مجموعة (وليمة للنار) القصصية لوليد شعيب: شتاتٌ قصصيّ يتجاهل الخراب السوري!

مجموعة (وليمة للنار) القصصية لوليد شعيب: شتاتٌ قصصيّ يتجاهل الخراب السوري!

لا تستردُّ المجموعة القصصيّة "وليمة للنار" الواقعَ السوري بفضائه المتخيّل فائضِ الاتساع، وإنما تتوعّكُ متثاقلةً في أزمة تجميعها من تواريخَ كتابةٍ متباعدة يشير إليها القاص وليد شعيب في نهاية كلّ قصة من قصصه، وكلّها تقع بين عامي 2005 و2016، متنافرةَ التناغم في النسيج العام الذي شكّلته، وهو غالباً ما يكون الهيئة التي يكتسي بها جسد المجموعة القصصيّة الواحد، بالرغم من أن هذا الإصدار هو الكتابُ الخامس للمؤلف، وهو إصدار حديث من إصدارات العام 2022 عن دار الحوار للنشر والتوزيع.

حبكات مستعجلة تتجاهل مرارة الواقع

تؤلف المجموعةَ خمسٌ وعشرون قصة قصيرة، والقصص التي حملت تاريخ 2016 يمكن تصنيفها على أنها قصصٌ قصيرة جداً، فلاشاتٌ عاجلة تكثّف السرد إلى نقطة ثقيلة، يحتلُّ فيها الرمز مدلولاً متقدّم المكانة، أما القصص التي كتبت قبل هذا التاريخ فكانت قصصاً تدرّجت بين الحبكات الشغوفة بالإنشائية الوصفية، مثل قصة "بوشحاذة" و قصة "بوعلي"، وتلك التي تستأنس أكثر بأفعال القصّ وتكثر من بذارها في تربة السرد والحبكة، مثل قصة "الطائرة الورقية" وقصة "من فضائل المعلم".

كما إن الحرب في سوريا لم تعبرْ قصص مجموعة "وليمة للنار"، فبدا الكاتب غير معنيّ بها، أو إنها لم تلهمه كفايةً ليختار بناء سردياته القصيرة عليها، فقليلةٌ هي القصص التي استعارت من طبائع الواقع المتردّي أهونها وأقلّها استفزازاً لسلطة نظام بشار القائمة، مثل قصة "وليمة للنار" التي حملت المجموعة اسمها، وفيها يضطر ربّ أسرةٍ إلى التفريط بكتبه بإحراقها ليتدفأ عليها أبناؤه الصغار، وقصة "دجاجة منيرة" حيث يتلمّس القاص وليد شعيب درباً ضيقاً من السخرية لا يظهر سوى في جملة أو جملتين، نقرأ في الصفحة 38: "...الله وكيلك دجاج مثل الليرة، فقالت ممازحةً: إذاً مريض، فضحك وقال: طيب مثل الدولار….هذا الدجاج من مدجنة الدولة، سعره رخيص لأنه لم يعدْ بيّاضاً! الدولة يا أختي لا تقتني إلا البيّاض! فمن لا يبيض مصيره الذبح!"

وبالرغم من أن القاص وليد شعيب كان قد فاز بجوائز محلية مثل جائزة مهرجان المزرعة عام 2001، وجائزة مهرجان لقاء الأجيال حلب عام 2010، وأخرى عربية مثل جائزة الرابطة الدولية للإبداع الفكري والفني والثقافي بالإمارات عام 2015، إلا أنه أدار ظهره في مجموعته القصصية هذه لكل الخراب الذي أنتجه النظام السوري وسوّقه بإتقان، فنجد شعيب وقد استنجد كثيراً بالحبكات الواعظة التي لا تريح السرد في ذروة مشعّة، وإنما تستعجل تكهننا بوصفة النهاية وصورة الإفصاح عنها، كما الحالُ في حبكات ما قبل الحداثة، نجده يعظُ في قصص مثل "القرار الصعب" و"الطائرة الورقية" و"كذبة نيسان" و"معاهدة صداقة" و"من فضائل المعلم"، لكنه وبالمقابل يذهب إلى حبكات فيها قسط من الابتكار وتكثيف السرد وجعله يختار ذروته القصوى بنفسه دونما تدخل من القاص، كما في قصص مثل " من ذكريات برميل صدئ"  و"نضال المنصف" و"الكرسي والجرة" وقصة "رصاصة" التي تقع في سطرين، الصفحة 89: "كدتُ أنفجرُ في وجهه وهو يعذّب شاباً مرفوع الرأس، لكن أختي انفجرتْ في رأس الشاب، وسقطتُ أنا مغمًى عليَّ!.

تجميعٌ غير متجانس النكهة!

لم يكن تجميع شتات مجموعة وليد شعيب أمراً صائباً، فدمج قصص كُتبت في فترات زمنية متباعدة صادَرَ من المجموعة القصصية روحها العامة، واتساقها في تشكيل خط قصصي يعبرها جميعها بخفة وحرفيّة مفترضة. لقد ظهرت أحمالٌ ثقيلة من تقنيات السرد القصصي التقليدية كالاحتفاء بالوصف لتمكين الحبكة الضعيفة من الوقوف على قدميها، وهذا نجده بكثرة في القصص المكتوبة قبل العام 2016، مثل: رغم كل ما حصل، لن أنسى سعادتي في ذلك اليوم، فقد كاد قلبي يطير من الفرح حين سمح لي ابن الجيران بقيادتها لبعض الوقت، يومئذ لم أكن قد تجاوزت الثالثة عشرة (ص17)، وعلى الحيطان أُلصقتْ صور بوشحاذه بالكوفية البيضاء والعقال، والجاكيت البنيّ فوق القميص المزركش بدوائر زرق ومثلثات حمر تتخلّلها خطوط بنيّة تتقاطع مع أقلام صفر (ص23) ورأسه أسطوانة غاز تهتز مقلوبةً على كتفيه، أزرار قميصه طليقةٌ على الدوام إلى أعلى الصرّة بقليل، فلا تقوى على حبس صدره الفسيح المكسوّ بشعر كثيف كريش قنفذ، أما كرشه فكأنه يبتلع برميلاً، ذراعاه فخذا لاعب كرة قدم، وساعداه خرطوما فيل ينتهيان بكفّين كخفيّ جمل (ص29) وشاهدتْ بسطةً يقف أمامها رجل يبدو خفيف الدم، شعره منبوش، أنفه معقوف مضحك، يرتدي قميصاً ملوناً مزركشاً، يطلُّ من بين أزراره المفتوحة شعر صدره المنفوخ (ص37).

كما تجد السخرية الخفيفة درباً إلى بعض قصص المجموعة من دون أن تكون أسلوباً عاماً يخالط بناء حبكات تلك القصص وتقنية السرد فيها، مثل "فقال أريدُ أن أتوظف عندك، ابتسمتُ وقلت له شو مفكرني رفيق الحريري..." من قصة "شريكي" و: "دوماً معاً في الصف، في الملعب، في الحارة، في الحديقة، في الأفراح والأتراح، في المناسبات الوطنية والقومية، ومعظم الأحيان يُسمع صراخهما في باحة دارنا، وفي آذننا الوسطى والداخلية...من قصة "معاهدة الصداقة" و: "حدّق به العجوز لثوانٍ، فرأى طسةَ المازوت الفارغة بين كتفيه، ثم نظر إلى يده فرأى رأس المحافظ!… من قصة "المحافظ".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات