الموت لا يزال يهدد حياة الطفلة "يقين" المحاصرة بالركبان ووالدتها تروي لأورينت تفاصيل معاناتها

الموت لا يزال يهدد حياة الطفلة "يقين" المحاصرة بالركبان ووالدتها تروي لأورينت تفاصيل معاناتها

لا تزال الطفلة “يقين” المولودة في مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية تصارع المرض تحت أنظار عائلتها العاجزة عن تقديم المساعدة لها في ظل الحصار الذي تفرضه ميليشيا أسد والاحتلال الروسي على قاطني المخيم، ورغم الحملات والمناشدة لتقديم العلاج للطفلة إلا أنها ظلت دون استجابة.

وخلال الأيام القليلة الماضية تجدّدت الحملات الداعية لفك الحصار عن قاطني مخيم الركبان البالغ عددهم نحو عشرة آلاف مدني، متخذين من مأساة الطفلة يقين التي تحتاج إلى تدخل طبي عاجل لإنقاذ حياتها، رمزاً لمعاناة المخيم والمقيمين فيه.

صعوبة التنفس 

ومنذ ولادة "يقين" قبل ثمانية أشهر لم تجرب شعور الشبع، أو تحظَ والدتها بتجربة إحساس إمداد ابنتها بالغذاء كباقي الأمهات، أو حتى سرقة ابتسامة من شفاه طفلتها التي ولدت بعيب خلقي يمنع مرور التغذية إلى جسدها النحيل ويجعلها عاجزة حتى عن التنفس بشكل طبيعي.

لم تكتمل فرحة العائلة بالمولود الأول، فبعد ساعات من الولادة لوحظ وجود فتحة في سقف الحلق مع قصر باللسان والتصاقه بباطن الفم يمنعها من التنفس بشكل طبيعي، ليتم وضعها على جهاز التنفس الاصطناعي لتعويض كميات الأوكسجين القليلة التي تستنشقها، كما أوضحت "حسنة مطلق" جدة الطفلة في حديثها لـ "أورينت نت".

وتقول: “بعد الأسبوع الأول من الولادة لم تكن يقين قادرة على الرضاعة بشكل طبيعي وأخذت حالتها تتدهور ووزنها ينقص مع تغير في لون بشرتها ودكونها، ليتم نقلها إلى نقطة التنف الطبية حيث تم تحرير لسانها ووضعها على جهاز الأوكسجين مدة ثلاثة أسابيع”.

وتضيف "مطلق" المسؤولة أيضاً عن نقطة التنف الطبية، إنه "وبسبب قلة أجهزة التنفس الاصطناعي داخل المخيم، أُجبر الأطباء والممرضون على رفع الجهاز عن الطفلة والاكتفاء بتقديم جلسات متقطّعة وبجرعات قليلة ومحدودة، الأمر الذي أدى إلى تدهور حالتها بشكل سريع، خاصة أن يقين لم تكن قادرة على تناول الحليب الذي يتسرّب من فمها".

مصاعب الحصار

"كل شيء تأكله من فمها يُرمى خارجاً بسبب الشق في حلقها، لنُجبر على استخدام المغذّي والإبر لتوصيل الحليب إلى معدتها، وطبعاً نوع محدد من الحليب وليس جميعها"، وفق ما توضح والدة الطفلة يقين في حديثها لـ "أورينت نت".

وتقول أيضاً: "في البداية لم أقدر على إرضاعها طبيعياً، وحتى مع اللجوء إلى قنينة الرضاعة وحليب البودرة "الرضاعة الاصطناعية" كانت النتيجة مماثلة، الحليب يُراق من فمها وأنفها مع بكاء شديد، إلى أن بدأت جدتها بتوصيل الحليب إلى معدتها عن طريق حقنه بالإبر، وهو الحل الوحيد الذي كان متوفراً بين أيدينا".

وتضيف: “قبل فترة قصيرة استطعنا تأمين قنينة رضاعة مخصصة لمثل حالة ابنتي، وبالفعل بدأت ترضع بشكل طبيعي، لكن الأمر لم يدم طويلاً، حيث فقد نوع الحليب الذي تتناوله وهو حليب طبي عالي الجودة، لنجبر على تقديم حليب من الدرجة الثانية لم تتقبله وبدأ يسبب لها مشاكل جديدة من حالات تقيّؤ وإخراج الغذاء من أنفها”.

ألم وحرقة 

ولم تُخفِ والدة الطفلة الألم الذي يعصر قلبها وهي تشاهد حالة ابنتها تزداد سوءاً يوماً بعد آخر، حتى بدأت العظام بالظهور واضحةً تحت الجلد، فوزنها لم يعد يتجاوز 2200 غرام، فضلاً عن اضطرار النقطة الطبية الوحيدة في المخيم إلى رفع جهاز التنفس عنها، نظراً لوجود العشرات ممن هم بحاجة إلى جلسات تنفس اصطناعي.

ويؤكد "أبو شكري" خال الطفلة الذي تعيش في خيمته، أن “يقين” لا تكفّ عن البكاء الذي يأتيها على شكل نوبات متواصلة دون انقطاع، بسبب الجوع والألم الذي تعاني منه مع كل محاولة للتنفس أو تحريك جسدها الهش.

ويقول: “في كل مرة نضحك على أنفسنا ونقول تجاوزنا جزءاً من المشكلة لتخفيف الألم الذي نعيشه، لتذكّرنا صرخات ابنتنا بحالة العجز الذي نعيشه وحياة المخيم والحصار، وتلاصق الخيام الذي يجعل من بكائها يصل للخيام المجاورة التي تعيش الأرق والسهر مثلنا”.

ويضيف أبو شكري في حديثه لأورينت: “حتى اليوم لم تبتسم يقين ولم تجرب إحساس الشبع كباقي الأطفال، وحتى إنها لم تجرب النوم ساعة متواصلة فهي تنام فقط لترتاح من البكاء لمدة ربع أو نصف ساعة ثم تعاود الاستيقاظ والبكاء مجدداً جوعاً وألماً”. 

متسائلاً بحرقة عن الذنب الذي ارتكبوه ليُتركوا ينظرون إلى معاناة ابنتهم الرضيعة وهي تضعف وتتدهور حالتها المرضية يوماً بعد آخر دون قدرتهم على تقديم ما يخفف عنها.

الجميع مشارك في معاناة يقين

ويعيش قاطنو مخيم الركبان المحاصر على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن في الصحراء السورية، في أوجُه معاناة متعددة، جعلت من تأمين الطعام وبشكل خاص أغذية الأطفال من حليب ومكمّلات غذائية، إضافة إلى الأدوية والمعدات الطبية مهمة شاقة تهدد حياة القاطنين وتسبب مضاعفات للأطفال والمرضى من كبار السن، نتيجة الحصار الذي يتشارك في فرضه ميليشيات أسد وروسيا وإيران.

الناشط الإعلامي "أبو حسين" أكد في حديثه لـ "أورينت" أن الأمم المتحدة شريكة في الحصار المفروض على مخيم الركبان وتتحمل وزر الطفلة يقين بشكل مباشر، خاصة أنها أوقفت الدعم عن المخيم منذ عام 2019، وتتغافل عن الاستجابة لمطالب السوريين بنقل الطفلة إلى المشافي الأردنية لتلقي العلاج.

ويقول: “منذ ثلاث سنوات أوقفت الأمم المتحدة كامل الدعم المقدَّم للسكان داخل المخيم، وحتى النقطة الطبية التي افتتحتها عام 2019 قامت بإيقاف الدعم عنها بعد مدة وجيزة، لتقوم إحدى المنظمات الخاصة بالتكفل باستمرار عمل النقطة الطبية”.

ويناشد "أبو حسين" السلطات الأردنية بالمبادرة وتقديم يد العون للطفلة يقين وعدم تركها تموت أمام أعين قاطني المخيم الذين باتوا ينظرون إليها كرمز لمعاناتهم والخيط الذي يربطهم بالإنسانية: "حالتها تزداد سوءاً ووضعها لم يعُد يحتمل تضييع الوقت، وإذا استمر الحال على ما هو عليه فسوف نخسر طفلة ماتت ببطء تحت أنظار عائلتها وأقاربها المكبلين بالحصار وأمام أعين العالم الذي رفض إنقاذها".

ومطلع شهر أيلول/سبتمبر الجاري قام مندوبون عن قوات التحالف الدولي في قاعدة التنف بزيارة المخيم للمرة الأولى والاجتماع مع كادر النقطة الطبية الوحيدة للمخيم، للاطلاع على الاحتياجات الطبية بهدف تأمين ما أمكن، الأمر الذي اعتبره ناشطون مجرد وعود ومحاولات لامتصاص الغضب الشعبي ضد قوات التحالف، بعد تصاعد الاتهامات بمشاركتهم عملية الحصار المفروضة على السكان.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات