نعتِ الأوساط الثقافية السورية الشاعر السوري محمد عفيف الحسيني، الذي رحل يوم أمس عن (65)عاماً في السويد، التي هاجر إليها منذ العام 1989، وهو ينتمي إلى جيل الثمانينات الشعري في سوريا من كتبة قصيدة النثر، وإن لم يكن من أبرز أصواته، وقد نعاه الشاعر فرج بيرقدار على صفحته على (فيسبوك) بالقول:
"محمد عفيف الحسيني شاعرٌ في اللغة وفي الحياة، ظلمه النُّقّاد، وظلمته الظروف، وظلم نفسه. لروحه السكينة والسلام".
طفولة الكتب والفقر
ولد محمد عفيف الحسيني في مدينة عامودا السورية عام 1957 لعائلة كردية مهاجرة من دياربكر، وفي حوار صحفي معه يقول عن طفولته في عامودا معترفاً أن ثقافته الشعرية كلها استمدها من ابن الفارض ومن المتنبي الذي يصفه بـ"الفاشي العربي الكلاسيكي" فيقول:
ولدتُ في بيئة هي خليطة من أعراق الكتابة والدين والذاكرة الشجية للغات، وجدتُ نفسي ملموماً بين شيئين: الكتب والفقر. الكتب هي التوابل اليومية للذاكرة، والفقر هو توابل الطفولة الشقية التي منعتنا من الإحساس الباذخ بمعنى هذه الكتب. أينما انتقلتُ من منازل الأهلين، كانت الكتب هي التي تفور من الجدران، الكتب التي كان الفانتازي الأرجنتيني “بورخيس” يتحدث عنها، وهو في عماه البصير. الولادة، ثم الحبو، ثم أن تجد نفسك، فجأة في حضرة الأقطاب: الملا جزيري، المتنبي (الفاشي العربي الكلاسيكي)، ابن الفارض، المتون التي لا تنتهي لكتب تدوّن السيرة الأليمة للكتابة.
كتبنا بالعربية عن قيامة الكرد!
وعن جيله الشعري الذي لم يكتب باللغة العربية بل بالعربية يقول:
“أنتمي إلى جيل شعري كردي ضائع: كتبنا بالعربية عن قيامة الكرد، وبقيتْ روحي دائماً، تلتفت لأن أستطيع الكتابة بلغتي، لكن، لم أفعل حتى الآن، لأنني أخاف أن تأخذني اللغة الكردية، إلى تخوم لا أجيدها. بدأت الكتابة، منذ حوالي العقدين، ووجدتُ أن الكتابة بالنسبة لي، هي المنقذ من ضلالة التعريب، والحياة ـ القسوة لأهل عامودا. لم أكتب، لأجد اسمي في قِدْرِ الركاكة السريعة، كتبتُ، لأعرف نفسي أولاً، ولأعرف معنىً بسيطاً، لسؤالٍ بسيط: في أي مكان سأفرش لضيوفي ، ضيوف القدر، ما أظنه الجدير بالكتابة؟”.
وسبق للحسيني أن نشر ديوانه الأول: (بحيرة من يديك) عام 1993؛ أصدر بعدها المجموعات الشعرية: “الرجال” و”مجاز غوتنبرغ” و”نديم الوعول”، فضلاً عن “جهة الأربعاء” التي اعتبرها شطحات روائية.
وفي عام 2018 أصدر كتابا بعنوان: (كولسن) وقد عرفه على الغلاف الأخير بأنه: “سيرة ذاتية شعرية، مدوّنة في خمس عشرة حركة حياتية، هي الفقرات الجامعة للكتاب المؤتلف في الخيط النحيل لحبّ فاشل بامتياز، سرد تاريخي شعري لبضع إثنيات ورُسُل وشخوص غارقة في المنافي والهرطقة والرحيل والتشرد”.
القضية الكردية والبهارات الهندو أوروبية
أما آخر ما صدر له فهو كتاب (بهارات هندو-أوروبية) الذي صدر عن دار (هنّ) بالقاهرة عام 2020 وقد أهدى المؤلف كتابه الضخم الذي يقع في أكثر من خمسمئة صفحة، إلى ذكرى والديه: الشيخ عفيف الحسيني والشيخة بدرية الحسيني.. وقد كان والده علامة وفقيهاً نشر في مجلة (الرسالة) المصرية الشهيرة لصاحبها أحمد حسن الزيات.
وفي كتابه ذاك سعى محمد عفيف الحسيني لأن يقدم سيرة شاملة للزمان والمكان والأشخاص والأحداث والطيور والنباتات والبهارات والحيوانات ولكل ما ومن عاشوا على أرض كردستان التي حلم بها، كما ترجم للعديد من الشخصيات الكردية في فترات محتلفة أمثال: مصطفى البارزاني، ملا جزيري، جكرخوين، عبدالرحمن قاسملو، شرف خان البدليسي، يلماز كوني، بيره ميرد، ماه شرف خان وسواهم.. كما لم يوفر من اهتماماته من رأى أنهم تعاطفوا مع قضيته الكردية أمثال الصحفي والباحث الألماني كونتر دشنر (مؤلف كتاب: أحفاد صلاح الدين الأيوبي: الشعب الذي يتعرض للخيانة والغدر")، والصحفيين البريطانيين هارفي موريس وجون بلوج (مؤلفَي كتاب: لا أصدقاء سوى الجبال: التاريخ المأساوي للأكراد)
يذكر أن محمد عفيف الحسيني كان قد أصدر لسنوات مجلة عن الأدب الكردي بعنوان (جلجامة) ومن أجواء ديوانه الأول ( بحيرة من يديك) الصادر عن دار أزمن في عمان عام 1993 نقرأ:
"أنا الكمنجات الحزينة لك
في الريح أنحني
مثلما رجال غائبون
ترتعش منهم الساعات
ورائحة أمي
كمنجات مكسورة على قبري
ورد ذابل من يديك
رعاة يراقبون مغيب الشمس
تتلوث أصابعهم بالريح
والموسيقيين وآلاتهم الميتة
مثلي".
التعليقات (14)