر عن مباراتهم مع منتخب سوريا، وصادروا من المجرم بشَّار الأسد وشبِّيحته البعثيِّين فرصة سانحة كانوا سينسبون فيها منجزات وهميَّة لراعي الرِّياضة والرِّياضيِّين وصاحب مسيرة (التَّطوير والتَّحديث) مثلما نسبوا لحركة أبيه التَّصحيحيَّة بناء المساجد وغيرها؛ وحين فشل شبِّيحة البعث عن تحقيق أيِّ منجز حقيقيٍّ لم يكن أمامهم إلَّا أن يستنجدوا بشام ماهر الأسد لتتنافس مع نفسها على بطولة سوريا للفروسيَّة، وتسير على نهج عمِّها المهندس المظليِّ الرَّائد الرُّكن باسل الأسد؛ فكانت على قدر المسؤوليَّة حين حقَّقت المراكز الثَّلاثة الأولى في بطولة سوريا للفروسيَّة، وصعدت إلى منصَّة التَّتويج، وراح كومبارس البعثيِّين يصفِّقون لها، وعدنا نسمع عن الخيل والفروسيَّة الَّتي انقطعت أخبارهما منذ موت باسل الأسد؛ لتثبت الأحداث الواقعيَّة يومًا بعد آخر أنَّ سوريا اهتزَّت، ومالت، وسقطت تحت حكم عصابة البعث المجرمة منذ زمن بعيد، ولم يصمد فيها منذ منتصف القرن العشرين غير مرتزقة البعث، وبرغم هذا ظلَّ إيمان الثَّائرين بمستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة من أبنائهم يحدوهم بكلِّ أمل على طريق الحرِّيَّة، وما زال الأمل يعيدنا إلى شعار الحرِّيَّة الَّذي رفعناه قولًا وفعلًا، وسنصل إليه في وقت قريب بعدما أشعلت دماء الشُّهداء قناديل الحرِّيَّة على هذا الدَّرب الطَّويل، أمَّا شعارا الوحدة والاشتراكيَّة فسنترك حقَّ الاحتفاظ بهما لفلول البعث، وهم أدرى النَّاس بترديد الشِّعارات والاحتفاظ بحقِّ الرَّدِّ إلى ما بعد قيام السَّاعة.