المصالحة مع الأسد.. تصريحات جاويش أوغلو: من المستهدف وما هي الرسائل؟

المصالحة مع الأسد.. تصريحات جاويش أوغلو: من المستهدف وما هي الرسائل؟

برزت خلال الفترة الأخيرة العديد من تصريحات المسؤولين الأتراك فيما يشبه الترويج لحملة حول ضرورة التقارب مع حكومة أسد، خاصة بعد تصريحات جاويش أوغلو التي دعا فيها إلى تسوية بين أسد والمعارضة في سوريا، إلا أن محللين وباحثين سياسيين رأوا أن كلام الوزير التركي أخذ مساحة إعلانية تعدّت السياق الذي جاءت فيه.

وانتشرت خلال الفترة الماضية العديد من المقالات والآراء التحليلية في أشهر الصحف التركية لكتّاب يوصف بعضهم بالمقرّب من الحكومة تروج لفكرة التقارب مع حكومة أسد في سبيل إيجاد حل سياسي يكفل ضمان عودة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا إلى مناطقهم داخل الحدود بما فيها تلك التي تسيطر عليها ميليشيا أسد.

المعارضة التركية واللاجئون السوريون

ولعلّ أبرز ما نُشر في هذا السياق، ما كشفت عنه "صحيفة تركيا" حول خطة لإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى ثلاث مناطق تجريبية هي حمص ودمشق وحلب، ضمن إطار المرحلة الأولى مما يعرف بالعودة الطوعية الآمنة، ثم يتم توسيع تلك المناطق في مرحلة لاحقة.

وأشار كاتب المقال في الصحيفة يلماز بيجن إلى أن عودة اللاجئين تحتل مكانة مهمة في مفاوضات تركيا مع كل من روسيا وإيران وحكومة أسد، حيث عرضت أنقرة تأمين سلامة اللاجئين أثناء عودتهم وإعادة ممتلكاتهم بعد ذلك، ومنحهم جميع حقوقهم الشخصية.

كما فاجأ قبل أيام أيضاً نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا "حياتي يازجي" وسائل الإعلام بتصريحات مثيرة حول سوريا، حيث أشار إلى إمكانية فتح قنوات تواصل مع الأسد وأن تصبح العلاقات الثنائية بين أنقرة ودمشق مباشرة.

وخلال مقابلة تلفزيونية له على قناة (إن تي في) التركية، تطرّق "حياتي" إلى تصريح "دولت بهتشلي" رئيس حزب الحركة القومية الذي أثنى فيه على كلام وزير الخارجية (مولود جاويش أوغلو) حول سوريا وأكد أن "خطوات أنقرة تجاه سوريا قيّمة ودقيقة".

وفي السياق، اتّهم وزير الخارجية التركي السابق يشار ياكيش، رئيس حزب المستقبل المعارض، أحمد داوود أوغلو، والذي شغل أيضاً المنصب ذاته سابقاً، بتدهور العلاقات مع سوريا إبان اندلاع الثورة السورية عام 2011، لافتاً إلى أهمية العلاقات مع حكومة أسد، فيما عارض داود أوغلو إقامة حوار مع أسد خلال فترة رئاسته للوزراء موضحاً أن ذلك لن يساهم في حل المشكلة.

من جهته، قال تميل كرمولا أوغلو، زعيم حزب السعادة إن التحدث إلى زعيم ميليشيا أسد بشأن عودة اللاجئين السوريين في تركيا من شأنه تسريع هذه العملية.

وأضاف "لقد قلنا مرات عديدة إن هذا الحوار (مع الأسد) يحتاج إلى استئناف، ولكن لسوء الحظ وصل الوضع إلى نقطة ليس من السهل إصلاحها من الآن فصاعداً.

أما حزب النصر ورئيسه أوميت أوزداغ فاستغل التظاهرات التي خرجت في الشمال السوري تنديداً بتصريحات جاويش أوغلو، ليشير إلى أنه إذا كان السوريون لا يريدون المصالحة مع أسد فليقوموا بذلك ويحاربوه بأنفسهم.

فيما أوضح فاتح أربكان رئيس حزب الرفاه ، أنه في سبيل إعادة السوريين إلى بلادهم يجب تحقيق 3 نقاط رئيسية وهي: أن تجلس الحكومة التركية إلى طاولة المفاوضات مع ميليشيا حكومة أسد في أسرع وقت ممكن.

الموقف التركي.. سر الحملة ورسائل مبطّنة

إلا أنه بالرغم من كل الضجيج الذي أحدثته تلك التصريحات، فإن الموقف الرسمي التركي كان سبّاقاً عليها إذ دفع الأتراك إلى التسوية مع أسد لكن بطريقة مختلفة وهي المفاوضات التي دعمتها عبر مسارات اللجنة الدستورية واتفاقات سوتشي وأستانا وغيرها منذ عام 2019، والتي تُعتبر بشكل من الأشكال طريقاً للتسوية مع الأسد من شأنه أن يمهد بالنهاية إلى إقرار دستور أو انتخابات أو صلح معه، وفق الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة الدكتور سمير العبد الله.

وعمّا إذا كانت هذه الحملة موجهة للسوريين أو للمعارضة التركية، قال العبد الله في تصريح لـ أورينت، إن الخطاب التركي الرسمي موجه للداخل التركي بشكل أساسي، إذ إن تركيا مقبلة على انتخابات مصيريّة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية لذلك هم يسعون في هذه الفترة إلى الحد من الخلافات الموجودة مع الدول المحيطة بتركيا والسعي لسحب ورقة السوريين أو اللاجئين من المعارضة، لأن الأخيرة تعوّل بشكل كبير على هذه الورقة لكسب أصوات مؤيدي حزب العدالة والتنمية وجمهوره المحافظ من خلال اللاجئين وحزبي داوود أوغلو وعلي باباجان.

وعن دلالاته السياسية الخارجية، أشار الباحث العبد الله إلى أن الجزء الآخر من الخطاب الرسمي موجه للخارج وخاصة الولايات المتحدة، التي لم تَعِد أنقرة بعدم التدخل في حال شنّ عملية عسكرية بالشمال المحرر، حيث أوحت تركيا من خلال تلك التصريحات بأنها قادرة على ذلك عبر الاتفاق مع أسد أو التوصل لتسوية معه في سبيل محاربة ميليشيا قسد.

انبطاح المعارضة السورية الرسمية

وبالرغم من أن الأتراك ماهرون بإطلاق بوالين الاختبار، خاصة أن التصريحات قد تأتي ربما عقب تنازلات أو صفقات معينة مع روسيا وإيران في سوريا، إلا أن العبد الله يرى أن تركيا تعمل على التأسيس لخطوات دائمة أو مؤقتة مع هذين البلدين ربما ينتج عنها حل للأزمة السورية.

ولفت إلى أنه بالنسبة للتلويح بعدم التخلي عن المعارضة السورية، فقد أتت التصريحات التركية عقب البلبلة التي حصلت بعد تصريحات جاويش أوغلو، وذلك لسببين، الأول أن الأتراك لا يرغبون باستمرار مظاهرات السوريين بالشمال، وثانياً رداً على الاتهامات لتركيا بالتخلي عن السوريين.

إلا أن المشكلة الأساسية لا تتعلق بالأتراك ذاتهم، وفق العبد الله الذي قال إن أنقرة سعت منذ بداية الثورة للبحث عن حلول، حيث أوفدت آنذاك داوود أوغلو إلى دمشق لعدم تفاقم الأمور، ما يشير إلى أن الأتراك لم يكونوا في البداية متحمسين للثورة بشكل كبير.

وأكد على أن المشكلة تكمن في المعارضة السورية (الائتلاف، الحكومة المؤقتة، الخ..) التي أفقدت الثورة كل الحلفاء والمؤيدين لها وراهنت على الموقف التركي ووضعت كل البيض بالسلة التركية.

وتابع: تحوّل المسؤولون في تلك المؤسسات إلى أتباع لتركيا وليس كحليف أو نظير لها، لذلك فإن أنقرة تضمن أن مؤسسات المعارضة ستقف إلى جانبها بموضوع الجلوس مع أسد أو في أسوأ الأحوال ستلتزم الصمت.

وأشار الباحث العبد الله مجدداً إلى أن التصريحات التركية الأخيرة ليست دليلاً على تغير في الموقف تجاه سوريا، بل إنه تغير قبل ذلك من خلال إصراره على اللجنة الدستورية واتفاقات سوتشي وأستانا التي لم تجلب شيئاً للسوريين، مردفاً أن ما حصل مؤخراً هو ظهور تلك التصريحات في إطار الحملة التي يبذلها العدالة والتنمية لتنظيم أمور السوريين والتمهيد لعودتهم إلى مناطقهم والضغط في هذا الاتجاه حتى يبدؤوا ذلك بأنفسهم.

تصريحات موجّهة للجانبين

في السياق، يعتقد المحلل السياسي الدكتور مهند حافظ أوغلو أن العلاقات بين حكومة أسد وتركيا لن تكون قريبة بل وغير ممكنة في الظرف الراهن، خاصة أن أنقرة لمست بعد قمتي سوتشي وطهران الأخيرتين رفضاً لأي تحرك عسكري شمال سوريا ضد ميليشيا قسد.

وأضاف حافظ أوغلو في تصريح لأورينت أن الموقف التركي لم يتغير من المعارضة السورية إلا أن أنقرة وضعت الكرة الآن في ملعب روسيا ومن خلفها أسد فيما يتعلق بمحاربة ميليشيا قسد وإبعادها عن الحدود التركية.

مع ذلك يرى المحلل السياسي أن تصريحات جاويش أوغلو أخذت مساحة إعلامية فوق السياق الذي جاءت فيه، خاصة أن هناك قناعة تركية بأن أسد لن يذهب باتجاه المفاوضات والتسوية لأنه لا يريد حلاً سياسياً بل عسكرياً كما عبر عنه جاويش أوغلو سابقاً، وفق ما أفاد حافظ أوغلو.

وعن أبعاد التصريحات الأخيرة، أشار حافظ أوغلو إلى أنها تستهدف كلاً من الداخل التركي والسوري على حد سواء، إذ إن الحكومة التركية عملت من خلالها على إفراغ دعوى المعارضة التركية من أنها إذا ما وصلت إلى الحكم ستتقارب مع الأسد وتعيد السوريين لبلادهم، وبالتالي إحراق أوراقها التي تخاطب بها الناخب التركي.

أما عن أبعادها في الداخل السوري، لفت المحلل السياسي إلى أن تركيا تميز بين المعارضة التي تنشد الحرية وبين الإرهابيين، وهذا هو الفارق بين النظرة التركية والروسية فيما يتعلق بالمعارضة السورية. 

إلا أنه شدد على أن وجود نية تركية للتقارب مع أسد غير واقعي وغير حقيقي، موضحا أن تصريحات جاويش أوغلو جاءت لتأكد القرار الأممي السابق 2245، أما الجديد بالأمر هو إعلان لقائه بالمقداد، وهذا ما دفع الأمور إلى هذه النقطة.

بينما يرى البعض أن كلاً من تركيا ونظام أسد غير جاهزين بعد للتطبيع الثنائي وإنجاز اتفاق سياسي سوري-سوري، لأسباب بعضها تكتيكية مرحلية، وأخرى استراتيجية معقّدة، يرى آخرون أن كل هذه العقبات يمكن تذليلها في حال كان هناك موقف روسي إيراني حاسم بإنجاز هذه المصالحة، خاصة في ظل عدم وجود موقف أمريكي وغربي واضح يدل على عدم الموافقة على هذا الخيار، بالتزامن أيضاً مع ميل المزاج السياسي العام لدول المنطقة نحو تبريد كل بؤر التوتر والتوصل لتفاهمات شاملة وصفقات تُنهي المشاكل العالقة بين هذه الدول جميعها.

التعليقات (1)

    هون ل هون

    ·منذ سنة 8 أشهر
    وحرصت نجوى كرم على نشر العديد من الصور الخاصة بحفلها في دمشق، عبر حسابها الشخصي على إنستجرام، وعلقت عليها قائلة: «يا سوريا أنا رجعت بعد طول غياب، بعد ما قلبي احترق ع شَوْفة حبابي، شمّيت عطر الوفا لمّا دعست العتاب، وقلت هَوْن العزّ اللي انحفر على كتابي..»
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات