ميشيل كيلو روائياً: (مزار الدب) انحطاط سوريا الأسد بين الواقع والمتخيل

ميشيل كيلو روائياً: (مزار الدب) انحطاط سوريا الأسد بين الواقع والمتخيل

ليس من عادتي الارتباك حينما أكتب مقدمتي لقراءة عمل أدبي، ولكن السبب هذه المرة أنه الراحل ميشيل كيلو، إذ من الصواب القول عنه إنه عاش السياسة وكتب وترجم وسجن وهجر بلا كلل ولا ملل، وترك لنا إرثاً من المواقف والتحولات الشجاعة لا يمكن تجاهله حتى حين نقرأ عملاً أدبياً له..  واليوم نحن أمام ميشيل كيلو الروائي؛ أي حينما يصبح المفكر والسياسي روائياً، إنها تجربة سريالية متعددة الأبعاد ومن نوع خاص. (مزار الدب) المخطوط الروائي الذي كتبه كيلو بين آذار 1988 و ديسمبر 1990 في العاصمة الفرنسية باريس. تقول شذا كيلو ابنة الراحل إن: "المطبوع كان مفقوداً وحاول أبي العثور عليه بلا جدوى كان الجواب يأتي دائماً من الأصدقاء بالسلب، بحثنا في كل مكان بلا جدوى ولم نجد شيئاً في الكمبيوتر، ولكني حصلت عليه من الشام بطريقة ما".

العقل بين الواقع والمتخيل

في رواية (مزار الدب) للسياسي والباحث المعروف ميشيل كيلو، يكون الواقع أشد حضوراً من المتخيل، استناداً على التفاصيل المخضبة بالتجربة، التي هي احتلال سوريا من قبل برابرة العصر، العلويين، المحملة بعقلية باطنية، والمغمسة بظلامية القرون الوسطى والخارجة عن تعاليم الإسلام السمحة، وماذا فعله هذا العنصر الشيطاني بالبلد الشيخ "حمدان الأبرص" بطل ميشيل كيلو يقوم بالقتل والتشريد والتهجير وتخريب ودمار شامل تحت أنظار العالم وبتنفيذ طائفي، هنا الآن: الرمز جد شفاف يحيل على جزاري سوريا بصفحتيها الأسديتين.

يتميز هذا الجنس السردي بأنه يتأسس على سردية الأنا الساردة في النص معتمدة على السيرة الذاتية لـ "سوريا" وهي بدورها أنا ميشيل كيلو؛ على ما يبدو أن ميشيل كيلو يحفر في الأنا السورية الأشد اتصالاً به ككاتب ومفكر ألمعي، وانطلاقه يكون من الواقعي المتفاعل مع المتخيل.

فالسيرة الذاتية التي يعرفها ميشيل كيلو لسوريا؛ السيرة الذاتية قصة ارتدادية نثرية يروي فيها ميشيل كيلو واقعها الخاص "الأسود" مركزاً حديث شخوصه على تأليه الفرد/الحاكم، فالرواية بين سيرة "بلد متعب" وتاريخية اللحظة "خلاص". الوجودية المرتمية في التداعيات والانثيالات على تداعي الأفكار "الحرية" والخروج عن النظام "التغيير"؛ والاستطرادات أقرب إلى التداعي الحر منها إلى الكتابة "الملتزمة" التي تنتمي إلى جنس أدبي معين؛ لنقل إن هذا النوع من السرد متناسل من السرد الروائي ما يعني انعدام الحدود بينهما.

تفكيك حكم الطائفة!

وفي هكذا نص يكون تساؤل ملحّ من قبل القارئ والناقد على ما يقرأه تلقائياً: لماذا؟ وما هي الأسباب التي تدفع إلى هكذا كتابة؟

يتضح لنا أن الدافع لهكذا كتابة تتمثل في أن لها أثراً فورياً ومباشرةً في الفكر السياسي للعمل الأدبي الذي ينشأ عنه، مقترن ببداهة لحظة تاريخية واسعة المدى، تتمثل في رغبة كشف مخبأ مأساتنا المتمثلة في حكم طائفة بربرية متوحشة تكومت في الجيش وأجهزة الأمن وكل المراكز السيادية، خطاب سردي يمتزج فيه الشخصي مع تاريخ البلد.

"كلثوم" الفتاة التي يتحدث الكل عن حسنها ومفاتنها وخدمتها للمزار امرأة الجمال والحب والحياة؛ هنا الرمز شفاف، يفقد أهل القرية كلثوم ويبحثون في كل مكان وهنا يتحول الشيخ حمدان الأجرب إلى "الهادي "المنتظر يمنع النيران من السماء عن القرية، واقع سريالي هنا الخيال يمكن أن يكون واقعي بشدة، حافظ الأسد وابنه بشار، أيضاً، يستمدان حكامهما من رؤى تعتمد على التأليه ومغالاة بالأفكار حيث يكون الحاكم مقدماً على الإيمان؛ وهنا الرعب يكون أكثر وأعمق حينما يتزوج الهادي الفتاة كلثوم التي عثر عليها، مثلما زعم، ويصبح الحاكم للبلاد والعباد والحجر والشجر وحتى الحلم.

مات المؤلف ميشيل كيلو وعاشت المؤلفات والكاريزما، (مزار الدب) تركت لنا سرداً روائياً مخبأ في مكنوناته سيرة سوريا الموت والقهر والوجع والتشريد والقتل ورحل صاحب حلم، سوريا الحب والجمال والحرية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات