تزامناً مع تصعيد أسد.. لجنة درعا تحل نفسها: احتجاجاً على الاتهامات أم اعتراف بالفشل؟

تزامناً مع تصعيد أسد.. لجنة درعا تحل نفسها: احتجاجاً على الاتهامات أم اعتراف بالفشل؟

أكدت لجنة مدينة درعا حلّ نفسها في وقت يهدد فيه نظام ميليشيا أسد بشن عمليات عسكرية جديدة في بعض مناطق المحافظة، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً حول أسباب حل اللجنة وتوقيته.

ومنذ تأسيسها قبل أربع سنوات، أدارت اللجنة، ممثلة عن أهالي حوران، عمليات التفاوض مع ممثلي النظام وقوات الاحتلال الروسي، لكن أحد أعضائها قال إن استمرار عمل اللجنة لم يعد مهماً أو ممكناً.

خطاب الألم!

وتتألف اللجنة من وجهاء محليين وشيوخ عشائر في المنطقة، بالإضافة إلى قياديين سابقين في الجيش الحر، وتأسست بعد اتفاقية التسوية في تموز/يوليو 2018 لتكون صلة الوصل بين الأهالي من جهة، وبين النظام وروسيا من جهة أخرى، خاصة فيما يتعلق بملفات التوتر العسكري والمعتقلين والمنشقين، وكذلك عودة المهجرين.

ورغم أن الحديث عن قرار اللجنة بحل نفسها كان قد انتشر منذ يوم الخميس، إلا أن الإعلان الرسمي عن ذلك جاء خلال خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ فيصل أبازيد، أحد أعضاء اللجنة، الذي قال إن وجود اللجنة أو عدم وجودها لن يغير شيئاً.

خطاب الشيخ "أبا زيد" كان طافحاً بالمرارة، ورغم محاولته إظهار الأمر على أنه طبيعي، إلا أن غضبه كان واضحاً جراء الاتهامات التي وُجهت للجنة "رغم الأعباء الكبيرة التي أُلقيت على عاتقها" حسب قوله، كما أبدى أسفه الشديد لعدم التعاون مع اللجنة من مختلف الأطراف.

وقال بلهحة ساخرة: يكفي أربعة أعوام من العمل، فإذا كانت اللجنة فاسدة كما يتهموننا فقد اغتنينا من المال، وإذا كنا نبحث عن الجاه فقد اكتفينا، وإذا كنا، كما يقول البعض، نسعى للمنافع، فيفترض أننا وصلنا إلى ما نسعى له!

وأضاف أبازيد: لقد تعرضت اللجنة للكثير من التخوين والاتهامات بالارتباط مع الأمن العسكري دون أي دليل، بينما كان الجميع لا يتردد بالطلب منا التدخل لإطلاق سراح ابنه مهما كان سبب توقيفه أو اعتقاله، بل وحتى من أجل الغاء مصادرة دراجته النارية.

كما تحدث عن وجود أشخاص ومجموعات يدّعون الثورة للتغطية على عمليات السرقة والسطو والقتل مقابل المال، الأمر الذي يعقّد عمل اللجنة ويحمّلها فوق طاقتها، كما قال.

ضحية النظام والاتهامات!

مصدر في اللجنة أبلغ "أورينت نت" أن القرار الذي اتخذتها نهائي "بعد الاقتناع بأن غالبية الأطراف تتعمد إفشالها، وبالتالي فإن الاستمرار يصبح مجرد عبث".

المصدر الذي طلب عدم الكشف عنه هويته قال: من ناحيته فإن النظام كان يتعمد إحراج اللجنة من خلال تعنته وتعمده خلق التوتر واصطناع المشاكل، إلى جانب عدم الإيفاء بأي من تعهداته، خاصة فيما يتعلق بملف المعتقلين قبل عام ٢٠١٤. وبالمقابل فإن بعض المحسوبين على المعارضة يتعمدون تشويه صورة أعضاء اللجنة وترويج الإشاعات والاتهامات حولهم، وللأسف فإن بين الأهالي من يصدقهم ويتبنى هذه الاتهامات.

أخطاء

اللافت أن موضوع اللجنة يبدو معقداً بالفعل، إذ وكما طلب أعضاء اللجنة عدم ذكر أسمائهم، فقد فضل جميع من تواصلت معهم "أورينت" من الناشطين والإعلامين عدم التعليق بشكل رسمي حوله، بسبب ما قالوا إنه تشابك الخيوط وتعدد المسؤوليات، في الوقت الذي لا يبدو أن هناك من هو مستعد لتحملها، لكنهم أوضحوا العديد من النقاط المتعلقة بعمل اللجنة خلال السنوات الأربع الماضية.

أحد الناشطين، ورغم تأكيده على الحيف الذي لحق بلجنة درعا المركزية، إلا أنه أشار إلى أخطاء عديدة وقعت بها دون أن يتم تداركها في الوقت المناسب، ما تسبب بمزيد من اللغط حولها.

وقال في تعليقه لـ"أورينت نت" حول ذلك: لا شك أن اللجنة بذلت جهوداً كبيرة من أجل إيصال صوت أهالي مدينة درعا ومخيماتها والدفاع عن حقوقهم، لكنها أيضاً تتحمل بعض المسؤولية عما تعرضت له، خاصة بسبب عدم الشفافية الكاملة، مثلما حدث لدى توقيعها بعض الاتفاقات مع النظام دون أن تعلن عنها في وقتها.

ومن أبرز التهم التي تُوجه للجنة درعا، الاتفاق مع النظام على دخول أحياء درعا البلد العام الماضي دون إبلاغ الناس به قبل أن يتم تسريبه لاحقاً، ما أدى إلى غضب شعبي واسع.

لكنه يؤكد أن هذا يدخل ضمن الانتقادات التي تم الإشارة إليها في نقطة ضعف الشفافية والعمل المؤسساتي التي عانت منه اللجنة، وكذلك في خانة سوء التقدير الذي وقعت به مراراً.

ويضيف: يبدو أن اللجنة رأت أن المواجهة لن تكون متوازنة، وأن النظام في النهاية سيدخل بالقوة، ولذلك وقّعت هذا الاتفاق، لكن الكثيرين يرون أن هذا التقدير كان خاطئاً وأنه كان بالإمكان مقاومة ميليشياته ومنعها من الدخول إلى الأحياء السكنية بالقوة، حيث فشل في الخيار العسكري أكثر من مرة، وهنا قد يمكن القول إن اللجنة أرادت تجنب الدمار والقتل العشوائي في حال لجأ النظام إلى القصف والغارات الجوية، لكن بكل الأحوال كان يجب أن تعلن عن الاتفاق ولا تبقيه سراً، لأن هذه نقطة سلبية لا تفارق سجلها.

صحفي من درعا نبّه بدوره إلى عدم الانسجام الذي أثّر على عمل اللجنة، وأشار أنه "رغم توقع التباينات بسبب عدم تجانس اللجنة، لكن لم يكن هناك سعي لمعالجة الخلافات وحل المشكلات الداخلية أولاً بأول، ما جعلها تتفاقم بمرور الوقت".

وإلى جانب ماسبق، فإن إيثار بعض أعضاء اللجنة المصلحة الشخصية أو المحسوبيات على المصلحة العامة، تبدو من النقاط التي تؤخذ على عمل اللجنة أيضاً، حسب الصحفي نفسه الذي طلب عدم ذكر اسمه أيضاً.

قرار ينزع فتيل المواجهة

إلى ذلك، نقل تجمع أحرار حوران عن مصدر مقرب من لجنة درعا أن "اللجنة ترفض أن تكون أحياء مدينة درعا ساحة اقتتال بين أبنائها، ولذلك أعلنت عن حل نفسها ووضعت عشائر وعوائل درعا البلد وطريق السد والمخيمات أمام مسؤولياتهم، لمنع أبنائهم من جر المنطقة لحرب جديدة مع النظام" في إشارة على ما يبدو إلى تباينات في وجهات النظر بين اللجنة وآخرين حول سبل التعامل مع تهديدات ميليشيا النظام باجتياح بعض المناطق هناك.

واللجنة هذه لا يشمل عملها كامل منطقة حوران، بل تمثل أهالي درعا البلد وطريق السد والمخيم، بينما تستمر اللجنة المركزية لريف درعا الغربي في عملها.

وماذا بعد؟

وكان الإعلان عن حل اللجنة نفسها قد تسبب بجدل واسع في أوساط أهالي حوران والمعارضة حيث اعتبره البعض خياراً خاطئاً، بينما رأى آخرون أنه كان طبيعياً في ضوء الظروف المحيطة.

ويرى المتحفظون على هذا القرار أنه يوجه ضربة جديدة للآمال في إنتاج ممثلين محليين عن الأهالي، حيث شكلت تجربة اللجان الأهلية في حوران نموذجاً كان يعوّل عليه، بالنظر إلى فشل المعارضة حتى الآن في إنتاج ممثليين سياسيين معترف بهم شعبياً، كما أكد هؤلاء أن القرار يخدم أجندة النظام في الإطاحة بكل من لا يتبع له من شخصيات وتجمعات، في وقت يتحضر فيه لشن حملة عسكرية وأمنية جديدة في درعا.

بالمقابل فإن البعض يرى أن اللجنة تأخرت باتخاذ هذا القرار الذي كان يجب أن يصدر في وقت مبكر أكثر، خاصة بعد العجز الذي واجهته في أكثر من محطة وحدث، وفشلها أو تعمد إفشالها في كل ما سعت من أجله، مشيرين إلى أن إطلاق سراح معتقل أو موقوف هنا، وحل مشكلة منشق هناك لا يمكن أن يكون كافياً.

"ولكن ماذا بعد أن حلت لجنة درعا البلد نفسها؟"..

هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة الآن، خاصة بالتزامن مع التهديدات المستمرة للنظام باجتياح بعض المناطق، وكذلك استمراره في سياسة الاعتقال وتفجير الأوضاع الأمنية وخلق بؤر التوتر في حوران، الأمر الذي يتطلب وجود ممثلين لأبناء المدينة، بينما يأتي القرار ليخلق فراغاً جديداً.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات