العنصريّة والعنصريّة المضادّة.. كيف تصنع الكراهية؟

العنصريّة والعنصريّة المضادّة.. كيف تصنع الكراهية؟

عندما تسأل شخصاً ما هذا السؤال البسيط "من أين أنت؟" فأنت تقول عبر هذا السؤال البسيط للآخر أنّك لا تنتمي إلى هنا، أي أنّك مختلف. 

لكن هل ينبغي أن يُطلب من الناس شرح وتبرير أصولهم بعد هذا السؤال؟

لقد ظهرت المعاملة على أساس الاختلاف مبكّراً في التاريخ البشري، وحسب تعريف عالم الاجتماع الفرنسي "ألبرت ميمي" فإنّ العنصريٍة هي التقييم المعمّم والمطلق للاختلافات الفعليّة أو الوهميّة لصالح المُتَّهِم وعلى حساب ضحيته، والتي يحاول أن يُبرِّر بها امتيازاته اطأو عدوانه.

وهذا لا يقتصر على العنصريّة القائمة على البيلوجيا العرقيّة، كما كان في السابق، بل أحياناً يقوم على أساس ثقافي بحت، وإنّ أساس هذا التمييز هو التأكيد المفرط على الاختلافات الوهميّة بين العنصري والضحيّة، وبذلك فإنّ الاختلاف هو محور التفكير والتمثيل، فاستخدام الاختلاف بين شخص أو آخر أو فئة وأخرى هو أمر لا غنى عنه للحجج العنصريّة، "لكن ليس الاختلاف ما يتبع العنصريّة، بل الميول العنصريّة هي ما يتبع الاختلاف بشكل مباشر ويستفيد منه دائما"، ولا يهم إن كان الاختلاف هذا حقيقيّاً أو محض وهمٍ وخيال، اختلاف مهم أو غير مهم في حد ذاته، فإذا لم يكن هناك فرق سوى بالاسم، فإنّ حامل الميول العنصريّة سيخترعه ويُضخّمه ويُغذّيه بحجج مختلفة، ليُبرّر تحوّل الميول إلى سلوك وفعل ويحاول تفسيره وتأويله لصالحه.

العنصريّة هي التقييم

إن مجرّد الإشارة إلى مجموعتين أو شخصين والبحث فيه أو مناقشته لا يُشكّل بحدّ ذاته عنصريّة، فهي لا تكمُن في الفروقات، بل في كيفيّة استخدامها ضدّ الآخر، فحينما يخضع الاختلاف للتفسير والتأويل ويتم إعطاؤه معنى إضافيّاً بحيث يكون له تأثير ازدرائي يترتب عليه الكراهية والتقييم، فإنّه يتحول إلى ظاهرة تنتشر بسرعة لاسيما في عصر العولمة وعالم التواصل الاجتماعي السريع.  ففي سياق الفروقات قد يأخذ التركيز على الاختلاف معنى خاصّاً، سواء كان على الاختلافات الفعليّة أو المتخيّلة، فإنّه بطبيعة الحال يغدو أداةً لشيء آخر وهو "استجواب الضحيّة" من أين أنت؟ لماذا أنت هنا؟ بماذا تفكّر؟ لماذا تركت وطنك؟ هل تعرف أنّك غير مرحَّبٍ بك؟ كم من المال تجني؟ هل تعمل؟ هل أنت إنسان؟؟؟؟؟؟ والكثير الكثير من الاستجوابات الّتي لا أحقيّة لأحدٍ أن يطرحها على آخر، ربّما سوى الجهات الحكوميّة المختصّة في حالات معيّنة، ونحن هنا نتكلّم عن استجواب فردٍ لفردٍ آخر…

كل هذا يعني أنّ خصائص الآخر المختلف سلبيّةٌ دائماً، وتدلّ على شيءٍ سيّء، في حين أنّ خصائص العنصريّ جيدة، "العنصريّ محبوب لأنّ الضحيّة حقير، وعالمه خيرٌ مطلق، والضحيّة سيّء مكروه وعالمه هو عالم الشرّ المطلق.

وهذا التعميم يُعبّر عن نفسه في كثير من الحالات بنزع الطابع الفردي والشخصيّة للآخر، ويتعدّاه إلى نزع الصفة الإنسانيّة (كما شاهد الجميع حوار الطفل السوري في أحد شوارع تركيا مع مجموعة من الرجال الأتراك، وأعمارهم بين الأربعين والسبعين، وهم يتهجّمون عليه وهو يحاول إقناعهم بهدوء ومنطقيّة، لكن أحد الآخرين ادّعى أنّه مؤرّخ؟؟؟؟ وطلب إثباتاً على كلام الطفل السوري…) ربما هذا المشهد يختزل الصورة الكاملة للحالة التركيّة، ومن خلال التعميم يتم توجيه الاتهام دائماً إلى جميع أفراد المجموعة مهما كبُرت (ملايين السوريين)، بحيث يتعرّض كل فرد من هؤلاء إلى ذات التُّهم، دون الالتفات إلى الصفات الفرديّة للشخص، ودون الاهتمام بما هو عليه وماهي قيمته الفرديّة خارج إطار الجماعة، ولكن بكونه جزءاً من تلك المجموعة، وبعقليّة العنصري فهو يجب أن يمتلك تلك الخصائص الّتي تمتلكها المجموعة وبشكل بديهي أيضاً، وبفقدان الفرد لهذه المواصفات الفردانيّة يفقد معها الكرامة والحقوق، وبنفس الوقت تتم إدانتُه على أساس عيب جماعي متخيّل. 

وفي المقابل يتحوّل هذا التعميم إلى شكل من أشكال عدم تحديد هويّة الاتّهامات، وهو واضح بشكل علنيّ في (الاتّهامات الّتي وجهها الأشخاص الّذين تهجّموا على الطفل السوري وغيره من الأشخاص، فتارة يتذرّعون بأنك جبان لأنّك لم تدافع عن بلدك، وتارة أخرى بأنّك تسرق فرص العمل وتسرق قوت اليوم، ومرّة تجدهم يتّهمون السوريين بأنهم هم من جلب الأمراض، وكثير من الأحيان أنّهم يشترون الطعام ويتسوّقون ويشترون سيّارات...)  وكل هذا يدل على أنّ الاتهامات -إنْ كانت عشوائية وغير واضحة المعالم- فهي عبارةٌ عن ذرائع لا أكثر.

دوافع العنصريّة

"البحث عن تقدير الذات".. إن الكثير من الفئات يعتمدون على السلوك المؤذي والمنحاز لتعزيز مكانتهم في ذواتهم، فعندما يشعر الشخص بأنّ قيمته المستمدّة من المجتمع الّذي ينتمي إليه أو القوميّة الّتي ينتسب إليها بدأت بالتزعزع والانهيار، يقوم بإجراءات استباقيّة لاستعادة ثقته وتقديره للجماعة الّتي ينتمي إليها، (مثال: المجتمع التركي قبل انهيار الليرة التركيّة كان أقلّ حدّةً مما هو عليه بعد انهيارها، فمع الشعور بعدم الاستقرار الاقتصادي ظهرت ملامح النزعة العنصرية، وتطورت بشكل متسارع جدّاً، وعن طريقها كانوا يحاولون البحث عن سببٍ لتعليق هذا اللا استقرار، وتلقائيّاً كان الوجود السوري هو أسهل شمّاعة لذلك) وعلى الرغم من عدم جدوى هذا السلوك لكنّه متّبع وبكثرة…

"التميّز الوهمي".. فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا سيما إن كان في موطنه الأصلي، ويحب أن يتخيّل أو يشعر أنّ المجموعة الّتي ينتمي إليها مهمّة ومؤثّرة، وهذا يعتمد على طبيعة المجتمع إن كان ثيوقراطياً أو قبلياً أو قومياً ( فعلى سبيل المثال في تركيا المجتمع يميل للقوميّة أكثر من غيرها من هويّات، ولهذا يتم الاستعانة بكلمة "نحن الأتراك" في غالب الهجمات العنصريّة، نحن الأتراك لا نهرب من الحرب، نحن الأتراك نضحي، نحن الأتراك قاتلنا في جناق قلعة….) والمشكلة هنا أن الفرد يقوم بإثبات تميّز عرقه على أساس احتقار المجموعات العرقيّة الأُخرى، فتنامي الشعور القومي أو الديني أو القبلي يعزّز بطبيعة الحال السلوك السلبي تجاه المجموعات التي لا تنتمي لذات الهويّة "السياسة"،  فالحكومات والأحزاب وحتّى التيارات لها دور كبير في انتشار وترسيخ هذا الفكر، فعن طريق تقوية النزاعات بين الأفراد والجماعات بشتى الوسائل والسبل الممكنة تستطيع هذه الجهات أن تكسب نتيجة ذلك الكثير من الشعبيّة والأصوات في الانتخابات (فالجميع شاهد وسمع رئيس حزب النصر التركي أوميت أوزداغ وهو يصرّح في الإعلام وينشر تغريداته على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي هي مناهضة للاجئين السوريين في تركيا، وأيضاً استخدام تلك الأحزاب الإعلام وتسليطه الضوء على بعض الأخطاء وتضخيمها لتأجيج فكرة الكراهية ضد السوريين)

العنصرية والانغلاق على الذات

يرتبط الفكر التمييزي والسلبي ارتباطاً وثيقاً بمدى معرفة الآخر والانفتاح على ثقافته، فعندما تكون البيئة الّتي يعيش فيها الشخص منغلقةٌ على نفسها، فستعطي هذه البيئة تصورات مغلوطة وصوراً نمطيّة عن الآخر القادم من بيئة مختلفة او المختلف بالهويّة أو الدين، وأيضاً ولّدت شعوراً بالخوف والريبة من وجود الآخر، وهذا يحتّم بناء جدار حول المحيط الاجتماعي، بهدف الحماية والّذي يتحوّل لاحقاً إلى شكل من أشكال عدم تقبّل الآخر وإلقاء كل اللوم عليه، إذ هو السبب الرئيس لكل المشاكل…. 

لكن المفارقة الكبيرة الّتي نواجهها حينما نبحث في فكرة العنصريّة، هي أنّ اتّهام أي جماعة دينيّة أو طبقيّة أو عرقيّة بالعنصريّة، هو بحدّ ذاته نوع من أنواع العنصريّة والتمييز، ليس لشيء سوى لأنّ الفكر التمييزي هو مكتسَب وهو عبارة عن الكثير من الأفكار والقيم الّتي يتلقّاها الفرد وتوجّه نظرته وسلوكه تجاه الآخر…. فلا بوجد مجتمع بكامله عنصري، بل هناك أفراد ضمن كل مجتمع، ولكن نسبهم تتفاوت، وعليه يتم التقييم… 

في الواقع، أكبر نتيجة للعنصريّة ضدّ أي فئة في هذا العالم هو ولادة عنصريّة مضادّة وكراهيّة متبادلة، وربما يتحوّل شجار بسيط بين شخصين إلى شرارة حرب جماعيّة لا تُبقي ولا تذر، تُدخِل الجميع في أتون حرب عرقيّة ومذابح كبيرة!

التعليقات (2)

    نسم علينا الهوى

    ·منذ سنة 7 أشهر
    اذا اقمنا مسابقة عالميه للكره والحقد والعفونه فانكم واعلامكم ستحصلون مثل بنت ماهر الاسد على الجائزه الاولى والثانيه والثالثه لن توزع لانكم ستسبقون كل حدود الحقد والكره والعنصريه وبالاخص ما يخص الشعب الكردي الذي تيمونه بالبويجيه والملاحده وابناء العاهرات يا....

    نبيل أدهم

    ·منذ سنة 7 أشهر
    نسم عليك الهوا، شكرا كتير لرأيك، بس مافهمت شو علاقته بالمقال؟ وشو علاقة الكورد؟ وشو علاقة ماهر الزفت وبنتو؟ ممكن تركز شوي؟ بيصير كل شي مام بعدا
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات