التراث الغنائي في إدلب: أبو إلياس وتلميذه أبو الريم وحكايات معرة مصرين

التراث الغنائي في إدلب: أبو إلياس وتلميذه أبو الريم وحكايات معرة مصرين

معرة مصرين هذه المدينة الوادعة في الريف الإدلبي ليست بلداً للتين والزيتون فحسب، بل هي بلد التراث الغنائي الجميل والموسيقا، وهذا ما تجلّى في عطاء اثنين من أبنائها، ورحلتهما في إحياء هذا التراث، ونقله إلى الأجيال القادمة.

سليم الصايغ "أبو إلياس" وعدنان حج عيسى "أبو الريم" رحمهما الله، فنانان من مدينة معرة مصرين أحبّا الموسيقا، وأخلصا لها، وقاما بنقل التراث الغنائي وتوثيقه، لكيلا يندثر.

سليم الصايغ "أبو إلياس"

كثيراً ما كان يتردد اسم "أبو إلياس" سليم الصايغ الفنان الراحل في المجالس، ويحكى عن إسهامه، ودوره الكبير في إحياء حفلات معرة مصرين وإدلب، فكل الحفلات لا يمكن أن تتم دون وجود الفنان المحبوب "أبو إلياس" فهو مَن سيُضفي على الحفلة بهجتها ورونقها، من غنائه وعزفه الجميل. كل المناسبات يقوم بما يلزم فيها، وحتى المناسبات الدينية حرص على المشاركة فيها، دائم التردد على الجامع الكبير الذي يُعرف أيضاً بالجامع الأموي، في المدينة، ينشد بعض الأناشيد الدينية، في المولد النبوي.

ولد أبو إلياس سليم الصايغ في مدينة معرة مصرين عام 1881 لأسرة مسيحية، وقيل إنه كان يتواجد في المدينة نحو مئة وخمسين عائلة مسيحية في ذلك الوقت، وفي المدينة مقبرة خاصة بهم في حي المغازين. هاجرت كل هذه العائلات المسيحية إلى أميركا، وإلى حلب، باستثناء عائلة الصايغ التي كانت آخر من تركت المدينة، لحبها للمدينة وأهلها.

عُرف أبو إلياس بخفة ظله ولطفه، وحسن حديثه، وتمكنه من العزف، حتى إنه كان يعزف والعود فوق رأسه، أو وراء ظهره – كما قيل -واشتهر بمعزوفة سُمّيت باسم "النصرانية" التي تُعزف وتصاحب الرقصات العربية. أحبَّ أبو إلياس مدينته، وأحبه أهلها، يمتلئ بيته بالناس على اختلاف انتماءاتهم الدينية والطائفية، ويسود بينهم التسامح والتآلف الذي ميّز تلك الفترة، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. 

توفي أبو إلياس عام 1996 في معرة مصرين ودُفن في مقبرة المسيحيين في إدلب، وخلّف حزناً عند كل مَن عرفه، أو سمع به، بعد مسيرة حافلة بالعطاء.

عدنان حج عيسى "أبو الريم"

وُلد الفنان عدنان حج عيسى في مدينة معرة مصرين عام 1943 وأخذ الموسيقا عن أستاذه سليم الصايغ، وتابع تحصيله العلمي في الموسيقا، ودرس وتخرّج في دار المعلمين في حلب شعبة الموسيقا بين عامي 1961- 1962.

عمل أبو الريم مدرساً للموسيقا بعد تخرجه في مدارس إدلب، وأسس عدة فرق للأطفال اشتركتْ في مهرجانات كثيرة للأطفال داخل سوريا، ومن أشهر مشاركاته حفلة له على مسرح معرض دمشق الدولي في سبعينيات القرن الماضي، وكذلك اشترك في مهرجانات خارج سوريا في الاتحاد السوفييتي السابق وبلغاريا.

تميّز أبو الريم كأستاذه أبي إلياس بحس الفكاهة، والظرافة، ويتضح ذلك من خلال كلمات بعض الأغاني، وطريقة أدائها، كما في مونولوج (الضراير) الذي أبدع فيه، حيث يقول:

"يا ناس اسمعوا فنوني      الضّراير جنّنوني

كنت وحدي بهالزّمان       ومتفضّي من النّسوان

واجتمعوا عليّ الخلّان     وخطبولي وجوّزوني

أخدت الأوّليّة وربّي غضب عليّ

لقّمتها نصّ وقيّة بدها فرنين وطابوني

ولمّا أخدت الأخرى طلعت أبشع م الأخرى

ولمّا بتقعد ع السّفرة        بتلطشلا اتطنعشر صمّونة

يا ناس شو هالبلشة وتلاتة صرنا بفرشة"

وكذلك أبدع في أغنية "هيا منديلك هيا" وكان من عادات إدلب الموروثة، بعد انتهاء حفل الرِّجال "الطَّلعَة" أَنْ تُقام عَراضة عفويّة للعريس تُسمّى "سحبة العَريس" وذلك سيراً على الأقدام، وتكون عروسه بانتظاره، فيقومُ صديقان مقرّبان من أصدقاء العريس بحمل منديل أبيض أمامه، وآخرون خلفه لحمايته من وخز الإبر، وخلال السَّحبة كانت تُغنّى هذه الأغنية:  

 "هيّا مَنديلك هيّا يازَحن الفلفل ع الميّا

هيّا مَنديلك تشريق ياحلوة والخصر رقيق

كل مين دبّرلو رفيق وراحت العترة عليّا

هيّا مَنديلك شمال يا حلوة الهوى قَتّال

كل مين ع وليفو مال وراحت العَترة عليّا

هيّا مَنديلك صوبي يا أمّ الشّعر الخرنوبي

وأنا مفارق محبوبي ياربّي تردّو عليّا

هيّا مَنديلك هلّق وقَلبي بهواكِ تعلّق

وان كنّو جوزك طلّق أنا الحاضر يا بنيّة 

هيا منديلك تغريب 

يا حلوة ويا ريح الطيب 

كل مين دبّرلوا حبيب

وراحت العترة عليا"

وكان أبو الريم كأستاذه أبي إلياس محبّاً للصيد ورحلاته، ويبدو أن الصيد حظي ويحظى بعشق، وولع كثير من الفنانين، وربما يكون أكبر مثال على ذلك عشق الرحابنة، والراحل الكبير فيلمون وهبي للصيد ورحلاته.

ومن الأمور التي برع فيها أبو الريم تحديد مكان المياه الجوفية لحفر الآبار، عن طريق استخدام غصن الزيتون، أو التوت، بمنتهى الدقة.

توفي عدنان حج عيسى أبو الريم في أواخر عام 2020، وأكمل أبناؤه طريقه ومشواره في توثيق وحفظ التراث الغنائي في إدلب، ولاسيما ابنه الأصغر الفنان ساهر حج عيسى الذي أنشأ صفحةً على وسائل التواصل الاجتماعي باسم "التراث الموسيقي في إدلب" ونشر فيها عدداً كبيراً من الأغنيات والمونولوجات الخاصة بالمنطقة، بعزفه على آلة القانون، وبمشاركة جميلة من والده الراحل عزفاً وغناءً.

ختاماً هذه إضاءة سريعة على مسيرة فنّانَين يحتلان حيزاً كبيراً من ذاكرة أبناء إدلب، ومعرة مصرين خاصة، ولا شك أنهما يستحقان أكثر من هذه القراءة، والإضاءة السريعة من المختصين بالموسيقا والغناء. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات