لم يمضِ عام واحد على زواج (رهف. ط) (20 عاماً) وهي نازحة من إحدى قرى شرق إدلب، ومقيمة في مخيمات دير حسان الحدودية، حتى اضطُرت لطلب الطلاق من ابن عمها الذي يكبرها بفارق كبير والذي تزوّجها تحت مسمى "الحيار"، لتكون بذلك ضحية العُرف والعادات والتقاليد المجتمعية.
ويُعرف زواج الحيار بحجز الشاب ابنة عمه منذ طفولتها أو ولادتها، ويتم عبر قطع والد الفتاة وعداً على نفسه بتزويجها له عند بلوغها، وغالباً ما يتم هذا الزواج بالإكراه ودون استشارة صاحبة العلاقة والرجوع إلى رأيها.
تقول رهف إنها وجدت نفسها مُجبرة على الزواج من ابن عمها الذي قام " بتحييرها" منذ أكثر من عشر سنوات، وهو ما دفعها للقبول بهذه الزيجة في ظل عدم وجود خيارات متاحة أمامها فإما أن "أقبل بالزواج من ابن عمي، أو أن أبقى دون زواج حتى آخر عمري"، وهو ما يقتضيه العرف على الفتيات اللواتي يرفضن الامتثال لهذه العادات.
وتضيف أنها اضطُرت لاتخاذ قرار الطلاق نتيجة فوارق العمر الكبيرة بينهما من جهة، وتعرّضها لتعنيف جسدي ولفظي مستمر من زوجها بسبب حالة عدم التفاهم ووصولهما لطريق وصفته "بالمسدود" من جهة أخرى، ما أفضى لطلاقها بعد نحو عشرة أشهر من "زواجها البائس"، كما وصفته.
وتشير الشابة إلى أنها تعاني الآن من النظرة الدونية والألفاظ المجتمعية التي لا ترحم المطلقة أو الأرملة، حيث إن العادات المجتمعية لا تزال تلاحقها في أدق حركاتها، علماً أن هذه الأحكام دمرت حياتها وسلبت مستقبلها وحلمها في تكوين أسرة وأطفال ككل الفتيات والنساء.
وينتشر عُرف "زواج الحيار" في بعض المجتمعات التي تأخذ الطابع العشائري في محافظة إدلب وخاصة المناطق الشرقية منها، وهو عرف متوارَث منذ عقود من الزمن، ويجبر الفتيات على الزواج من أبناء العمومة وفقاً للمثل القائل "زواجك من ابن عمك أحسن لكِ من الغريب".
ولا يوجد إحصائية رسمية أو موثّقة لعدد ضحايا هذه الظاهرة، ولكن من خلال ما تم رصده لأورينت عبر مصادر محلية، هناك حوالي 15 حالة سُجّلت خلال السنوات الأخيرة لفتيات رُحنَ ضحية هذا العرف في عدة مناطق بريفي إدلب وحماة.
“عُرف لا يَرحم”
وعلى مقربة من مخيمات بلدة أطمة شمال إدلب، تعيش رائدة. ص (27 عاماً) برفقة أهلها الذين منعوها من الزواج بعد أن رفضت زواجها من ابن عمها الذي "حيّرها" مستغلاً العُرف لمنعها من الزواج بغيره.
تقول رائدة إن ابن عمها تزوّج منذ سنتين بعد رفضها الزواج منه، إلا أنها بقيت هي دون زواج بموجب العادات والتقاليد التي تندرج تحت هذا العُرف، والتي تمنع زواجها من رجل آخر، حيث إن والدها رفض تزويجها من العديد من الشبان الذين تقدّموا لخطبتها.
ولا تُخفي الشابة الضغوط النفسية والاجتماعية التي تمارَس عليها من ذويها والمجتمع المحيط لإجبارها على الموافقة على فكرة الزواج من ابن عمها، إلا "أنني لا زلت متمسكة برأيي وموقفي ولو بقيت طيلة حياتي دون زواج".
"مجتمع ظالم وعُرف لا يَرحم" بهذه الكلمات تعبّر رائدة عن حظّها العاثر، مضيفةً أن المرأة في المجتمع المحلي الذكوري، مهمَّشة ولا حقوق لها حتى تقرير مصيرها أو حقها المشروع في اختيار شريك حياتها.
وأضافت أن معظم الفتيات في مجتمعها تنطلي عليهنّ ذات الأعراف، في حين تلجأ بعضهن للهروب أو الانتحار أو البقاء دون زواج كحالتها تماماً.
ومع امتداد رقعة حرب نظام أسد على الشعب في سوريا، وما خلّفته من نزوح آلاف العوائل السورية، وتجمعهم في مخيمات الشمال السوري، الذي بات يكتظ بآلاف الخيام المتلاصقة على الحدود السورية التركية، كان للفتيات العبء الأكبر من التهجير والنزوح، خاصة حين يُجبَرن على الزواج نتيجة الكثافة السكانية الكبيرة في المخيمات وذلك لحمايتهنّ من عدة مخاطر.
من جانبها ترى خلود الأمين (38 عاماً) وهي مرشدة نفسية واجتماعية مقيمة في إدلب أن هذه الزيجات غير صحيحة، خاصة أنها تحصل بالإكراه عبر شروط وأحكام تضع الفتاة أمام خيارات صعبة تمنعها من تقرير مصيرها وتحديد زوجها المستقبلي.
وأضافت أن مثل هذه الأعراف والتقاليد تضع المتضررات منها بمشاكل اجتماعية ونفسية صعبة أبرزها التوحّد والاكتئاب والعزلة التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى الانتحار نتيجة العوامل النفسية المضطربة التي تمر بها الفتيات اللاتي تُفرض عليهنّ مثل هذه الزيجات.
وتشير الأمين إلى أن تكثيف الجهود في مراكز تمكين المرأة وتنظيم حملات توعوية تحذّر من مخاطر هذه الظواهر، من شأنها الحد بشكل كبير من انتشارها في مجتمعات محافظة إدلب.
التعليقات (17)