رواية "كالييا" لآسين شلهوب: معاناة المرأة مع صور التحرر الكاذب في المجتمع اللبناني!

رواية "كالييا" لآسين شلهوب: معاناة المرأة مع صور التحرر الكاذب في المجتمع اللبناني!

من المهامّ النبيلة للأدب الغوصُ في عوالم النفس البشرية، تحريكُ الراكد فيها، التلاحم معها، وأحياناً المضي في رأب تصدعاتها، ومن المؤكد أنّ أعمالًا أدبية وفنية قليلة استطاعت الالتزام والإلمام بهذه المهمة، كما إنّ هناك كثيرًا من الأعمال التي أخذت شكل محاولات، نهجت هذا الدرب؛ لتكون مرآة لدواخل الإنسان، فمنها ما نجح أيضاً ومنها من كان عبارة عن كلمات مرصوفة ضمن كتاب.

في رواية "كالييا" التي صدرت مؤخرًا عن دار (عشتار) استطاعت الكاتبة "آسين شلهوب" ملامسة دواخل قرّائها، من خلال توليفة ارتكزت على معالجة وضع المرأة في مجتمعنا الشرقي، فأبرزت -ومنذ البداية- حالة الظلم والاضطهاد التي تتعرض لها المرأة، ونظرة المجتمع ومحاولاته تحييدها، وتسليعها أحيانًا؛ لتكون شيئًا يُمتلك، فقد قام هذا العمل بإظهار هذه القضية إلى العلن من خلال قصة قد تكون حقيقية أو ربما متخيَّلة، ومن خلال أحداث الرواية يستطيع القارىء استشفاف حلول لحالة يعايشها ربما تتقاطع مع حياة إحدى الشخوص في الرواية.

"تمرّ السنوات وأكتشف أنّ ردة فعلهم على جوابي باسم الأم وليس باسم الأب، نابعة من اعتقادهم الراسخ أن الأم مجرد امرأة لا يُنسب إليها شيء أو أحد؛ بل هي من تُنسب وتُلحق وتُجرّ حتى الذوبان في عالم لا ينظر إليها كإنسان بل مجرد أسيرة في عالمهم."

أكذوبة تحرر المجتمع اللبناني

تتناول الرواية حياة المرأة في المجتمع اللبناني الذي قد نراه متحررًا بعض الشيء إذا ما قارنّاه بباقي المجتمعات العربية، لكن هذه الرؤية تفنّدها الروائية وبطلتها المهزومة "كالييا" التي حاولت سلوك درب الخلاص من عجزها عن التعبير عن مشاعرها ورغباتها المكبوتة، متطلّعة للوصول يوماً إلى مواجهة مخاوفها التي فرضتها عليها التربية والبيئة والمجتمع.

كما لم تعش "كالييا" وحدها حالة قسوة المحيط، بل كانت النسوة من حولها يعشنَ الحالة نفسها، وهذا يوحي بأنّ القضية ليست تفصيلًا نادراً وضعت الكاتبة يدها عليه، بل هي ظاهرة وقضية مجتمعات كاملة. 

ومن خلال إبراز أو إعادة تسليط الضوء على هذه الحالة التي أرادت الكاتبة التشارك فيها مع عدد كبير من نساء مجتمعنا الشرقي؛ لتسرد حكايتهن، نجد أنفسنا أمام مقولة أنّ الأدب ابن القضايا الكبيرة. 

"يا لك من امرأة مثيرة للشفقة، ها أنت مهرولة لملاقاة زوج والدتك المصون وتخافين أن تتأخري، أنت خائفة دوماً من كل شيء حتى سيطر الخوف عليك وبتّ مجردة من حق المواجهة والاعتراض، تتنازلين كل يوم أكثر عن ذلك الحق حتى أصبحت لا تساوين شيئًا من دون وجود الآخرين الذين يُملون عليك ما يجب أن تفعلي وتنجزي".

العشيق الموسيقي والزوج الخائن!  

تدخل الموسيقى حياة "كالييا" بمحض الصدفة عندما ينتقل عازف البيانو "رايين" إلى الشقة المقابلة لشقتها فتنتعش روحها وتفتح أمامها آفاقاً ظنتها بعيدة المنال فيزداد شغفها بالحياة وتسعى لتغيير سلوكها في سبيل أن تلفح وجهها نسائم الحرية.

بشغف وحب كبيرين تقع "كالييا" في غرام "رايين"، فهي تجد فيه الرجل المثالي، فيحاول وضع قدميها على درب التحرر والاستقلال بذاتها. بكثير من الخوف والتردد، وعلى الرغم من التحذيرات المستمرة لابن عمها "سامي"، تخطو "كالييا" في هذا الدرب متوجسة من ردة فعل زوجها الذي يخونها على العلن ويعاملها بقسوة وازدراء، وعلى الرغم من اتهامات الآخرين لها بسوء الأخلاق، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى حرمانها من ابنتها.

"تمتزج الأنغام بالهواء وتلتصق بكيانها، تتنشقها، ترفعها إلى حيث يختفي الوجود وتندفع الدموع إلى عينيها، يختلط الألم في داخلها بالنشوة ويترنح رأسها، ما زالت الموسيقى تلتقط روحها لتسمو بها إلى الأعلى، إلى الانعتاق…. يكمل تمارينه وهي على يقين بأنه حين يعزف ينتقل إلى عالم آخر بعيد، لا تستطيع أن تطاله ولن تكون جزءًا منه يومًا، يحزنها تفكيرها هذا ويزيد من قنوطها".

لغة غير مُفرِطة بالشاعرية 

لم تركّز الكاتبة على الفكرة وطريقة إيصالها وحسب، بل عملت أيضاً على خلق لغة جميلة خالية من التكلّف، وفي الوقت نفسه لم تكن سطحية أو موغلة في الشاعرية المُفرِطة، بل توجّهت إلى الخوض في السرد الحكائي بضمير الغائب، لتُظهر إلماماً واسعاً بطرحها. 

وفي عرضها للأحداث والشخصيات، تركت "آسين" المجال مفتوحًا أمام القارئ للاكتشاف، فلم تقع في فخ الإسهاب والتقريرية، فعندما يلج القارئ بداية الرواية يتلمّس ببطء ويؤوّل الأحداث ويرسم الشخصيات بخياله، وهذا يعتبر من أهم تقنيات السرد التي يغفل عنها بعض الكتّاب.

إضافة لذلك وبما أنّ الكاتبة تحمل البكالوريوس في علم النفس فقد بدا توغلها داخل النفس البشرية مدروسًا حيث استعرضت المآزق التي تختلج داخلها والصراعات التي تنشب، بكثير من الوصف المادي وكثير من الفوضى والتناقضات التي تُبنى عليها النفس، وقد يبتعد معظم الكتّاب عن استعراض هذه التناقضات أو الخوض فيها، ظنًا أنها تشتّت القارئ أو تُدخله في عمق حالة فلسفية غير مفهومة، لكن في رواية "كالييا" على العكس، كانت الفلسفة اليومية التي نعيشها ونتعايش معها؛ حاضرة بوضوح أحيانًا وبشكل غير مباشر أحيانًا أخرى.

"أنا حزينة يا خالتي.. حزينة على نفسي وما آلت إليه حياتي، وكأن للدنيا متعة بإيذائي وللزمن ثأر قديم يحاسبني عليه يومًا بعد الآخر، لا أجرؤ على فعل شيء، والدنيا تفعل بي ما تشاء، تعبت أنا من السير على هامشها، هذه الدنيا تنتقي البعض لتحبّهم وتكرمهم…. فيما تعلّق آخرين على هامشها وتتجاهلهم، تتسلّى بنا وتكيل لنا الضربات الموجعة… ألهث وراءها فيما هي تُمعن في تجاهلي، أطلب فرصة واحدة لأحيا، ولكن لعلّ الفرص كالاحترام لا تُطلب بل تؤخذ."

عن الرواية والروائية

كالييا: جاءت الرواية في 294 صفحة من القطع المتوسط وهي صادرة عن دار عشتار للثقافة والنشر والتوزيع في كندا

آسين شلهوب: كاتبة لبنانية كندية، حاصلة على البكالوريوس في علم النفس من الجامعة اللبنانية، عملت في مجال التعليم في المدارس اللبنانية والكندية.

التعليقات (1)

    Silva Sudan

    ·منذ سنة 5 أشهر
    رواية عميقة وفندت ب الفعل المسكوت عنه ومعاناه المرأة التي تعيش واقع صعب بيتم اقصاءه وتجريده تماما من حريتها وتكبيلها ب قيود اجتماعية عادات وتقاليد سيئة جدا ويتم تمرير أجندة المجتمع والأسره وخنقها ب يد من حديد واختزالها على اساس انها مجرد أداه متعه جنسية وآله إنجاب للمجتمع الذكوري المتسلط وتعكس انها لاتمتلك اي حرية شخصية وللأسف لعدم وعي الإنسان الشرقي المؤدلج ب عاداته وتقاليده التي تكبل وتضطهد المرأه وتكون مجرد جسد ليس.... رائي الخاص المرأه انسان لها شخصيتها المستقلة تمتلك رؤى وأفكار ومفاهيم وعقل ولابد من كل المجتمعات المستنيره والحداثويه ساسه ومثقفين ومنظمات المجتمع المدني من العمل على تفكيك بنيه المجتمع الذكوري ونشر ثقافة احترام الجندر وقضاياه تساهم في وعي مجتمعاتنا واحترام المرأة. وان تضمن في كل دوله حول العالم ب التوقيع على اتفاقية سيدو حفاظا على حقوقهم...
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات