مؤامرة أم طيور تقع على أشكالها؟!

مؤامرة أم طيور تقع على أشكالها؟!

هل نحن أمة عاقر؟! هذا السؤال لطالما أرّق شريحة واسعة من السوريين، ومع شبه إجماع على النفي؛ تبقى معظم الإجابات مرتبكة تميل نحو نظرية المؤامرة عند تفسير الغياب شبه التام للشخصيات القيادية القادرة على الملاحة بسفينة الثورة نحو الفضاء الذي حلمت به حناجر المتظاهرين الأوائل.

القحط النخبوي

من خلال كتابه "نظام التفاهة" يقدّم الكاتب الكندي "آلان دونو" خدمة جليلة للسوريين الذين أعجزتهم الإجابة عن سؤال "الجدب النخبوي"، أو "القحط النخبوي" وتبدو الخدمة التي قدمها هذا الكاتب للسوريين ذات بعدين؛ ينحصر البعد الأول بالإجابة عن تساؤلات السوريين حول غياب الشخصيات التي تتصف بالألمعية عن مساحة الفعل السياسي والفكري والاجتماعي، أما الثاني فله علاقة بالتخفيف من هول الصدمة، فالكاتب كان يتحدث عن المجتمعات الغربية بالعموم. بمعنى أن هذا الداء العضال مستشر في أغلب المجتمعات، فلا داعٍ لمزيد من الحرج.

يدور موضوع الكتاب حول فكرة محورية: نحن نعيش في مرحلة تاريخية غير مسبوقة، تتعلق بسيادة نظام أدى –تدريجياً- إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل نموذج الدولة الحديثة. بذلك، وعبر العالم، يلحظ المرء صعوداً غريباً لقواعد تتسم بالرداءة والانحطاط المعياريين، فتدهورت متطلبات الجودة العالية، وغيب الأداء الرفيع، وهمشت منظومات القيم، وبرزت الأذواق المنحطة، وأبعد الأكفاء، وخلت الساحة من التحديات، فتسيّدت إثر ذلك شريحة كاملة من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية، وكل ذلك لخدمة أغراض السوق في النهاية، ودائماً تحت شعارات الديمقراطية والشعبوية والحرية الفردية والخيار الشخصي.

لعبة يلعبها الأطراف 

إن كل نشاط في الفضاء العام (سياسياً أو إعلامياً أو أكاديمياً أو تجارياً أو نقابياً أو غير ذلك) صار أقرب لـ "لعبة" يلعبها الأطراف فيه، يعرفها الجميع رغم أن أحداً لا يتكلم عنها، ولا قواعد مكتوبة لهذه اللعبة (قد تذكر عبارة "دافنينوا سوا" باللغة العامية بشيء من هذا القبيل)، لكنها تتمثل أو تستشعر في انتماء إلى كيان كبير ما، تستبعد القيم فيه من الاعتبار، فيختزل النشاط المتعلق به إلى مجرد حسابات مصالح متعلقة بالربح والخسارة على المستويين المادي والمعنوي. 

ويربط الكاتب بين بروز "نظام التفاهة" و"الرأسمالية المتوحشة" التي كان من أعراضها تسليع الحياة العامة، وعرض لتجليات هذا النظام من خلال السياسة والتجارة والأكاديميا والثقافة، فنظام التفاهة يسبغ التفاهة على كل شيء. إلا أن الكاتب لم يفسر لنا الكيفية التي استحكم فيها "نظام التفاهة" في الدول المتخلّفة التي تحكمها الدكتاتوريات، إذ تبدو الأعراض أشد وضوحاً وأكثر تجذراً؛ أهي من نتاج "الرأسمالية المتوحشة" أيضاً وجاءت من خلال تأثير المركز على الأطراف؟ أم إن التفاهة نتاج طبيعي يلازم بالضرورة كل الحكومات الدكتاتورية والاستبدادية؟

التافه هو من ينجو!

عندما نتذكر عالم المنطق الروسي "ألكسندر زينوفييف" في تقديمه للسمات العامة للنظام السوفييتي السابق بعبارات مثل: "إن التافه هو من ينجو" و"للتفاهة فرصة أفضل في النجاح"، وبنظرة سريعة من حولنا نحن كأفراد في شعوب عايشت الأنظمة الدكتاتورية وتربّت في كنفها سنكتشف أن الصعوبة تكمن في البحث عما هو غير تافه، وأن التفاهة لم تأت في مرحلة متأخرة من عمر النظام الدكتاتوري، وإنما كانت بمثابة المرافق الشخصي للديكتاتور. لذلك، يبدو الافتراض الثاني أكثر واقعية (أن التفاهة نتاج طبيعي يلازم بالضرورة كل الحكومات الدكتاتورية والاستبدادية)، وعليه أصبح بإمكاننا القول: نحن نعيش في مرحلة تاريخية غير مسبوقة، تتعلق بسيادة نظام أدى –تدريجياً- إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل نموذج الدولة، سواء في ظل الأنظمة الدكتاتورية أم في ظل الأنظمة الديمقراطية، تعددت الأسباب والنتيجة واحدة.

تفسر تلك النتيجة هيمنة الشخصيات التي لا تمتلك الكفاءة حتى في صفوف الجماعات المعارضة للأنظمة الدكتاتورية، فأنت حيث يممت وجهك تجد التفاهة، والتافهون يبحثون عن شركائهم في اللعبة، فجوهر الكفاءة لدى الشخص التافه –كما يقول آلان دونو– هو المقدرة على التعرف على شخص تافه آخر. معاً، يدعم التافهون بعضهم بعضاً، فيرفع كل منهم الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار، لأن الطيور على أشكالها تقع.

وهكذا، فالقضية –على ما يبدو– ترتبط بالتنميط والنمذجة وطيور تقع على أشكالها أكثر مما ترتبط بالمؤامرة، فالنظام المسيطر اليوم هو "نظام التفاهة"، وعلى المختلفين الانحدار لهذه المنزلة أو انتظار التهميش والإقصاء واللجوء إلى ما تبقى من مساحات ضيقة يبثون من خلالها همومهم، أو يجاهدون من أجل توسعتها على أمل أن تكون الغلبة لهم في يوم ما، فالدنيا دول كما يقال.

________________________________

* ملاحظة: المقال في غالبيته عبارة عن مقتطفات من كتاب "نظام التفاهة".

التعليقات (4)

    Ayman Jarida

    ·منذ سنة 6 أشهر
    القصة ليست قصة تافهين يحكمون البلاد بل قصة مغفلين يحكمون من تافهين عندما كنا في سوريا كان كثير من المغفلين صامتون عن التافهين مشان لقمة العيش وكان المغفلين ينقلون كلام التافهين مثل الببغاوات يعني بدون تفكير وعندما بدأت الثورات قام المغفلين في سوريا بالثورة ضدد التافهين حصلت الكارثه لأن المغفلين لم يجدوا قائد قوي يضاهي رئيس التافهين لذلك فشلت الثورة مثال عندما بطش جد التافهين في حماه سكت عنه المغفلين لأنهم كانوا متشرذمين وخائفين حتى المغفلين اللذين يعملون مع التافهين ظلوا صامتين بسبب الخوف وقلة الخبرة وكان المغفلين اقوياء على بعضهم في ظل حكم التافهين لذلك فشلت الثورة

    محمود

    ·منذ سنة 6 أشهر
    الحكومة السورية فيها ارقى الشخصيات . السدود و المطارات و الصوامع تشهد ولكن المعارضة تابعة لدول الخليجية وهي معارضة هابطة فمن يبني مطار يختلف عن من يعيش على العمالة للخليج

    Ismail

    ·منذ سنة 6 أشهر
    منذ البداية كانت مؤامرة مدروسة عبر الفيس بوك والتلفزيونات السعودية و السفير روبرت فورد والنتائج الكارثية توضح . أن المعارضة كانت حجر شطرنج للسفارة

    Ayman Jarida

    ·منذ سنة 6 أشهر
    ليسث مؤامرة بل كانت مقامرة المتأمرين لديهم فلوس والمقامرين لا يملكون ثمن أكلة مكدوس طلبوا فلوس من ناس نفسيتهم مثل الفرس المجوس ويقولون لهم انتظروا الأوامر من رئيس ألبيت الأبيض المحبوس يفكر ولا يريد أن يغضب الإسرائيلين والروس لأن وضعه السياسي منه ميؤوس
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات