في معرض رده على أسئلة الصحفيين في طريق عودته إلى البلاد من أوكرانيا قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن ( هدفنا ليس الفوز على الأسد ، وإنما مكافحة الإرهاب ) وتأتي تلك التصريحات لتؤكد أن ثمة مساراً مختلفاً للسياسة الخارجية التركية في الإقليم عموماً، وأن سبلاً مختلفة سيتم اتباعها – منها الانفتاح على نظام الأسد – لهدف إيجاد مخارج سياسية للأزمة السورية المستعصية ضمن مقاربات جديدة تأخذ في الاعتبار أولويتين تركيتين هما محاربة التنظيمات الكردية المتطرفة المتوضعة شمال شرق سوريا والتي تعتبرها تركيا تهديداً جدياً للأمن القومي التركي ، وقضية اللاجئين السوريين التي صارت تشكل صداعاً مزمناً للحكومة الحالية التي لا ترغب من جعل هذا الملف مطيّة للأحزاب المعارضة في صراعها مع التحالف الحاكم على تحقيق تقدم في الاستحقاق الانتخابي القادم .
وكما هو واضح فإن الأجندة هنا هي ما يخص الدولة التركية ومصالحها العليا، وهذا أمر طبيعي، فالرئيس أردوغان هو رئيس تركيا وهو بالضرورة يعمل وسيعمل دائماً على خدمة مصالح الدولة والشعب التركيين وفق سياسات لا ثوابت فيها إلا تلك المصالح .. وبالتالي من الطبيعي جداً أن تتوافق وتتقاطع تلك المصالح في لحظة أو سياق ما، مع أجندة ومصالح السوريين المناهضين لحكم الأسد الاستبدادي ، وقد تتضارب وتفترق في لحظات وسياقات أخرى لا يرى فيها السوريون الثائرون على حكم الطاغية الأسد أي مصلحة أو خدمة لقضيتهم، وفي جميع الأحوال فإن اختلاف الرؤى والمصالح والسياسات يجب أن لا يفضي أبداً إلى عداء وخصومة.
السوريون كما تركيا يرون في التنظيمات الكردية الإرهابية خطراً وجودياً على الكيان السوري ويؤمنون أن تلك القوى لها أجندات لا تنسجم مع موجبات بناء الدولة الوطنية القائمة على مفهوم المواطنة المتساوية، والسوريون أيضاً يرون في القوى والأدوات الإسلاموية المتطرفة أصحاب دولة الشريعة المتخيلة خطراً داهماً أيضاً على الهوية الوطنية التي يفترض أن تتأسس عليها دولة القانون والمواطنة .. لكن قبل كل ذلك وبعده فالسوريون أيضاً يرون في الدولة ( الأسدية ) الطائفية خطراً ماحقاً على سوريا نفسها وجميع مواطنيها، وقد أثبتت أحداث العقد المنصرم أن هذه الدولة الطائفية دائماً ما تخيّر شعبها بين البقاء تحت حكمها أو الفناء تحت براميلها وكيماويّها .. تخيّر شعبها بين بقاء الأسد أو إحراق وتدمير البلد (!!!).
نحن وأنتم يا سيدي الرئيس نتفق على قضيتين ، لكن أبداً لا نتفق على الثالثة .. السوريون لن يقبلوا بعد ما فعل بهم العودة لبيت الطاعة ( الأسدي ) ، والسوريون عندما أُجبروا على الاختيار بين الانصياع لحكم الأسد المجرم ودولة الاستئثار الطائفي أو تدمير البلد وجعل عاليها سافلها ، اختاروا الثانية ليس لأنهم لا يحبون بلدهم ويفضلون تدميره .. على العكس تماماً هم انحازوا لهذا الخيار لأنهم يحبون بلدهم ويبحثون عن خلاص أبدي له من عَلَقَةٍ لا تكفُّ عن مصّ دمائهم ونهب ثرواتهم وتدمير مستقبل أجيالهم .
حسناً إذاً نحن كسوريين لن نجادل – ولا يحق لنا ذلك - فيما ترونه مصلحة عليا لبلدكم ، ولن نجادل – ولا يحق لنا ذلك أيضاً - بقضية أن الفوز على الأسد ليست قضيتكم ، بل إن قضيتكم هي محاربة الإرهاب ، فهذه خيارات سياسية عليا لبلدكم الآن وأنتم أدرى بها .. ولكن سنجادل بالتأكيد فيما يتعلق بمصالحنا العليا كمواطنين سوريين لا يرون لهم مستقبلاً طالما بقي هذا النظام، وبالتالي فإن للسوريين كل الحق في رفض أي حلول لا تنسجم مع تلك المصالح وتلبي الحدود الدنيا لحقهم البشري في اختيار شكل مستقبلهم، وللسوريين أيضاً وأيضاً كل الحق في التمسك بالحدود الدنيا للحل الذي توافقوا عليه مع المجتمع الدولي - بمن فيهم تركيا وروسيا - والذي تم التعبير عنه ببيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة بالوضع في سوريا، وفي رفض أي مسار من شأنه أن يقوّض أسس هذا الحل .
لقد سعى الأسد طوال عقد كامل لإخضاع السوريين وإعادتهم لبيت طاعته، واستخدم في سبيل ذلك مختلف سبل القمع والقتل والتهجير القسري والتنكيل والتدمير الممنهج ، لكنه لم يفلح في مسعاه قط ، ولن يفلح .. فمن استباح حياة السوريين وأعراضهم، ليس له مكان في مستقبلهم .. لقد انقضت مرحلة امتثال السوريين وخضوعهم لثقافة الخوف، وسيبقى دائماً سعي السوريين مبذولاً لإسقاط هذا الطاغية وتفكيك دولته الطائفية مؤمنين أنه لم يتمكن طاغية قط من إفناء شعبه.
التعليقات (9)