رحيل أقدم ممثلات مصر.. رجاء حسين: تمسكت بتقاليد الفن والمجتمع وانتقدت "بلطجة" محمد رمضان!

رحيل أقدم ممثلات مصر.. رجاء حسين: تمسكت بتقاليد الفن والمجتمع وانتقدت "بلطجة" محمد رمضان!

عن عمر يناهز الخامسة والثمانين عاماً، وبعد مسيرة مع الفن جاوزت الخامسة والستين عاماً، رحلت اليوم في التاسع من آب/ أغسطس الجاري، الممثلة المصرية القديرة (رجاء حسين) إحدى أقدم الممثلات المصريات الموجودات على الساحة الفنية، والفنانة التي اقتصر حضورها في السنوات الأخيرة على أحاديثها الشيقة والمثيرة للجدل في برامج المقابلات في كبريات المحطات التلفزيونية، والتي طالما وجهت سهام النقد اللاذع لمن كانت تسميهن (فنانات العري) ولإصرار محمد رمضان على نشر العنف وصور البلطجة في مسلسلاته، وللانحطاط الفني الذي كانت ترى أن الفن المصري يغرق فيه. 

ممثلة لا نجمة شباك

لم تكن (عيشة رجاء حسين زكي إسماعيل) وهذا هو اسمها الكامل، والمولودة في محافظة القليوبية في مصر عام 1937، والتي تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1958، لم تكن نجمة شباك ولا ممثلة من ممثلات الصف الأول في السينما أو المسرح أو التلفزيون، لكنها كانت ممثلة ذات حضور، توكل لها الأدوار الصعبة، التي تشكل دعامة من دعامة أي عمل فني. هكذا كانت في دور سنية في فيلم (أريد حلا) من إخراج سعيد مرزوق عام 1975 ثم في دور جملات في فيلم (أفواه وأرانب) مع المخرج هنري بركات عام 1977 وكلا الفيلمين من بطولة سيدة الشاشة فاتن حمامة، كانت فيهما رجاء حسين بطلة مشاركة بكل ما في الكلمة من معنى، سيدة الأداء العفوي والمتدفق والحار، التي تشعل المشهد حيوية وحياة وحضوراً. 

من مسرح الريحاني إلى كلاسيكيات المسرح المصري

منذ وقفت رجاء حسين لأول مرة أمام كاميرا المخرج حسن الإمام، لتؤدي دور طالبة المدرسة الداخلية في فيلم (قلوب الناس) عام 1954 وكانت طالبة في المعهد في السابعة عشرة من العمر، استطاعت أن تلفت الانتباه لأدائها ولموهبتها.. وكانت انطلاقتها المسرحية عام 1957 مع فرقة عملاق المسرح المصري نجيب الريحاني، بمثابة أول اختبار حقيقي لقدرتها على فرض حضورها وسط عمالقة تلك الفرقة العريقة.. ثم تتالت أعمالها في المسرح القومي المصري عبر عقود، رسخت فيها تجربتها المسرحية الجادة، فجسدت فيها نصوص كبار كتاب المسرح المصري في ذروة تألقه في ستينيات القرن العشرين،  كما في (عيلة الدوغري) من تأليف نعمان عاشور (1963) ومسرحية (الفرافير) أعظم ما كتب يوسف إدريس (1964) و(سكة السلامة) و(بير السلم) وكلاهما من تأليف سعد الدين وهبة (1966) وصولا إلى مرحلة الثمانينات حيث شاركت في مسرحية (المهاجر) عن نص للكاتب اللبناني الشهير جورج شحادة (1982) ومسرحية (العريس) من تأليف جمال عبد المقصود وإخراج فنان الكوميديا عبد المنعم مدبولي (1985) ثم مسرحية (الصول والحرامي) من تأليف عصام الجمبلاطي، وإخراج حسن عبد السلام (1987). 

دراما تلفزيونية بتجارب مميزة

في ثمانينات القرن العشرين، شكل الكاتب أسامة أنور عكاشة مع المخرج محمد فاضل ثنائيا جدد حضور الدراما التلفزيونية المصرية ووسع آفاق إنتاجها خارج الحدود... وكانت البداية الناجحة في مسلسل (وقال البحر) عام 1982 ثم (الشهد والدموع) في جزئه الأول عام 1983  وفي جزئه الثاني عام 1985 ثم (رحلة السيد أبو العلا البشري) عام 1986 وفي كل تلك الأعمال (باستثناء وقال البحر) كانت رجاء حسين وجها أساسيا حاضرا ووجها مؤثر الحضور، وجزءا من تجربة فنية خلاقة. فملامحها المصرية الصميمة، ولمسة القوة والبؤس وتحدي الشقاء، كانت تعطيها سمة السيدة المكافحة أماً أو زوجة أو أختا كبيرة..  ولهذا كانت الأدوار التلفزيونية الصعبة تذهب إليها، لتجد لديها القوة التعبيرية ومسحة الأداء الشعبي والعفوي في آن معا. وإذا كانت رجاء حسين قد تألقت في دراما أسامة أنور عكاشة ومحمد فاضل في ثمانينات القرن العشرين، وكان لها مشاركة أساسية في مسلسل عكاشة الشهيرة (زيزينيا) بجزأيه الأول (1997) والثاني (2000)،  فإنها تركت بصمة قوية في فترة التسعينيات من القرن العشرين أيضا في مسلسل (المال والبنون) عن نص لمحمد جلال عبد القوي ومن إخراج مجدي أبو عميرة، ومن إنتاج 1992 كما شاركت في الجزء الثاني الذي أنتج عام 1995 

ممثلة في سينما يوسف شاهين

كانت تفخر رجاء حسين في حواراتها التلفزيونية بأنها الممثلة الوحيدة في جمهورية مصر العربية، التي شاركت مع المخرج يوسف شاهين في خمسة أفلام. فقد كان العمل مع يوسف شاهين حلم كل ممثل مصري يبحث عن الشهرة والسفر إلى المهرجانات والجدل الذي تتركه أفلام شاهين في أوساط الصحافة والنقد والفن، وبحكم عمل زوجها سيف عبد الرحمن مع يوسف شاهين في شركة الإنتاج التي كانت تنتج أفلامه، وجدت رجاء حسين صلة استمرت طويلا مع شاهين المتقلب المزاج والحاد الطباع في تعامله مع الممثلين، فكانت مشاركاتها المميزة في أفلام (العصفور، عودة الابن الضال، حدوتة مصرية، إسكندرية كمان وكمان) كما كانت مشاركاتها مع السيدة فاتن حمامة في أفلام السبعينيات (أفواه وأرانب) و(أريد حلا) محطة لا تنسى في مشوارها. دون أن ننسى أفلاما أخرى عديدة كانت لها فيها أدوار ذات مساحة وحضور، كفيلم (أبناء وقتلة) للمخرج عاطف الطيب (1987) والمقتبس عن رواية للروائي المصري الشهير إسماعيل ولي الدين،  وفيلم (دكتوراه مع مرتبة الشرف) إخراج إبراهيم الشقنقيري 1992، و(امرأة آيلة للسقوط) للمخرج مدحت السباعي 1993

لا للبلطجة والعري والانحدار الفني

رحلت رجاء حسين، وكانت الشقيقة الكبرى لست أشقاء وشقيقات بعد أن مات كل أشقاؤها قبلها، وشهدت كذلك وفاة ابنها عام 2006، وقد عاشت من العمر عتيا لترثي للفن المصري، ولتوجه سهام نقدها لمسلسلات محمد رمضان منتقدة حالة البلطجة والعنف التي تروج لها أعماله بلا أي ضوابط، ومنتقدة العري الفني للممثلات في المهرجانات وأبرزها مهرجان (الجونة) الذي ينظمه ساويرس.. مؤكدة أنها تفخر بأنها "ست شرقية" لا تلبس فساتين بلا أكمام، ولا تحب أن يكون في أعمالها ما فيه خروج عن التقاليد، وما يشين تاريخها كممثلة.. كما كانت تتحدث بصراحة وعلى رؤوس الأشهاد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات