كشفت صحيفة لوموند الفرنسية أدلة جديدة حول الطرق والأساليب الوحشية التي اتبعتها ميليشيا أسد في التخلص من جثث عشرات آلاف الضحايا من المدنيين السوريين في مقابر جماعية بضواحي دمشق.
ونشرت الصحيفة تحقيقاً لها استندت فيها إلى شهادتين مع من وصفتهما بـ“بيدين صغيرتين” لآلة الموت السورية، وهما رجلان مقيمان في برلين بألمانيا، حيث كانا مسؤولين بتكليف من حكومة ميليشيا أسد عن دفن جثث الضحايا في أطراف دمشق.
عشرات آلاف الجثث سِيقت إلى مقابر جماعية
وقالت الصحيفة في تحقيقها إن القمع والتعذيب والقتل هي أمور يعرف نظام بشار الأسد كيف يقوم بها بفعالية، إذ لم يعد بحاجة إلى إثباتها منذ بداية الثورة في شهر مارس/آذار من عام 2011. لكن القتل ليس كافياً، بل يجب أيضاً التخلص من الجثث، التي هي دائماً مشكلة للأنظمة الشمولية، على الأقل مشكلة لوجستية.
وأوضحت “لوموند” أن الروايتين اللتين جمعتهما تُتيحان فهم الطريقة التي دفنت بها ميليشيا أسد سرّاً جثث عشرات الآلاف من الضحايا، الذين قُتلوا في السجون ومراكز الاستجواب أو في مظاهرات أو معارك أو ماتوا في المستشفى متأثرين بجراحهم، مشيرة إلى أنهم في الأساس مدنيون، وليسوا من المقاتلين المتمردين.
وتبيّن الصحيفة الفرنسية أن القصتين من عمل لاجئيْنِ سوريينِ استقرا في ألمانيا في منطقة برلين: الأول، الذي أطلقت عليه الصحيفة “حفار القبور” لأسباب أمنية، وصل عبر نهر الراين في عام 2018، وكانت وظيفته الإشراف على عمليات الدفن السرية في مقابر جماعية على رأس فريق صغير مكوّن من 15 عامل جنازة، حيث كانت وظيفته الإشراف على الدفن الجماعي السري من عام 2011 حتى نهاية عام 2017 وشاهد عشرات الآلاف من الجثث أمام عينيه.
أما الثاني فقد وصل إلى برلين في عام 2016 مع موجة كبيرة من اللاجئين، كان يقود جرافة، وكان مسؤولاً عن حفر المقابر الجماعية ودفع الجثث أحياناً داخلها. وقد مارس ذلك من صيف 2011 إلى صيف 2012، قبل أن يُسجن لأكثر من عام بقليل، وأطلقت عليه الصحيفة اسم "السائق".
وأشارت لوموند إلى أن الرجلين يعرفان بعضهما عن بُعد في دمشق، حيث كانا يعملان في نفس الموقع، لكنهما لم يلتقيا منذ أن عاشا في ألمانيا. ومع ذلك، فإن قصتيهما تتفقان وتكمّلان بعضهما بشكل مثالي.
سياسة عدم التخلّي عن الجثث على الفور
وقد أدلى أحد الرجلين بشهادته في المحاكمة التاريخية بكوبلنز في غرب ألمانيا، والتي أدّت في يناير/كانون الثاني الماضي إلى الحكم على العقيد السابق بأمن الدولة أنور رسلان بالسجن المؤبد بتهمة “جرائم ضد الإنسانية”، ومعه ضابط آخر هو إياد الغريب، والذي حُكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف. وتم القبض على الرجلين، اللذين كانا قد انتقلا إلى ألمانيا، بعد التعرّف إليهما من قبل سجناء سابقين في “الفرع 251”، أحد أكثر مراكز الاعتقال والتعذيب شراً لدى حكومة ميليشيا أسد.
ومضت “لوموند” إلى القول إنه منذ البداية، كان لدى حكومة ميليشيا أسد مسار عمل لن تنحرف عنه أبدًا، ويتمثل في عدم التخلي عن الجثث على الفور، موضحة أنه تم تطوير نظام الدفن “السائل” للجثث عن طريق التجربة والخطأ: في البداية، تم حفر القبور الفردية، لكن مع استمرار عدد القتلى في الارتفاع، بدأت تصل شاحنات مبرّدة طولها 16 متراً، ممتلئة بالجثث. فذات مرة كان هناك أكثر من 400 جثة دفعة واحدة، وكان لا بد من حفر مقابر جماعية، وفق الشهادتين.
شهادة صادمة لحفار القبور في الكونغرس
والشهر الماضي، فاجأ موظف سوري سابق بالبلدية يُعرف بـ"حفار القبور"، أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي حينما أكد لهم أن المقابر الجماعية لا تزال قيد الحفر في سوريا على يد ميليشيا أسد وأنها مليئة بالأبرياء، كما إن الأسوأ لم يأتِ بعد (في إشارة منه إلى مواصلة المجازر بحق المدنيين).
ووفقاً لموقع cnn الأمريكي، فإنّ (حفار القبور) كان يعمل موظفاً إدارياً في بلدية دمشق لكن في عام 2011 زار مسؤولو مخابرات ميليشيا أسد مكتبه وأمروه بالعمل معهم، مشيراً إلى أنه لم يستطع الرفض فعندما يطلب النظام شيئاً ما لا يمكن لأحد أن يقول لا.
وبيّن أنه تقريباً مرتين في كل أسبوع تصل ثلاث شاحنات مقطورة محملة بما يتراوح بين 300 و600 جثة لضحايا التعذيب والقصف والذبح، وتصل أيضاً ثلاث إلى أربع شاحنات صغيرة تحمل ما بين 30 إلى 40 جثة لمدنيين تم إعدامهم في سجن صيدنايا، وذلك للتخلص منهم بأكثر الطرق وحشية، حسب إفادته.
ولفت حفار القبور إلى أنه على معرفة بأن الكثيرين في هذه اللحظة بالذات يتعرضون للتعذيب اللاإنساني على يد ميليشيا أسد، وأنه يعلم جيداً المكان الذي تم تكديسهم فيه بمقابر جماعية، والتي لا تزال قيد الحفر حتى اليوم.
وذكر أنه في إحدى المرات أثناء عمله في مواقع المقابر الجماعية قام رجل أُلقي من الشاحنة مع جثث أخرى بحركة ما تدلّ على أنه لا يزال على قيد الحياة، عندها قال أحد العمال المدنيين وبدأ في البكاء: إنه يتعين علينا القيام بشيء ما، لكن ضباط المخابرات الذين يشرفون علينا أمروا سائق الجرافة بدعسه ولم يتردد السائق وإلا لكان التالي.
وتابع أنه على الرغم من أن مئات الآلاف قد قُتلوا واختفوا بالفعل ونزح الملايين إلا أن الأسوأ لم يأت بعد ويمكن منعه، راجياً أمام أعضاء الكونغرس ألا ينتظروا ثانية واحدة ويسرعوا باتخاذ إجراء ضد الأسد.
التعليقات (2)