حين تبحث السويداء عن صورة الوطن الجامع: اللجنة الوطنية هل هي صرخة في واد؟

في السويداء يغيب دور المثقف والمواطن العادي، ولا يظهر على السطح إلا من ولفته السلطة وبرمجت شكل حضوره.

ما ينقص محافظة السويداء، هو نفسه الذي ينقص كل سوريا اليوم: وجود أدوار للأحرار أصحاب الحق.. فالحر هو من يلتزم بهم الوطن وهم الإنسان فيه، ضمن رؤية تاريخية وحقيقية لا ترتهن لسلطة ولا لمصلحة..  والمقاوم الحر هو الذي تحرر من الإيديولوجيا  والفئوية ولا يشغله إلا ضرورات التغيير في زمن بات الحفاظ على إرث الاستبداد المجتمعي جريمة.  

السلطات أدركت ذلك فحرصت على أن تزجّ كل ما هو معوّق من شعارات وغوغائية وعقائدية في طريقنا.. إلى درجة أن المشهد المتكرر منذ عقد ونيف هو تصدر كل العتيق والمعوق والمعقد، والعمل على قتل الروح التي تنتقد حتى على استحياء!

في السويداء لا سلطة لثقافة ولا وجود لثقافة الحرية. كل ما هو موجود على الساحة الداخلية اليوم بعض البعثيين الذين لم يُفطموا بعد عن رضاعة المنطلقات النظرية، والحبو في مداجن السلطة. وأما الموظف فلقد بقي معلقاً بين خوف من فصل وارتهان تتقاذفه قوة الأمر الواقع  فيبقى متأرجحاً، لا يظهر أبداً أي وعي معلن وعام ومنظم. 

باقي الشعب تسمرّ منتظراً نضالاً عادلاً يُعيد الأمور إلى نصابها. فللشعب السوري قضية، هي قضية حياة ووجود يتهدد الكيان العام، ولا يمكن أن تقاوم أي منطقة في سوريا منفصلة عن الكل الجامع، ولن تتحرر سوريا إلا إذا تحررت سوريا وكل السوريين. 

ما يحدث الآن هو إدراك القوى والمبادرات التي تحمل بعضاً من الوعي، أن عملاً دؤوباً تقوم به الجهات الأمنية والسلطوية للنظام، يهدف – وعلى الأخص في السويداء- لتضييق الانتماء بحيث لا يبقى مكون وذهنية طائفية أو دينية أو عشائرية إلا ويعمل على  تقويتها، الأمر الذي يشير أن كل ذلك متعلق بوجود سوريا أولا، وينبغي إذاً أن تجتمع القوى والتنظيمات لتتباحث في مشتركاتها وجوامعها وروابطها كي لا تتفكك سوريا، والعمل على رسم الطريق على أسس حداثوية قائمة على دولة الديقراطية والمواطنة والحريات. 

الحق السوري ليس حقاً تفاوضياً بل هو حق طبيعي وفعلي ومشروع، في مواجهة النظام الذي قتل وهجّر وفكك ودعم كل قوى الظلام والتخريب. تلك فحوى وأساس ما دعت إليه (اللجنة الوطنية) في الجلسة الأولى التي عُقدت في شهر نيسان الماضي.. ثم تمت متابعة أفكارها وتوصياتها.  

الجلسة كانت أقرب لمؤتمر تأسيسي تكلمَ ممثل عن كل تجمع أو تنظيم أو مبادرة، وسبق ذلك بيان اللجنة الوطنية وتأسيساً عليه تم استمزاج الشعور العام. 

أغلب المكونات تدرك أنه لا يمكن أن تتفرد أي منطقة بحل أزمتها، وأن كل الحلول تبدأ من قضية سوريا الوطن الجامع وتصب فيه، الواقع معقد على كل المستويات ويتطلب اجتراع وسائل للتحريك.. إذ لا ضامن لمتابعة النضال وتحقيق مشروع الدولة الوطنية إلا الحوار السوري  السوري 

النظام عمل على تشتيت العمل المشترك واستطاع تحويل المناطق السورية إلى مجتمعات مغلقة على مشاكلها وعليه تؤجل الاختلافات  الفكرية وبشكل طارئ وملح، يجب التركيز على كل ما يجمع.

في السويداء المعضلة الاجتماعية والأخلاقية المتمثلة في انتشار فوضى السلاح والمخدرات وإثارة النزعات العشائرية والعائلية ورعاية العصابات عمل استخباراتي. تفكيك الأزمة إلى عناصرها الأولى طريق للقضاء عليها، وعندما تناول السجال لوجستيات المقاومة، تبين أن المعضلة كبيرة وجداً، إذ لايمكن أن تكون المقاومة إلا سلمية وعبر التوعية وفعاليات الإعلام.. والتوعية والتمكين والحوار حتى مع أطراف النزاع، لأن الأمر يحتاج إلى مزيد من ممارسة السياسة والحوار. وعندما تعطي كل الطرق السلمية نتائج سلبية يمكن حينها النزول إلى الشارع بمطالب متدرجة السقوف! 

وفي الجلسة الثانية المنعقدة في بداية الأسبوع الثالث من حزيران/ يونيو الماضي، تابعت اللجنة الوطنية عزمها على تحويل ماتمّ الاتفاق عليه إلى ممارسة منظمة تقوم بها لجان متابعة على كل مستوى.  

على مايبدو يجاهد المثقف بكل الطرق السلمية، ولكن صوت الحوار خافت وسط لعلعلة السلاح اليومي، وضوضاء التوجهات المختلفة للعصابات، إذا تعددت بتعدد الأفرع والقنوات الأمنية وتحولت إلى عقدة عضال، تتطلب أن يكون المثقف أوسع حيلة، وأكثر عزماً على المواجهة التي لابد منها، عاجلاً... أو آجلاً.