رغم خطر قصف ميليشيات أسد.. عودة أهالي جبل الزاوية تضعهم أمام خيارين أحلاهما مرّ (صور)

رغم خطر قصف ميليشيات أسد.. عودة أهالي جبل الزاوية تضعهم أمام خيارين أحلاهما مرّ (صور)

لم تكن بعيدةً عن نيران الحقد الطائفي، بل نالها منه ما نال غالبية المناطق السورية التي خرجت على الظلم والاستبداد، وهتفت حناجر أهلها مطالبة ببعض من حقوقها المسلوبة، منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي من أوائل المناطق الثائرة في وجه الأسد، سطّر أبناؤها أروع الأمثلة في التضحية والنضال حتى خلّدت الثورة العديد من أسمائهم. ويشهد جبل الزاوية اليوم عودة لا بأس بها للعديد من العائلات إلى مناطقهم القريبة من خطوط تماسّ سيطرة مليشيات أسد الطائفية، على الرغم من صعوبة الحياة وخطورتها هناك، بعد أن عانوا أوضاعاً معيشية صعبة في مخيمات النزوح، أورينت نت زارت عينة من العائلات العائدة حديثاً للمنطقة للوقوف على أسباب عودتها وكيفية سعيهم للتأقلم مع الوضع الحالي، وكان التحقيق التالي..

مِن قدَر الله إلى قدَر الله

تضمّ منطقة جبل الزاوية نحو 33 بلدة وقرية بعضها غير مأهولة بالسكان مثل بلدتي (الفطيرة) و(سفوهن) ولا يوجد أي منطقة منه تحت سيطرة قوات أسد والميليشيات الداعمة له، ويعتبر خط (البارة - الفطيرة - كنصفرة) خط التماسّ الأخطر كونه مُحاذياً بشكل مباشر لأماكن سيطرة نظام أسد، الذي يقوم بقصفها تكراراً، ومع خطورة ذلك الخط إلا أن بلدتي البارة وكنصفرة شهدت عودة لبعض الأهالي إليها.

وبسؤالنا للحاج (أبو محمد) عن سبب عودته لبلدة البارة على الرغم من خطورة وضعها أجاب “نَفِرّ من قدر الله إلى قدر الله، الموت بالبلد غير يا ابني، أنا نزحت مع كل الضيعة أثناء الحملة الأخيرة لقوات النظام على المنطقة، وسكنت بمخيمات كفرتخاريم شمالاً، ولكني لم أرتح ابداً، لم أشعر للأسف بانسجام اجتماعي هناك، ناهيك عن وضع متردٍّ ومعيشة صعبة، ولا زالت تراودني فكرة العودة خاصةً مع الهدوء النسبي وعدم احتلال الضيعة من النظام، والآن أنا وزوجتي وأولادي الثلاثة مع أبنائهم هنا في ضيعتنا، وأموري تمام الحمد لله، وطالما الموت قادم فهو أفضل بكثير على الأرض وليس بغير طعم بين قذيفة أو قهر”، ثم أطلق الحاج (أبو محمد) تنهيدة عميقة اختصرت كلاماً كثيراً وتابع شرب الشاي مع تدخين التبغ العربي.

من جهته تحدّث غسان نصوح رئيس المجلس المحلي لبلدة البارة قائلاً: "تبعد بلدة البارة عن مناطق سيطرة قوات النظام نحو ١.٥ كم، وتعتبر خط جبهة مباشرة، وهي أول بلدة في وجه الجيش وبوابة جبل الزاوية من جهة الجنوب، عاد للبلدة مؤخراً نحو 800 عائلة مع أطفالهم، يعيشون بحذر ويتقصَّون أخبار القصف عبر مجموعات الواتس، ينقص البلدة العديد من الخدمات الأساسية ولكن بالعموم الوضع الأمني والخدمي لا زال قيد التحمّل، ونحاول التعايش معه بشكل طبيعي، وغالبية العائدين مجبرين بسبب الوضع المادي السيّئ، يعني خياران أحلاهما مرّ". 

خياران أحلاهما مرّ! 

على الرغم من تحدي العائدين للوضع العسكري الخطر في جبل الزاوية، إلا أن انعدام الخدمات أو ضعفها في أحسن الأحوال شكّل تحدّياً آخر يحاول المدنيون التغلب عليه، فهم أمام خيارين أحلاهما مر: إما تحمُّل معاناة مخيم النزوح أو تحمُّل تبعات العودة غير الآمنة. 

وعن تلك المحاولات تحدث فواز أبو عادل أحد العائدين للبلدة: "الوضع مأساوي وصعب للغاية على صعيد الخدمات العامة كالمستشفيات أو آبار المياه أو غيرها، وهو غير موجود أصلاً، ولكن موضوع تأمين متطلّبات الاستهلاك البشري اليومي، فهناك في كل قرية عدد من الدكاكين تبيع المواد التموينية الرئيسية، وتقوم سيارات خاصة بجلب استهلاك كل تجمع سكاني من مادة الخبز من مدينتي إدلب وأريحا على سبيل المثال، وأيضاً يقوم الباعة المتجولون بدور رديف لتأمين احتياجات السكان عبر زيارتهم المتكررة لهم، وأيضاً يقوم المدنيون بتجميع مياه الأمطار أو الصهاريج بعد شرائها في "جب" بجانب كل منزل تقريباً لترشيد عملية الاستهلاك".

المجلس المحلي: تأمين متطلبات الاستهلاك اليومي

ولا يختلف الوضع العام في بلدة البارة عنه في بلدة كنصفرة، والذي تحدث عنه محمد هفو رئيس المجلس المحلي فيها بقوله: “تبعد بلدة كنصفرة عن مواقع قوات النظام نحو 3 كم، وتضم ما يقارب 265 عائلة بعدد أفراد يقدر بـ 1275 فرداً، فيها مدرسة ابتدائية واحدة قيد العمل لغاية الصف السادس بشكل تطوعي، ويتم تأمين متطلبات البلدة من خلال ثمانية محلات سِمانة، يتم استجرار المياه عن طريق الصهاريج مرتفعة الثمن كون جميع الآبار الجوفية في البلدة مدمّرة وخارجة عن نطاق الخدمة”.

يوجد في البلدة مركز طبي متواضع، حدثنا عن وضعه محمد حاج إبراهيم والذي يعمل ممرضاً فيه قائلاً: "نحن كادر طبي من عشرة أشخاص من نفس البلدة، قمنا بافتتاح مركز صحي خدمة للأهالي بشكل تطوعي ومجاني، يخدّم المركز خمس قرى محيطة بكنصفرة، يقدم مركزنا خدمة الإسعافات الأولية وبعض الأدوية ومعالجة حالات الحوادث وتثبيت الكسور وتضميدها لنقلها للمراكز الطبية التي يبعد أقربها نحو 12 كم، ونمتلك في البلدة اختصاصات طبية مختلفة ولكن قلة الدعم والكلفة التشغيلية غير مؤمّنة، وهذا أمر يُعيق إتمام عملنا على النحو الأفضل" .

بالرغم من عودة بعض الأهالي لمعظم مناطق جبل الزاوية ومحاولتهم التعايش مع واقعها، تبقى ضرورة وجود دعم المنظمات والجهات المعنية بتقديم الخدمات الكبيرة والضرورية التي لا يستطيع الأهالي القيام بها بمفردهم كتفعيل المدارس والمركز الصحية وسوى ذلك.

فريق منسّقو الاستجابة الطارئة: دعم صمود المدنيين 

تعتبر مناطق جبل الزاوية فقيرة جداً بنشاط تلك المنظمات، وبحسب فراس منصور مسؤول بفريق الاستجابة الطارئة، فإن الخطر الأمني هو المانع الأبرز لعدم نشاط المنظمات في الجبل، وأضاف منصور: "قد لا يوجد أحياناً مشاريع مخصّصة من جهات مانحة لمنطقة جبل الزاوية الجغرافية، وعليه فيمكن أن تكون الخطط متمثلة بتقديم مبالغ مالية (كاش) كونها أسرع وأخفّ حركة في التوزيع، نعم نحن قدّمنا بعض المساعدات كالسلل والأضاحي، ولكن يبقى احتياج الناس العائدة للمنطقة أكثر بكثير، ونحن مستمرون دائماً بتسليط الضوء على مناطق التماس المأهولة دعماً لصمد المدنيين وتمكينهم وتشجيعهم للعودة لمناطقهم".

الدفاع المدني السوري: إزالة ركام القصف وفتح الطرقات

من جهته تحدث لأورينت نت المتطوع في الدفاع المدني السوري محمد الرجب عن الخدمات المقدّمة لمناطق جبل الزاوية من قبلهم قائلاً: "بشكل عام تقدم فرق الدفاع المدني السوري أعمالها الخدمية في إطار عمليات التعافي المبكر التي تشغل الجزء الأكبر من أنشطة الدفاع المدني السوري في شمال غرب سوريا بعد الهجمات العسكرية وحملات القصف التي شنّتها قوات النظام وروسيا على شمال غرب سوريا ودمّرت المشافي والمدارس والمنشآت الخدمية التي تشكّل الجزء الأهم في البنية التحتية التي تساعد على عودة شريان الحياة إلى تلك المدن والبلدات، أما في المناطق التي تقع على خط تماسّ مع قوات النظام وروسيا فإن عمليات فرقنا تقوم على تعويض الفجوة في نقص الخدمات الناتجة عن الهجمات المستمرة خلال السنوات العشر الأخيرة، وتتركز بشكل أكبر على إزالة ركام القصف وفتح الطرقات المغلقة بسبب القصف وإزالة الجدران الآيلة للسقوط وتدعيم الأبنية المتضررة بشكل جزئي لحماية المدنيين من خطر سقوطها عليهم، كما تعمل على تسليك وترميم بعض الطرقات داخل المدن والبلدات التي تتضرر بسبب القصف المتواصل عليها بهدف تسهيل تنقلات المدنيين، إضافةً للخدمات الصحية والإسعاف ونقل المرضى لبُعد المراكز الصحية والمشافي عن المنطقة بسبب الهجمات الممنهجة التي استهدفتها من قبل النظام وروسيا وأدت إلى تدميرها وخروجها عن الخدمة". 

وأضاف (الرجب): "تعمل فرقنا على الدوام لتلبية أي نداء من أهلنا المدنيين يساعد على الاستقرار والعودة الآمنة لهم لكن خطورة استهداف المناطق السكنية باستمرار سواء التي تقع على خطوط التماسّ مع قوات النظام أو حتى البعيدة عنها تشكل هاجساً كبيراً أمام عودة المدنيين إلى منازلهم وتحرمهم من جني محاصيلهم الزراعية، كما إن قوات النظام وروسيا تتعمّد استهداف فرق الدفاع المدني والمستجيبين الأوائل للقصف لتوقِع أكبر عدد ممكن من الضحايا، وشهدت الأشهر القليلة الماضية حالات استهداف المحاصيل الزراعية في مناطق تقع تحت الرصد الناري لقوات النظام وروسيا في ريف إدلب الغربي ومنها السرمانية، ومواصلة الاستهداف المدفعي والصاروخي منع فرقنا من الدخول إلى تلك الأماكن وحالها كحال أي مناطق يتم استهدافها بقصف متتابع أو مزدوج أثناء استجابة فرق الإنقاذ والإسعاف، وفي الآونة الأخيرة بدأت فرقنا تواجه صعوبة كبيرة في الوصول إلى عدة قرى في ريف إدلب الجنوبي مثل(بينين والفطيرة وسفوهن) وفي ريف حلب الغربي مثل كفرتعال وكفرعمة، بحكم أن قوات النظام وروسيا تكشف هذه المناطق بشكل كبير جداً وترصدها نارياً ما يعرقل أي عمل أو مهمة يقوم بها المتطوعون ويحرم المدنيين من العودة إلى منازلهم".

الجدير بالذكر أن مناطق جبل الزاوية تشهد نوعين من عودة الأهالي الأولى: موسمية مرتبطة بزمان جني محصول معين مثل التين والزيتون وتكون العودة من دون أطفال حتى يتم جني المحصول بشكل أسرع ثم العودة إلى مناطق النزوح بالشمال السوري، والثانية: هي العودة الدائمة التي تحدثنا عنها في تقريرنا، ويبقى السوريون متشبّثين بأرضهم ويأملون بالغد الأفضل بعيداً عن حكم آل الأسد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات