عماؤنا اليساري: صفّقنا للخميني وعادينا الديمقراطية!

عماؤنا اليساري: صفّقنا للخميني وعادينا الديمقراطية!

أعرّف اليسار بأنه موقف أخلاقي ضد الاضطهاد الطبقي، والتمييز العنصري والحقد الطائفي، والهيمنة الإمبريالية على العالم، وتأييد الدفاع عن حقوق الإنسان.

وقد جاء حين من الدهر تحوّلنا فيه -نحن اليساريين والقوميين- إلى أيديولوجيين نُعادي الديمقراطية باسم العداء للإمبريالية، ونؤيد الأصولية الشيعية باسم العداء لإسرائيل، وندافع عن أنظمة حكم الشيوعية السوفيتية وما شابهها في العالم الثالث.

حين قام الخميني باستلام السلطة صفّقنا للخميني، فلم نكن نرى في شاه إيران إلا الحارس الأمريكي في الخليج، والاعتراف بإسرائيل. عداؤنا لأمريكا وإسرائيل أعمانا عن رؤية خطر الخمينية على إيران والمنطقة العربية. وحين رُفع العلم الفلسطيني في قلب طهران طرنا فرحاً. ولم نكترث بتصفية حزب "توده" والليبراليين الإيرانيين، بل ولم نتخذ موقفاً أخلاقياً من الحرب الإيرانية العراقية، فجميع العراقيين الشيوعيين في دمشق وقفوا إلى جانب إيران.

وأذكر حادثة ذات أهمية تبرز عماءنا اليساري الأيديولوجي آنذاك. بعد اغتيال حسين مروة برصاص حزب الله بأيام اجتمعنا في بيت الدكتور “طيب تيزيني” على شرف حضور الفيلسوف والشاعر الماركسي المحبوب "مهدي عامل". سُئل مهدي عامل كيف ستكون العلاقة بينكم وبين حزب الله وأمل بعد اغتيال حسين مروة، فأجاب: لا بد من التحالف معهم، نحن في معركة صعبة مع إسرائيل. فقلت له: من قتل حسين مروة سيقتل مهدي عامل، أخاف عليك. تبسّم مهدي بسمته الطفلية وأجابني: لا تخَف عليّ. لم يمضِ على اغتيال حسين مروة شهور حتى تم اغتيال مهدي عامل في 18 أيار /1987. ولم تمض سنوات قليلة حتى صفّى حزب الله المقاومة الوطنية اللبنانية.

لقد حرَم العماء الأيديولوجي مهدي عامل من أن يرى خطر حركة مليشياوية مسلحة تغتال أحد أهم عقول اليسار اللبناني آنذاك.

وظل وعينا بالكفاح ضد إسرائيل واحتلالها لجنوب لبنان عامل غضٍّ للنظر عن أصولية حزب الله وطائفيته في مجتمع طائفي ودولة طائفية. إلى أن استفقنا وانهار الأساس الأيديولوجي لعمائنا، عندما تحوّل هذا الحزب إلى أداة إجرام بحق الشعب السوري. هذا الحزب الذي أعتقد بأن الله ليس بحاجته وليس بحاجة إلى أي حزب باسمه.

كان العماء الأيديولوجي وراء مشاركة اليسار العربي في المؤتمر القومي-الإسلامي حيث كان الأصوليون الإسلاميون الشيعة والسنّة، حماس والجهاد وحزب الله يتسيّدون المؤتمر بخطاباتهم. لم نكن نميّز بين ضرورة العداء للعنصرية الصهيونية من جهة، وضرورة العداء للأصولية بكل أنواعها، كنا نعادي الإخوان المسلمين ونصفّق لحماس ولحزب الله.

وما زال الحزب السوري القومي الذي من المفترض أنه علماني يتحالف مع حزب الله وحزب الله هو الذي صفّى مقاومته في الجنوب، ما زال الحزب الشيوعي اللبناني يُمالئ حزب الله وحزب الله هو الذي قضى عليه عملياً في لبنان.

ما زالت بعض بقايا اليسار الفلسطيني ترى في الأصولية الشيعية حبل خلاص ونجاة، وليس حبل مشنقة.

لا يمكن أن تكون يسارياً وأصولياً معاً، لا يمكن أن تكون شيوعياً وطائفياً معاً، لا يمكن أن تكون وطنياً وتابعاً لدولة ولاية الفقيه.

إذا كان لا بدّ من نقد ذاتي، فعلى جميع قوى اليسار جماعات وأفراداً أن يعتذروا من التائقين إلى الحرية عن عمائهم الأيديولوجي.

 

التعليقات (8)

    Read

    ·منذ سنة 7 أشهر
    الديمقراطية يحكمها رجال الاعمال في امريكا وهي فقط للبلاد الكبيرة أما البلاد الصغيرة تفشل بالديمقراطية مثل لبنان و تونس فكل بلد يناسبه طريقة

    بحاجة إلى تحليل

    ·منذ سنة 7 أشهر
    دور الرغبات والعواطف الدينية الطائفية العميقة التي جعلت من الشيوعي...شيوعي كردي و عربي و ارمني وشاشاني و روسي و اوكراني و شيوعي سني و شيعي و درزي و مسيحي..... تحياتي د. برقاوي وشكرا لقلبك الطيب و وجدانك و ضميرك الحي و ألمك... Hani Al

    ابو الحسن

    ·منذ سنة 7 أشهر
    تشدقنا بالدايمقراطية الغربية والتي هي مفهوم غربي بتلك المجتمعات خلال حقبة من الزمن ،كما شدهنا بالمواقف الاخرى تحت تسميات رنانة منها القومية العربية ومعادات الإمبريالية ونسينا حقيقتنا وجوهرنا الذي كان منها حضارات انارت العالم لكل البشرية وبدون تميز وذلك لقرون عديدة، ولعله من المفيد ان نتذكر ان تبني شعار من هنا او قضية من هناك لم ولن تجعل لهذه الامة اي قيمة بل على العكس ،وكلنا يرى انها كانت من اهم أسباب تفتتها وتخلفها وضياعها ويجب ان لا تنسى ان امتنا لم تقم لها قايءمة بين الامم الا عندما التزمت بالدِّين الحنيف وليس بالتشيع ولا بالتطرّف ولا بتبني الأفكار العلبة التي تاءتينا من الخارج ، وليرضى من يرضى وليغضب من يغضب انها الحقيقة التي يريدنا المنظرون ان نتغافل عنها .

    Hisham

    ·منذ سنة 7 أشهر
    الديمقراطية الاكبر يهيمن على الأصغر لهذا الديمقراطية خاسرة استراتيجيا بالنسبة للصين وروسيا وايران وبقيت هذه الأمم عظيمة لأنها لم تقع في وحل الديمقراطية الامة العظيمة ستبقى عظيمة اذا كانت يسارية

    يا Read

    ·منذ سنة 7 أشهر
    الديمقراطية...نظام رقابة يسمح بالحديث علنا و بالنقد و كشف الأخطاء و تصحيحها.... و ما تبقى تفاصيل

    واحد من السوريين

    ·منذ سنة 7 أشهر
    مقال رائع و عميق أوجز فيه الكاتب و لكن أصاب عين الحقيقة . كل المقال جميل و لكن اختصر منه مايلي ..... إلى أن استفقنا وانهار الأساس الأيديولوجي لعمائنا، عندما تحوّل هذا الحزب إلى أداة إجرام بحق الشعب السوري. هذا الحزب الذي أعتقد بأن الله ليس بحاجته وليس بحاجة إلى أي حزب باسمه ... لا يمكن أن تكون يسارياً وأصولياً معاً، لا يمكن أن تكون شيوعياً وطائفياً معاً، لا يمكن أن تكون وطنياً وتابعاً لدولة ولاية الفقيه.

    خالد بن الوليد

    ·منذ سنة 7 أشهر
    من الجيد جداً أن يركن المرء إلى النقد الذاتي، ويعيد النظر في مواقفه وآرائه .. وكما يقال الموتى وحدهم لا يغيرون آراءهم .. ولهذا - كي نصدقهم - وجب على جميع قوى اليسار جماعات وأفراداً .. وأولهم الاستاذ العزيز الفلسطيني" احمد برقاوي " أن يعتذروا من الدولة السورية - الذي احتضنتهم - عن عمائهم الأيديولوجي المستمر، ووقوفهم المشين، مع تيارات الاسلام السياسي ( الاخوان المسلمين ) في هجمتها التدميرية الحالية الثالثة على الدولة السورية والشعب السوري. والامتناع عن تبرير ارهابهم بحجة الثورة والتحرير أو ما يسمى الربيع العربي وانشودة الحرية ... الخ ..

    محمد صالح ياسين

    ·منذ سنة شهر
    أحسنت شرحا و تحليلا .
8

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات