المناخ والجفاف والثورة

المناخ والجفاف والثورة

دفع المناخ الثوري الذي تشكل في عدد من الدول العربية أواخر عام 2010 السوريين إلى الشعور أن جاء دورهم للخروج من حال الفساد والدكتاتورية مطالبين بالحرية والكرامة. 

كثيرة هي الأسباب التي دفعت السوريين إلى الخروج إلى الشوارع، تطالب بالحرية والكرامة وبتحقيق العدالة والمساواة، وتصاعدت المطالبات بإسقاط النظام بعد فشل الدولة في الإفراج عن الأطفال الذي اعتقلهم الأمن والاستفزازات المهينة التي تعرضوا لها أهاليهم عندما خاطبهم الضابط عاطف نجيب الجملة التي أشعلت الثورة بشكل مباشر، ولكن هناك أسباب غير مباشرة متراكمة منذ سنوات وهي الأساس؛ أهمها ضعف الحياة السياسية بل إن الحياة السياسية معدومة واختزلها النظام بالحزب والأجهزة الأمنية المختلفة، ثم أصبحت أسرة الأسد هي محور الحياة، يدور حولها المنتفعون والتجار الكبار والمسؤولين في الحزب والدولة ليبقى الشعب السوري بكامله بحالة مزرية تشمل الأوضاع الاقتصادية المتردية وانتشار الفقر المدقع، بالإضافة لتدني مستوى المعيشة، وسوء الإدارة الاقتصادية والفساد، وانتشار الرشوة لإنجاز أية معاملة، وربط النظام الأجهزة الأمنية بكل شؤون المواطن من سفر وتصدير وبيع وشراء وتجارة وتعليم وصحة وإعلام وبناء وهدم وتراخيص كافة المنشآت ووظائف حتى الاعمال الحرة ربطها بنقابات مهنية وعمالية  إلخ.....، وهذا ما جعل الأجهزة الأمنية تتغول في حياة السوريين وتصبح كابوساً مرعباً في كل الوقت وفي أي مكان، وفي الواقع هذه أهم العوامل التي دفعت المواطن السوري إلى الثورة، ولكن من الأسباب الرئيسية التي لم يتم التركيز عليها في الإعلام علاقة تغير المناخ والجفاف بالحراك الاجتماعي والثورة.

الخبراء البيئيون: تغير المناخ عجّل اندلاع الثورة! 

سنوات الجفاف والتصحر، وشح مخزون المياه الصالحة للشرب، وتقلص المساحات المزروعة عاماً بعد عام، كانت من العوامل المساهمة في تهيئة ظروف عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في سورية فضلاً عن ازدياد الهوة الطبقية العميقة، بين الطبقة الحاكمة لحزب البعث وجبهته الوطنية التقدمية الشكلية والشعب المقهور والفقير.

إن الفساد الناجم عن سوء إدارة الثروات الطبيعية وسوء إدارة السياسات الزراعية والبيئية غير المستدامة لها علاقة غير مباشرة بالثورة ويضاف إليها سرقة النفط في مراحل سابقة ومن ثم تدهور الإنتاج النفطي لاحقاً ما أثر على الأوضاع الاقتصادية للمواطنين وانخفاض القدرة الشرائية وانتشار الفقر وتردي نوعية الحياة و انعدام الكرامة.

كل هذه العوامل كان لها تأثير محفز، للمساهمة في بدء الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية وتجلت لاحقاً بانتفاضة شعبية ومظاهرات اكتسحت البلاد.

ضعف الحوكمة وسوء إدارة الموارد الطبيعية والديموغرافية أضعف أسس الدولة التي تربط المواطن وحكومته بها.

جرائم حكم الأسدين على الزراعة السورية

كشفت دراسات علمية متخصصة حديثة، عن وصول الجفاف إلى مراحل غير مسبوقة في عدد من دول الشرق الأوسط عموماً، وسوريا خصوصاً يقول العلماء إن سبب الجفاف غير المسبوق في دول شرق البحر المتوسط، يرجع بشكل كبير إلى موجة الجفاف التي استمرت حوالي 15 عاماً بامتدادها من عام 1998 وحتى عام 2012. وتعزو الدراسة انهيار الزراعات السورية في الأعوام الماضية إلى ضعف الحوكمة وسوء إدارة الموارد الطبيعية و الديموغرافية. على سبيل المثل، دعمت حكومة الأسد الأب زراعة القمح والقطن في الجزيرة وهما زراعتان تستهلكان كميات هائلة من المياه ما سرّع في نفاد المياه الجوفية بشكل كبير مثلما حصل فترة الخمسينات في مدينة السلمية إن قام أحد التجار باستيراد مضخات غاطسة سهلت سقاية القطن واستجرار المزارعين للمياه الجوفية بشكل جائر وجفت الينابيع وجفت المياه الجوفية بعدما كانت حوضاً مائياً كبيراً تشكل خلال مئات السنين من تجمعات مياه السيول.

أما ما حصل في الجزيرة السورية فقد عمل نظام الأسد الأب على إهمال تلك المنطقة، وأصدر قراراً كان منعطفاً كبيراً لحياة السكان هناك، نصّ على تحريم زراعة آلاف الهكتارات في منطقة ريف الحسكة الجنوبي، وصولاً إلى حدود دير الزور والرقة الإدارية، بحجّة الرعي والحفاظ على الثروة الحيوانية، أصبح بموجبه عشرات آلاف السكان المحليين من دون وارد مادي، كون الزراعة مصدر رزقهم الرئيسي، وهذا أدّى إلى انتقال عشرات الآلاف إلى محافظات أخرى للعمل في مزارع ومداجن بحثاً عن مصدر رزق لعائلاتهم. وانخفض الالتحاق بالمدارس بنسبة تصل إلى 80٪ ؜ومئات آلاف ذهبوا باتجاه دول الخليج. 

وكذلك عانت بلدة درعا، مهد الثورة السورية، خمس سنوات من الجفاف وشح المياه وسط إهمال رسمي. ومع استمرار موجة الجفاف، وانخفاض إنتاج المحاصيل المروية في سورية وخروج الكثير من الأراضي الزراعية من الخدمة ونزوح سكانها بحثاً عن مصدر رزق أو وظيفة ما شكل مزيجاً من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، أضعف أسس الدولة التي تربط المواطن وحكومته بها، وعجّل قيام حركة مناهضة للنظام تجلت في نهاية المطاف بالثورة السورية في 15 مارس 2011 ، مع مظاهرات على مستوى البلاد كان دور المجتمعات الريفية الساخطة بارزاً مقارنة بمثيلاتها في دول الربيع العربي الأخرى.

نستخلص من هذا المقال أن الجفاف وتغير المناخ سواء الطبيعي أم بتأثيرات الإنسان ساهم في الصراع في سوريا بالإضافة لسوء الإدارة البيئية وسياسات التنمية غير المستدامة واستخدام وسائل في الري غير كفوءة وكذلك الفقر وعوامل اجتماعية سياسية أخرى أظهرت عمق الصدع في سوريا وما له من تأثيرات قد يستمر رأبها مدة طويلة سواء في عهد النظام الحالي أو العهود التي ستليه.

السوريون والأمير تشارلز

قال ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز في كلمة ألقاها أمام المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي في لندن نهاية شهر تشرين الأول 2013، محذّراً من أن تدهور الموارد الطبيعية وعدم إدارتها على أساس مستدام يمكن أن يسببا تأثيرات مباشرة على الأمن الغذائي وأمن الطاقة. واعتبر أن «الصراع المأساوي في سورية هو مثال واضح ومخيف على ذلك، حيث ساهم الجفاف الشديد في السنوات السبع الماضية في تدمير الاقتصاد الريفي ودفع الكثير من المزارعين خارج حقولهم إلى المدن، التي تعاني أصلاً من نقص في إمدادات الطعام وتابع قائلاً: "إن استنزاف رأس المال الطبيعي كان مساهماً ذا شأن في التوتر الاجتماعي، الذي انفجر مخلفاً نتائج تبعث على اليأس".

أضف لما قاله الأمير إذا كان الأمر كذلك عن الجفاف أقول بالطبع الجفاف سبب هام للثورة وإن نفوق المواشي وعطش المزروعات يضاف إليها عدم مقدرة الدولة على السيطرة على الكوارث بسبب الإهمال وانعدام العدالة والفساد والبطالة وعدم المساواة وانعدام الرحمة بالفقراء دفع الناس نحو الثورة، لتصل البلاد إلى الهلاك وبقاء الدولة.

نفاد صبر الفلاح السوري وقدرته على الاحتمال 

صبر الناس عشرات السنوات ولكن عندما حدث الجفاف، قالوا إن نفوق المواشي سيتبعه نفوق البشر ما يدل على عجز السلطة وجهلها الفاضح بالتعامل مع المتغيرات بالبيئة إن الجفاف والاحتباس الحراري وقلة الامطار وسوء الإدارة البيئية أجهزت هذه العوامل على صبر الفلاح السوري وقدرته على الاحتمال. 

شركاء النظام في المسؤولة عن خراب الوضع البيئي كما السياسي في سوري الآن وبعد أكثر من عشر سنوات على الثورة السورية لم تعد المشاكل البيئية التقليدية من تلوث الهواء والماء والتربة يعيرها المواطن السوري اهتماماً بل حل محلها ما هو أخطر وأكثر إيلاماً، فسوريا اليوم تعاني من فقدان مياه الشرب والاستحمام والغسيل وانعدام الكهرباء كلياً والمحروقات والغاز المنزلي وتعاني من ارتفاع في الأسعار خانق غير مسبوق وهناك جوع حقيقي وعطش يعاني منه كل الشعب السوري وحتى نكون موضوعيين لا أحمّل النظام وأجهزة الأمن والدولة وحدهم مسؤولية ما ذكرت. 

فهم جزء مهم وأساسي من العقد بين خراب البلد وسلطته التنفيذية فلولا تواطؤ صغار الموظفين الفاسدين والتقاطهم لما يرمى لهم من أسيادهم لما اكتمل الخراب…وهناك أيضاً جهات خارج سوريا مسؤولة عن استمرار الوضع البيئي كما السياسي في سوريا نحو الأسوأ

وزارة البيئة واجهة مافيا الفساد للتنمية والبيئة 

بمناسبة نقص مياه الشرب الحاد الذي تعاني منه  الآن مناطق مختلفة من البلاد وحسب اطلاعي وخبرتي السابقة  في التعامل مع الهيئات الموكل لها خدمات البنية التحتية وحماية البيئة في سوريا إن  معظم الإمدادت الرئيسية لمواسير الصرف الصحي والمياه في سوريا أنشأتها فرنسا أثناء الاحتلال والحديثة منها يزيد عمره عن ٥٠ عاماً وكل المنح التي حصلت عليها الحكومة السورية خلال السنوات السابقة عن طريق المنظمات الدولية وهيئات التنمية والبيئة اليابانية منها والألمانية لإجراء الخدمات والصيانة لها كانت توزع من فوق لتحت لتنتهي بالنهاية ببوستر ملون يلصق في بهو وزارة البيئة واللبيب من المعنى يفهم. هذه الوزارة الغنية بما يصلها من منح دولية بملايين الدولارات والفقيرة بوجدانها هي واجهة لمافيا الفساد للتنمية والبيئة التي ابتلعت سوريا.

أين تذهب المنح الدولية الخاصة بالتنمية والبيئة؟

أذكر في عام 2000 زرت مركز الدراسات والأبحاث البيئية لترتيب لقاء حول أهمية الأبحاث البيئية في سوريا يقع  المركز في فيلا قديمة جداً مستملكة في مزه فيلات غربية استقبلني مدير المركز وهو ضابط متقاعد متواضع ولطيف ولهجته من الساحل  طبعاً طلبي لم أجده في هذا المركز  المكون من مدير المركز وموظف الأرشيف فقط  الأرشيف قديم أوراقه صفراء.. وهو يضم مكتبه ليست كبيرة في غرفة مظلمة وعندما طلبت منه الاطلاع على ما تحتويه أجاب بأن للمركز أهمية أمنية عالية ويحتاج موافقة وزير الدفاع وجهة أمنية أخرى وأخبرني أن مركزه لديه استقلالية عن وزارة البيئة وأن محتوياته سرية ممنوعة من التداول و الاطلاع عليها من قبل أياً كان، وعندما استأذنته بالانصراف قال لي أستاذ ممكن أطلب منك طلب  "لدي مهندس شاب يعمل رئيساً للأرشيف وليس لدينا إمكانية تأمين مواصلات لبيته فهل يمكن أن أطلب منك أن تؤمن له الموافقات اللازمة من التلفزيون لتأمين مواصلات المبيت له . تخيل يا رعاك الله! 

الله يرحم أستاذنا محمد توفيق البجيرمي ويرحم أيام طرائف من العالم أمام ما جرى ويجري الآن.

التعليقات (10)

    قاسم

    ·منذ سنة 7 أشهر
    نتيجة 50 سنة من سوء كل شي وصلت السوريين للثورة على كل شي

    عبد الرزاق

    ·منذ سنة 7 أشهر
    سؤال للأستاذ نوار هل هذه الادارة السيئة للموراد مقصودة أم لغياب الكوادر التخصصية في الادارة كما قرأنا في المقال ان الحكومات قبل الاسد كانت أيضاً غير مهتمه ؟ وشكرا لكم اوينت مقال هام ومؤلم

    نعم

    ·منذ سنة 7 أشهر
    وزارة البيئة الغنية بالدولارات والفقيرة بوجدانها ...... نعم

    د كمال غرايبه

    ·منذ سنة 7 أشهر
    كلمات مواطن غيور جدا على وطنه،نتمنى ان ترجع لسوريا امجادها وان يشعر مواطنوها كافة بالراحة والسعا ة والاكتفاء.

    حكيم

    ·منذ سنة 7 أشهر
    يالله معقول.. كيف كانت الناس عايشة بسوريا.. كان لازم الثورة قبل كل بلدان تونس وليبيا ليس بشار وبطانته هم من يتضهد فقظ كمان الفاسدين الانذال من باقي الناس مثلما تكونوا يولى عليكم

    أحمد

    ·منذ سنة 7 أشهر
    ان شاء الله ، ذهب الكثير ولم يبقى الا القليل للخلاص من هذه الطمة الفاسدة. تحياتي لك استاذ نوار

    قدري

    ·منذ سنة 7 أشهر
    سرقتم ماءنا وغلال حقولنا وقوت شعبنا وجهد عمالنا والفلاحين ومستقبل اطفالنا والطلاب ومع ذلك الوطن لنا وانتم بضعة لصوص

    مروان

    ·منذ سنة 7 أشهر
    100% كلام سليم سوريا لديها سلطتان ؛ سلطة رسمية ضعيفة وسلطة حقيقة السلطة الأولى تتكوّن من مؤسّسات الدولة ، مجلس الوزاء مجلس شعب و الحزب والأجهزة ، بينما السلطة الثانية تتكوّن من مجموعة صغيرة التي تملك

    الشرق

    ·منذ سنة 7 أشهر
    منذ الخمسينات الحكومات غير مهتمه و تزيد كل سنه أضعاف عن التي سبقتها.

    Hesham

    ·منذ سنة 7 أشهر
    المشكلة في السلطة الحاكمة نعم ولكن ثقافة المجتمع أساسها
10

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات