ما إن تقع عينك على أطلالها من بعيد وتسمع صوت خرير مياه عاصيها من قريب، حتى تحار عينك في ملكوت جمالها الرباني، الجمال الذي كساها خضرةً وخصباً وتنوعاً زراعياً لا مثيل له، إنها مدينة دركوش غرب إدلب التي تتنوع محاصيلها وإنتاجها في الآونة الأخيرة لتقدم صورة عن نقاء الطبيعة وجهد الإنسان السوري في استنبات خيراتها.
إن غنى المناخ ووفرة المياه وخصوبة الأرض تجعل فرصة نجاح أي محصول في دركوش أمر مقطوع به كما يذهب بعض المهندسين الزراعيين المتفائلين، ولعل وصفها بمدينة الرمان الذي فاق ذكره وطعمه حدودها الجغرافية سيصاف إليه يوماً ما وصف "دركوش مدينة الموز" حيث بات الموز يُزرع فيها في تجربة حديثة ومثيرة للاهتمام,.
إنها ثورة زراعية أوجدها أحد مزارعي دركوش الذي خلق جواً استوائياً مناسباً لزراعة الموز، والذي بدأ باكورة إنتاجه تتدلى على أشجاره العالية.. أورينت نت زارت المدينة والتقت بالمزارع وأعدت التقرير التالي:
نعمان قريش.. والتفكير خارج الصندوق
"أحبُ كل ما هو جديد وفريد وأعشق أن أصنعه بنفسي" جملة عامة ابتدأ فيها المزارع "نعمان" حديثه معنا عندما سألناه عن سبب إقدامه على زراعة الموز الغير مألوف في المدينة" حيث تابع" من كنت صغيراً كان حلمي أن أصبح مهندس زراعي بحكم البيئة المحيطة ونشأتي مع أهلي ضمن واقع زراعي، وأتطلع لخدمة الفلاحين وأن أرفع سوية الإنتاج للمحاصيل التقليدية والتي نجحت فيها بمجال الرمان من حيث الحجم والطعم وحصدت المركز الأول في مهرجان الرمان الذي تشتهر به دركوش وأن أضيف زراعات ومحاصيل غير تقليدية للمنطقة وأخلق الجو المناسب لإنجاحها ولكن ظروف الحياة منعتني من إتمام دراستي ولكن لم تمنعني من إكمال حلمي وتجاربي الزراعية _إن صح التعبير _ حتى خرجت مؤخراً بفكرة زراعة الموز والذي تعتبر غير مألوفة زراعياً في مناطقنا لعدم توفر مقومات النجاح لها".
بداية الفكرة وترجمتها
لكل عمل يُراد من خلالها النجاح، لا بد من فقرتين أساسيتين، التصميم والرسم والفكرة ومن ثم التطبيق على الأرض، أمر باشر المزارع نعمان به منذ عدة سنوات حتى رأت فكرته النور، تحدى من خلالها واقعاً زراعياً فرض تقليداً واسعاً في الزراعات المحلية، وعن ذلك الأمر تحدث (نعمان) قائلاً: "بدأت بفكرتي بعد حصولي على عدة فسائل موز من أحد الأصدقاء الذي جلبها معه بصحبة فسائل مختلفة لمحاصيل محلية من خارج سوريا، وبدأت بالدراسة والبحث عما تحبه شجرة الموز حتى تؤتي أكلها، فوجدته ممثلاً بثلاثة أمور أساسية، وفرة المياه و خصوبة الأرض وأنواع أسمدة معينة، وعملت على توفيرها، وكانت النتيجة في المرة الأولى غير مرضية ولكن شيئاً فشيئاً وصل الأمر هذه السنة لحد الرضا وإحدى شجرات الموز طرحت عنقوداً يزن حوالي 30 كغ، وتبدأ زراعة الموز في الشهر الرابع وتحتاج من 6 إلى8 أشهر تقريباً لتصل لمرحلة الإنتاج في حال تم تأمين مناخها الاستوائي وتأمين الأسمدة وخاصةً العضوية منها، وينتج كل دونم واحد ما يقارب 3و 4 طن، وأنا أقوم بتجاربي وزراعتي في أرضي الخاصة بمساحة دونم واحد فقط"
وأضاف قريش " نبدأ باستخلاص الفسائل الصغيرة التي تنمو عادةً بجانب الغرسة الأم، ونضعها ضمن أكياس نايلونية لعدة أسابيع لتقوية جذورها ما يجعلها أقوى وفرصة ثباتها بالأرض وبالتالي نجاحها أكبر".
مثابرة واجتهاد رغم الصعوبات
يواظب المزارع نعمان العمل والتجارب والتهجين النباتي لإنجاح فكرته في زراعة موسم لم يسبقه إليه أحد للنهوض بالواقع الزراعي نحو الأفضل وتأمين اكتفاء ذاتي من ناتج محلي..
يعمل ويتعب بل ويشجع غيره لأتباع نهجه ولو ضمن مساحات زراعية صغيرة على هوامش الأراضي و "الحواكير" رغم صعوبات أجملها قريش بقوله" العنصران الأول والثاني لإنجاح زراعة الموز وهما وفرة المياه وخصوبة الأرض متوفران طبيعياً والحمد لله في دركوش بمعية نهر العاصي الذي يمر في أراضيها، ولكن تكمن الصعوبة في العنصر الثالث المتمثل بتأمين أنواع أسمدة لابد من استيرادها وهي غالية الثمن وصعبة المنال بالكميات المطلوبة، أضف إلى ذلك غلاء سعر طن السماد العضوي اللازم بشدة لزراعة الموز ونفس الشيء صعوبة تأمين ثمن أدوية بخ ومبيدات حشرية خاصة، يعني بالعموم الصعوبات تتمثل بقلة ذات اليد"
يناشد (قريش) المعنيين والمهتمين بالشأن الزراعي من خلال (أورينت نت) بدعمه بمشروعه الخاص ليتسنى له تطوير زراعة الموز ليغطي حاجة المحرر من الاستهلاك وبأسعار منافسة، وعدم الاقتصار على ذلك فحسب بل بتوفير كل المزروعات والمحاصيل لتكون المناطق المحررة جنة الله على أرضه، تتميز بتوازن سوق الإنتاج والاستهلاك بشكل ذاتي والجدير بالذكر أخيراً أن مدينة دركوش تبعد عن مدينة إدلب نحو 30 كم، وتعدّ من أشهر مدنه زراعياً وخاصةً بإنتاجها للرمان واللوزيات، وهي مدينة سياحية بامتياز يقصدها الزائرون من كل حدب وصوب.
التعليقات (0)