الموت السوري لايزال في أوجه: لماذا تحوّل العالم إلى متابع محايد أو شاهد زور؟!

الموت السوري لايزال في أوجه: لماذا تحوّل العالم إلى متابع محايد أو شاهد زور؟!

فضيلة سورية أنها كشفت بوضوح قربى الدم في عائلة الإنسان على امتداد مساحة هذا الكوكب.

حرّكت ذاكرة الطين عند ملايين البشر. أحسّوا أن اغتيال شعبٍ، مطلق شعب، هو اغتيال للذاكرة الأولى التي تؤكد أن الدم لا يتحوّل أبداً ماء.

التظاهرات التي خرجت في بدايات الثورة السورية في عواصم العالم من شرقه إلى غربه، لا يعرف الذين خرجوا فيها معارضين لسفك الدم السوري أحداً في سورية. لم يأكلوا من قمحها وبرتقالها ولم يشربوا من مياه فراتها أو برداها. ولم يسمعوا أغنيات صباح فخري والقدود الحلبية، ولم يشاهدوا لوحات نذير نبعة وفاتح المدرس.

تلك الملايين تعلن خوفها من ذئب يتحوّل إلى منطاد، من منطاد يتحول إلى بارجة، من بارجة لن تفرّق غداً بين بغداد ودمشق وبيروت وباريس.

فيتنام لا تزال ساخنة ساخنة الجرح. وهيروشيما وناغازاكي لا تزالان تلدان كل تسعة أشهر جيلاً من المشوهين.

في تلك الأيام شعرت بأن العروبة الحقيقية موجودة في اليابان، في كندا، في باريس، في شوارع الولايات المتحدة وليس في بيتها الأبيض، في كل مكان تبدو العروبة أكثر غضباً وعنفواناً، إلا في بلاد العرب..

-2-

تلك الملايين، تراجعت اليوم، ما عاد تثير نخوتها المأساة، تحوّل الدم السوري لمجرد خبر ثالت أو أخير في نشرات الأخبار العالمية، الأطفال السوريون بعد صورة إيلان، صار موتهم اعتياديا، هل نحتاج إلى قصف كيماوي جديد يشبه مجزرة زملكا، ليثار الرأي العالمي؟..

هل نحتاج إلى أن تنكشف كل مجازر النظام الدموية القاسية، ليرفع العالم المتمدن صرخته ورايته الحمراء؟

-3-

مستعدون لمزيد من الحزن. لا بأس أن تمتد الكارثة من المحيط إلى الخليج. لا بأس أن تتسع مجالس العزاء، طالما التتار الجدد لن يغرقوا الكتب هذه المرة في مجرى دجلة، لأنه امتلأ بجثث الضحايا.

إنهم يسعون إلى إغراقنا جميعاً في بئر نفط. الأميركيون اكتشفوا أن اللحم العربي من مشتقات النفط الكثير الجودة، ولن يتكلفوا في استخراجه الكثير، طالما الجثث في هذه البلاد تمشي على قدمين.

-4-

الجرافة الإسرائيلية مجرد عربة لبيع الأزهار، دبابة الجيش الإسرائيلي دراجة هوائية أعدّت للنزهات.

مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي طائرات ورق يعبث بخيوطها طفل جميل المحيا اسمه شارون أو نتنياهو أو سواهما، لماذا الفلسطينيون لا يقدّرون الطفولة؟ لماذا يطلقون أجسادهم وبيوتهم على القذيفة حين تمر بسلام، لترافق حمامات مدريد وكامب دايفيد؟

الإسرائيليون مظلومون، حقاً، وحدهم يتعبون كثيراً في هذه المرحلة. منذ أكثر من خمسين عاماً، لم تعط بنادقهم إجازة، لم تمنح سبطانات مدافعهم فرصة للتشحيم.

لماذا لا يخرج الفلسطينيون جميعاً إلى البحر؟ ثمة أسماك قرش هناك مسالمة تماماً، تكاد تموت من الجوع. وثمة صيادون أفنوا أعمارهم في بناء المفاعلات النووية كرمى مستقبل سعيد للمجرات، ينتظرون أن تهتز سنانيرهم أمام صيد وفير، لا يصلح سوى للاصطياد!

السوريون اليوم أكثر حظاً من الفلسطينيين، أكثر سوءاً في الحال والمصير، في فلسطين عدو واحد، ومعروف، وفي سورية نظامٌ يستقطب لمعاداة شعبه الكثير من الأعداء، طالما يحافظ هو على كرسيه النتن.

-5-

أنا مجرد عربي مليء بالهزائم والنكبات، من يدفعني إلى الهاوية؟

أنا سوريٌّ منفيٌّ عن أرضه، منفيّ عن الكوكب بأسره، أقبعُ مثل الجرذ المطرود من ملكوت النور، في بلدٍ يستعديني، لا أمتلك المقدرة على الرحيل، ولا على العودة..

أنا المطرود من بيتي الطيني العتيق والبعيد، لم أستطع الحضور في وداع أمي إلى مثواها الأخير، ولم التقِ بأخوتي منذ عشرات السنين، الذين تبقوا منهم هناك في مدينتي البعيدة، أو الذي وصلوا المنافي بحرا وانتصروا على الموج.

منذ أيام زارتني ابنة أخي، لم التقها منذ كانت رضيعةً، وتفاجأت بصبية تتحضر للزواج في ألمانيا.. كم بارع هو النظام في تفريق الأهل، في محو العلاقات، في قتل المشاعر. 

حين أتحدث عني، أكون أخبر قصة كل السوريين الذين خرجوا مكرهين إلى أي مكان يقيهم الموت أو الاعتقال.

الموت السوري لا يزال في أوجه، الذي تراجع هو العالم الذي تحول لمجرد متابع محايد أو شاهد زور.

 

التعليقات (2)

    صدقت..

    ·منذ سنة 7 أشهر
    يا مردوك الشامي الموت السوري لا يزال في أوجه

    ياسر منصور

    ·منذ سنة 7 أشهر
    ليس لها من دون الله كاشفا , الغرب المجرم مشترك في الجريمة لأنه يدعم نظام بشار المجرم بالمال .
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات