في الحبائل التركية: من هو عدونا.. ومن هو صديقنا؟!

في الحبائل التركية: من هو عدونا.. ومن هو صديقنا؟!

منذ سنة على الأقلّ فإنّ الانتخابات التركية وليست السورية هي ما يشغل بال السوريين الذين "يعيشون بلا حياة" في "تركيا"، ومتى شغلت أصلاً "الانتخابات في سوريا" بال السوريين؟  بل ومتى عرفوا معنى الحياة في "سوريا" كي يعرفوه خارجها؟. 

في ثمانينيات القرن الماضي أو في سبعينياته على أبعد تقدير، كتب "محمّد نصرت نيسين" المعروف بـ"عزيز نيسين" وهو أبو الأدب التركي الساخر الذي اعتُقِل مرّات حين كان "عسكرياً" ومِراراً بعدما أصبح "مدنياً": (إنّ القهوة والديمقراطية لا يَنبتان في بلدنا، فقط يأتيان من الخارج!)، وقد تكون قصّته عن المدرّس العائد من أمريكا إلى تركيا والذي أصرّ على تعليم تلامذته معنى "الديمقراطية" سبباً في اعتقاله في إحدى المرّات، والقصّة باختصار شديد تحكي عن مدرّس فيزياء شابّ واسمه "بهيج"، كان موفداً إلى بلاد العمّ سام وعاد متشرّباً بأفكار الحداثة والحرّية والديمقراطية. أراد لتلامذته أن يتشرّبوا منها أيضاً ويتعلّموها خلال دروس الفيزياء، لكنّهم لم يتشرّبوا أو يتعلّموا سوى شيئين: أن يخاطبوا بعضهم البعض بكلمة يا "سيّد" بدلاً عمّا كانوا يتداولونه: "ياجحش" و"يا بغل" و"يا حمار" و"يا كلب" ويا حقير ويا سافل ويا واطي، وأن يحظوا بفرصة "الاستفتاء" بخصوص قرار إغلاق نوافذ غرفة الصفّ أو تركها مفتوحة، وكان الأستاذ "بهيج" يقول لهم "أي التلاميذ": ما دام الجوّ حارّاً فلنفتح النوافذ، وحين يكون بارداً يقول: هيّا.. لا بدّ من إغلاقها، ومضت السنة الدراسية على هذا المنوال، افتحوا النوافذ وأغلقوا النوافذ، ورغب جميع التلامذة بشدّة أن يحذو جميع الأساتذة الآخرين نحو منهج الأستاذ "بهيج" في التعليم، والذي أصبحوا يدعونه "بهيج الديمقراطي"، وبأن تمضي الدروس في شرح معاني الديمقراطية والحرّية والانتخابات. 

بالنتيجة وفي النهاية لم يتعلّم تلميذ واحد شيئاً واحداً أو نصف معادلة عن "الفيزياء" التي كان من المفترض أن يدرّسها لهم أستاذ الفيزياء "بهيج الديمقراطي"!

الصراع التركي: يمين ويسار.. وقومي وإسلامي!

عاشت "تركيا" منذ نشأتها بحدودها "شبه الحالية" مراحل من العنف والفوضى ومن الاستبداد، ومن الصراعات ما بين أصحاب الفكر القومي أو الإسلامي، أو ما بين الجيش والحكومات، أو بين الحكومات وأصحاب الأهداف الانفصالية، أو بين اليمين واليسار، أو بين الراديكالية الإسلامية والعلمانية المتشدّدة، ولم تبدأ البلاد بالاستقرار السياسي حتّى انقضى انقلاب شباط 1997 الذي أطاح  بحكومة رئيس الوزراء آنذاك "نجم الدين أربكان" وعامان آخران بعده، الانقلاب الذي تبعه انتهاك سافر للحرّيات الدينية مثل إلغاء الحجاب تماماً في الجامعات وإغلاق معاهد تدريس وتحفيظ القرآن ومداهمة مدارس "الصوفية" ونحو ذلك، وهو الانقلاب الذي سبّب بشكل أو بآخر صعود "حزب العدالة والتنمية" كردّة فعل معارضة نخبوية وشعبية على حالة الاستبداد والقمع التي حصلت بعد هذا الانقلاب وهو آخر انقلاب ناجح في تركيا، ومنذ ذلك الوقت بدأ الأتراك بالتفكير: الديمقراطية أم الانقلابات، الانقلابات أم الديمقراطية؟. 

الديمقراطية في "تركيا"، الديمقراطية الحقيقية التي تتحقّق بالانتخابات بأركانها التامّة وهي الحرّية والنزاهة والشفافية والمسؤولية الوطنية وبالأمن الانتخابي، حديثة العهد وليست بقدم تجارب النجاحات المتتالية في الديمقراطيات الغربية ولا في الكثير من ديمقراطيات أمريكا اللاتينية حتّى، لكنّ القفزة التركية بعد ذلك كانت واسعةً قويّة مركّزة سريعة وضرورية، فلقد عانى الشعب التركي من أربعة انقلابات ناجحة قبل ذلك في 1960 و1971 و1980 و1997، أي خلال سبعة وثلاثين عاماً فقط، وربّما كانت هذه الذكريات التاريخية القريبة المعروفة والمفهوم أثرها على "تركيا" وعلى الشعب التركي سبباً رئيساً من أسباب إفشال محاولة الانقلاب في تمّوز 2016، وبتدخّل مباشر من الشعب التركي، الأتراك الذين كفروا بالعسكر وانقلاباتهم، ثمّ حانت وآنت لهم الظروف كي يؤمنوا بـ"الصناديق".

الخير لنا أو الويلُ؟!

كلّها "شؤون تركية"، لا دخل لنا بها "نحن السوريين"، لا نملة ولا نحلة لنا بها، ولا بصلة ولا فجلة، لكنّها -يا للمصيبة- تعنينا كثيراً، وجميع السوريين الذين يعيشون في "تركيا" يعرفون لماذا، ولا طاقة لهذا المقال بشرح ذلك، فلقد شرحه الشرّاح والخبراء والمفسّرون والمحلّلون السياسيون منهم والاقتصاديون والقانونيون منهم والاجتماعيون، وبالطبع النفسيون أيضاً، والأهمّ "الاستراتيجيون"، وقالوا جميعاً أو أغلب جميعهم شيئاً واحداً تقاربوا فيه للغاية: إن نجح "حزب العدالة والتنمية" فالسوريون بخير، وإذا لم ينجح فيا لويل السوريين!. 

الحقيقة وبعيداً عن أيّة "تحليلات" وعن أيّة فكرة تذاكي، السوريون ليسوا بخير أبداً، لأنّهم ببساطة سوريون، ولا علاقة تربطهم البتّة بأيّ شأن سياسي في أيّ مكان من هذه الدنيا، و"اللعب" على أوتار ترحيلهم وبقائهم تجنيسهم ودوامهم في "تركيا" أو غيرها، مثل اللعب بالبوكر، نعم "البوكر"، وفي هذه "اللعبة" وكي تزيد من احتمالات الربح لديك فعليك: أن تراهن على كلّ الأوراق، فإن لم تكن أوراقك جيّدة انسحب، وكُن تماماً غامض الملامح إن قرّرت الاستمرار في اللعب فلا تُبدِ أيّ ملمح يوحي للّاعبين الآخرين بل والمتفرّجين بسرورك أو استيائك، وإن جرت أوراق "اللعبة" في صالحك فلا تتردّد أبداً، إلى الأمام استمرّ وثابر!. 

لم يحصل "عزيز نيسين" على جائزة "البوكر" في الآداب ولا على "نوبل"، لكنّه خلّد الخير في نفسه منذ أنشأ سنة 1977 وقفاً لرعاية الأطفال الأيتام من ريع أعماله التي أحبّها القرّاء حول العالم، ومن أجمل أقواله وأرجو أن يكون هذا مفهوماً: (إنّ درجة فضولي هي أمنيتي أن أعيش يوماً واحداً بعد شهر من موتي، كي أعرف تماماً من هو عدوّي، ومن صديقي!). 

هذا هو الانتخاب الحقيقي، الذي لن يحصل أبداً! 

وسلامتنا.. 

 

التعليقات (6)

    Safwan jamo

    ·منذ سنة 8 أشهر
    مقال جميل

    Adham

    ·منذ سنة 8 أشهر
    هذا المقال هراء ينم عن الجهل والضياع أنصح صاحبه بأن يمتهن مهنة أخرى يقتات منها .لافائدة منك ترجى.

    Adam

    ·منذ سنة 8 أشهر
    للأسف كل تلك الدماء التي سفكت والتي ستسفك في القريب العاجل في الأردن ودول الخليج وفي كل المنطقة الإسلامية سببه جهلنا بما يحاط حولنا من مؤامرات باختصار حكامنا العرب عملاء وكذلك زعماء المعارضة والخيوط التي تحرك تلك الدمى مربوطة بإحكام بآياد خفية لها مشروع عولمي ليس للدين والعادات والتقاليد مكانا فيه. عصبة من الأشرار أصحاب الملياردات والترليونات سيسودون الأرض ويحكمونها حكما دكتاتوريا قاسيا يستمر أكثر من ألف عام يتحالف في تلك الفترة الإنس والجن لغزو السماء ودخول الجنة عنوة. صدقوني هؤلاء المجانين يعتقدون بهذا ويسعون إليه بكل ماآتوا من قوة. هؤلاء الطغاة المستكبرين المترفين المفسدون في الأرض يكرهون أجسادهم ويحقدون على خالهقم لماذا خلقهم بهذه الصورة ولماذا يغيطون ويبولون وتخرج منهم رائحة كريهة ولماذا يهرمون ويصبح منظرهم مقززا.ونسوا هؤلاء الحمقى أن الوعاء مهما كان شكله لايهم والمهم هي الروح التي تتعلق بخالقها وتشكره في الضراء والسراء وتسعى إلى تهذيب النفس والتألق والسموا بها إلى ألأعلى وتهذيبها وخضوعها لبارئها.عندها يجازيك الله ويبدل جسدك بجسد لايغيط ولا يبول بل تفوح منه رائحة المسك وتعيش مخلدا في جنات النعيم وفي رضوان الله ورضاه- وهذه هي الأمانة التي عرضت على كافة المخلوقات فرفضنها وحملها الإنسان وهي عبادة الله مخيرا فئما جنة وإما نار الدنيا دار بلاء وابتلاء فاجهد نفسك للنجاح في هذا الإمتحان. نصيحتي لك إياك أن تقاتل تحت راية جاهلية كالقومية وماشابهها فتخلد في جهنم. بل قاتل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين هي السفلى وبمعنى أوضح أن تقتل لتحكيم شرع الله في الناس.وعلى أن تكون تلك الراية مزكاة من علماء الأمة وأعد لها عدا صحيحا.هذا والله مولانا والكفرون لا مولى لهم. {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} (الكهف:28).

    هون ل هون

    ·منذ سنة 8 أشهر
    وحرصت نجوى كرم على نشر العديد من الصور الخاصة بحفلها في دمشق، عبر حسابها الشخصي على إنستجرام، وعلقت عليها قائلة: «يا سوريا أنا رجعت بعد طول غياب، بعد ما قلبي احترق ع شَوْفة حبابي، شمّيت عطر الوفا لمّا دعست العتاب، وقلت هَوْن العزّ اللي انحفر على كتابي..»

    العربي العادل

    ·منذ سنة 8 أشهر
    العربي العادل: 30\11\13- لا غرابة ولا جديد يحتاج الى شرح أو إلى تعليل!. فالمسالة منذ بداية الحراك الشعبي السوري فيما اتصل بمواقف الدول الحليفة المحيطة والمعنية بالحدث السوري .. كانت بوضوح محاولات مستميتة متعددة الوجوه واللهجات والهويات لإنقاذ نظام الأسد ولإيجاد مخرج له من المستنقع الذي سقط فيه أو قيد اليه ؛ فتركيا كما السعودية وقطر والولايات المتحدة ومن ورائهم جميعا – إسرائيل – وبقية الحلفاء التابعين المتعددين ؛ جميعهم كانوا يبذلون وسعهم لمساعدة نظام الأسد على تخطي محنته ومأزقه ؛ لكنه لسبب أو لآخر؛ وخضوعا لإرادات ذات غرض ، كابر وتجبر أو أعرض أو راهن.. فكان أن أغضبهم وكان أن أتاح لهم التظاهر بالعداء وهم على الدوام كانوا له مساندين وداعمين يحتوون معارضيه ويقيدونهم بوصاية أو دالة أو قاعة اجتماع او مؤتمر.. كما كانوا له عملاء ومخبرين يبلغونه ويرشدونه بما يسعفه من معلومات تطال وتطعن من الخلف مناوئيه الحقيقيين . 30\11\2013

    Khalil

    ·منذ سنة 8 أشهر
    صراحة الاخوة الاتراك لديهم فهمهم الخاص للديمقراطية، يظنون انها مجرد عملية انتخابية كي تفوز شريحة ويتم تهميش باقي الشرائح الاجتماعية. النظام التركي ليس نظاماً ديمقراطياً بل نظام قومي يميني متطرف، مثلاً مارسوا التطهير العرقي بحق الاكراد منذ عقود الى اليوم في سبيل تتريكهم لكنهم فشلوا. الاحزاب التركية عموماً هي أحزاب مزاجية عنصرية متعجرفة ومتكبرة على الاقوام المسلمة. شعب ودولة تعشق الاستقواء على المساكين والمستضعفين فقط. عن أية ديمقراطية تتكلم أيها الكاتب المحترم بينما يتعرض كل يوم آلاف السوريين في تركيا للاحتيال و الاستغلال و الاهانة و حتى الضرب والقتل، ويتم توثيق جزء طفيف منها، ونرى دائما اخلاء سبيل المجرمين الاتراك من السجن خلال ٢٤ ساعة لأن الضحية "ليس تركياً" ولا حول ولا قوة، فعن أية ديمقراطية تتحدث؟ شر البلية ما يضحك. الرئيس اردوغان حول النظام في تركيا من برلماني الى رئاسي قبل سنوات قليلة، أي أنه اليد المطلقة التي تسيطر على الجيش والشرطة والقضاء، وكل هذه الاعتداءات على أهلنا السوريين هي بترتيب من قصره الرئاسي، والا لماذا السوريين يتم استهدافهم و ضربهم و تشتيت شملهم و ترحيلهم قسرياً كل يوم دون أن يتحرك مسيو اردوغان بحرف واحد وهو اليد المطلقة في القضاء والمحاكم؟ قال مضطر يعتدي على السوريين الابرياء كي يكسب ود القوميين الاتراك... عذر أقبح من الذنب نفسه.... وسلملي على الديمقراطية ايها الكاتب (المحترم).
6

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات