نظمت مكتبة (ناكجا) المتخصصة بالثقافة الفارسية في باريس، أمسية أدبية يوم السبت 10 تموز، مخصصة للحديث عن الشاعر الإيراني العظيم أحمد شاملو، استضافت خلالها الشاعر السوري أدونيس، للحديث عن ذكرياته مع شاملو، وللحديث عن قراءاته وتأملاته في نصوص هذا الشاعر المميز، الذي ترك بصمته الخاصة في تاريخ الشعر الفارسي.
ذكرى شاعر متعجرف!
حتى لو وضعتُ موقف أدونيس من النظام السوري جانباً، فقد ترددتُ في حضور هذه الأمسية، لأنه سبق لي وحضرتُ له أمسية أدبية واحدة فقط لأدونيس، أعتقد أنها كانت سنة 2003 أو 2004 كانت في طرطوس، بمناسبة افتتاح فرع لجمعية العاديات الثقافية في المدينة، و قد قرر القائمون على الجمعية افتتاح أنشطتهم الثقافية بأمسية لأدونيس، و أذكر أن أسلوبه في الكلام كان متعجرفاً جدا، ومملاً لدرجة كبيرة، فضلاً عن تكراره لكلمات كان قد قالها كثيراً في كتبه، لكن إعجابي الشخصي به حينها باعتباره أحد المجددين في الخطاب الشعري، جعلني أُرجع الأمر لضيق الوقت، ربما في التجهيز للمناسبة، أو لأنها فقط مجرد افتتاح أنشطة جمعية، وبالتالي ليس المكان المناسب لطرح أفكار جديدة (هكذا فكرت وقتها وبكل قلب طيب)
لكن بكل الأحوال، ولأني أعشق شعر شاملو، ولأني حالياً في مرحلة دراسة الأدب الفارسي، فقد قررت أن أتحمل رؤية هذا الشاعر المتعجرف، كي أسمعه للمرة الأولى يتكلم بالفرنسية، وقلت ربما سيسرد حكايا شخصية مهمة تخص صداقته مع الرائع شاملو، أو ربما يقدم طريقة مختلفة وجديدة في قراءة هذا الشاعر، وهو المعروف (على أساس) بقراءاته الشعرية المختلفة والفريدة!
كيف ترجم سان جون بيرس؟!
بعد مقدمة طويلة بالفرنسية للمشرف على اللقاء، خصصها للحديث عن عظمة أدونيس وشعره ومكانته العالمية، لم يتطرق بها أبداً إلى شاملو، جاء دور أدونيس، وهنا جهزت نفسي لأسمع أدونيس بالفرنسي، وكلي توقع أن تكون لغته شاعرية فخمة، بمستوى شاعر يعيش بباريس منذ عقود، وتصدى لترجمة سان جون بيرس بكل ما في تعقيدات من لغة بيرس، وإذا بي أسمع بضع جمل من فرنسية مهلهلة، ليتابع بعدها بالعربية؟!
صراحة حاولت أن أجد تفسيراً لكلام أدونيس بالعربية، أمام جمهور أكثر من نصفه متحدث للفرنسية، والنصف الآخر بالفارسية، فلماذا لا يلقي المحاضرة فوراً بالفرنسية، وخاصة أن هناك ترجمة لاحقة ستتم للفارسية، لأكتشف سبباً لم يكن ليخطر ببالي أبداً، وهو أن أدونيس لا يتحدث الفرنسية بشكل يسمح له بإلقاء محاضرة أدبية (وهذا ما أكده لاحقاً أحد المثقفين السوريين الذين يعيشون في فرنسا منذ فترة طويلة ويتحدث بطلاقة لهذه اللغة)
هذا الشاعر الذي نصّب نفسه كجسر بين الثقافتين العربية والفرنسية وترجم سان جون بيرس، لا يتحدث الفرنسية بشكل جيد؟ هل هناك فضيحة أكبر من هذا؟!
هنا تذكرت مقالة كنت قرأتها سابقا عن ترجمة أدونيس لبيرس، فعدت لها كي تتضح الأمور أكثر، فقد ذكر الكاتب المغربي حسن سرحان في جريدة القدس بتاريخ ١ تموز ٢٠١٦ ، أن ترجمة أدونيس لبيرس جاءت بلا مقدمة يشرح بها الكاتب طريقة عمله واختياره للكلمات، أو حتى للصعوبات التي واجهها أثناء ترجمة نص صعب ومعقد كنص بيرس، بل وأكد في نهاية مقالته هذه، أن الترجمة جاءت أقرب للغة أدونيس من لغة بيرس، وحاول أيضا الكاتب إيجاد مبرر لهذه الظاهرة، ربما أعذر الكاتب عن بحثه لهذه المبررات، لأن السبب الحقيقي لغياب المقدمة ولقرب اللغة من لغة أدونيس، لم يكن ليخطر على بال الكاتب، وهي أن أدونيس لم يفهم أصلا “بيرس” كي ينقل روحه الشعرية إلى العربية، ولم يذكر طريقة عمله بمقدمة كما جرت العادة لأنه لا وجود لآلية العمل هذه ولا للصعوبات، بل جاءت الترجمة على مبدأ (هات إيدك والحقني ) ثم حررها أدونيس كما يريد فجاءت بعيدة عن لغة النص الأصلي
لا معرفة شخصية ولا معرفة شعرية!
وعودة إلى موضوع المقالة الأساسي، وبعد تجاوزي لصدمة حاجة أدونيس لمترجم للفرنسية، قلت لنفسي لأستمع إذن لذكرياته مع شاملو، لكنني اكتشفت - وكما ذكر أدونيس نفسه- أنه لا ذكريات له مع هذا الشاعر الإيراني، وأنه التقاه مرة واحدة في حياته، وأثناءها التقط الصورة اليتيمة معه، مع أن إعلان هذه الأمسية تعطي إحساساً أن هناك صداقة عميقة قد ربطت بين الرجلين!
مرة أخرى لا بأس، ليس مهما الصداقة الشخصية، لأنتظر ماذا سيقول أدونيس عن شعر شاملو، وكيف ينظر إلى نصوصه، فلا يتأخر أدونيس بالرد ويقول بعربية واضحة إنه ليس لديه معرفة شاملة أو معمقة بشاملو؟
نعم؟
- يعني لا معرفة شخصية، ولا شعرية بهذا الشاعر، وتأتي لتلقي أمسية أدبية عنه؟ أي تبحج واستهانة بجمهور الحضور إذن؟!
ولم أكد أستوعب الصدمة الثالثة أو الرابعة هذه (لم أعد أستطع عد الصدمات لهذه الأمسية الأدبية الجليلة) إلا وتأتي الصدمة الأكبر، وهي تكرار أدونيس، وبلا أي داعٍ لنفس الجمل التي قالها في طرطوس منذ عشرين عام تقريباً، حول أن الشعر سؤال والدين جواب، وأن الشعر والدين لا يلتقيان!
نفس الجمل حرفيا، وبلا أي سياق لا في المرة الأولى ولا الثانية، هل نحن أمام إفلاس مزمن.. أم فضيحة مكتملة الأركان؟!
ثم يُطلب من أدونيس قراءة بعض نصوص شاملو، فيقرأ نصاً واحداً وبالعربية، من بضعة سطور، أعتقد هي ما توافر له من شعر شاملو المترجم للعربية عبر النت، و لتكتمل السخرية أكثر، فإن المترجمة الفارسية اختارت لاحقاً نصاً آخر للترجمة، لأنه يعبر أكثر عن شاملو، في إشارة واضحة أن أدونيس لم يحسن اختيار النص الأنسب .
ظاهرة الفقاعة الأدونيسية
هنا يحق لنا طرح آلاف الأسئلة عن الحالة الثقافية، ليس في عالمنا العربي فقط بل في العالم كله، لماذا تختار مكتبة مختصة بالأدب الفارسي شاعراً لا يعرف و لم يقرأ شاملو ليتحدث عنه، هل من قلة المختصين بهذا الشاعر على كثرتهم؟كيف سمحنا بعالمنا العربي أن تكون نافذتنا الشعرية على شاعر فرنسي متل بيرس تمر من شاعر لا يتقن هذه اللغة أكثر من أهلها، وكيف سمحنا لأن تكون ترجمته لنصوص هذا الشاعر، هي الأشهر، بالرغم من وجود عشرات المترجمين الأكفاء عن الفرنسية.
وربما السؤال الأهم، من أين تأتي قيمة أدونيس، وهو الجاهل الفارغ ثقافياً، لدرجة تكراره لنفس الكلمات في محاضرتين يفصل بينهما ٢٠ عاماً.
وهنا لا نتحدث عن أدونيس من الناحية الأخلاقية، فكلنا يعرف أنه لا يملك منها شيئاً، وإنما من ناحية القيمة الثقافية فقط، فهناك الكثير من المثقفين الذين اختلفنا معهم سياسياً وأخلاقيا، لكننا لا نستطيع إلا الإقرار بأهميتهم الثقافية، أتحدث هنا مثلا عن المترجم المميز صالح علماني، الذي ترجم العديد من الروايات الإسبانية بشكل ممتاز، أو عن الكثير من رموز الدراما السورية الذين وقفوا مع النظام لكن لا ينكر تاريخهم الفني كأمل عرفة، لكن هنا نتحدث عن إنسان فارغ ثقافياً، لكنه موجود ومفروض على الساحة، فالسؤال يطرح نفسه وبقوة، كيف فُرض ومن فرضه وسوّقه؟ ولماذا فُرض رغم أنه لا يملك أي من مقومات هذا الوجود الكبير الذي يشغله ظاهرياً على الساحة الفكرية.
التعليقات (38)