يقول الله تعالى في القرآن الكريم "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ"، ووفق كتب التفسير فإن المقصود بالآية الكريمة هو الكعبة الموجودة في مكة المكرمة التي أمر الله ببنائها لتكون بيتاً للعبادة، إلا أن هناك كعبات بُنيت بأوامر من البشر.
وكانت هذه الكعبات، تشهد طقوسا متشابهة إلى حد ما في العصر الجاهلي، فقد كان المؤمنون بكل كعبة يحجون إليها ويقدمون القرابين إلى الأصنام المنتصبة أمامها معتقدين أنها بيت الله على الأرض، ويدعون أمامها ويطوفون حولها أيضا، فما هي أبرزها:
كعبة ريام صنعاء
توجد في صنعاء في اليمن وتعرف باسم رئام وخصصها أهل حمير لأنفسهم حيث كانوا يقدمون القرابين ويطوفون حولها، وقال ابن إسحاق في شأنها "وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يُقال له رئام، كانوا يعظمونه" ويتقربون لله عنده بالذبائح، وكان يُطاف به كذلك، وهو قولٌ أكده ابن هشام في سيرته، ووهب بن منبه داخل كتابه "التيجان في ملوك حمير".
كعبة “ذو الخلصة”
في منطقة جبال بيشة بالحجاز سراة الواقعة بين مكة واليمن أسست قبائل "جثعم ودوس وبجيلة" وباقي سكان "تبالة" كعبة للإله ذي الخلصة، والذي كان على شكل صخرة بيضاء وصفها هشام بن السائب في كتابه "الأصنام"، وكان هذا الصنم موجوداً حتى السنة الـ 10 للهجرة، إلى أن وصل جرير بن عبدالله البجلي بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بهدم هذه الأصنام، أما الكعبة فتحولت إلى مسجد في القرن الثالث الهجري كما يذكر ياقوت الحموي.
كعبة أهالي تهامة
في منطقة تهامة الواقعة في شبه الجزيرة العربية قرر أفراد قبائل إياد تأسيس كعبة لعبادة آلهتهم، لكن حروبهم مع قبيلتي مضر وربيعة جعلتهم يرحلون ويؤسسون كعبة أخرى لهم بين الكوفة والبصرة ثم اعتنقوا المسيحية ومنها إلى الإسلام.
كعبة بكر وتغلب
أسست قبائل بكر وتغلب في شبه الجزيرة العربية كعبة اشتهرت باسم "ذو الكعبات" وقال فيها أعشى بني قيس بيتاً شعرياً "بين الخورنق والسدير وبارق .. والبيت ذي الكعبات من سنداد".
كعبة رضاء
في شبه الجزيرة العربية أسس بنو ربيعة بن كعب بيتاً لهم سموه "رضاء"، وظل موجوداً حتى هدمه المستوغر بن ربيعة بن كعب وقال حين سواها بالأرض "ولقد شددت على رضاء شدة .. فتركتها قفراً بقاع أسحما".
كعبة العُزى
قدّس العرب في الجاهلية الإله العُزَى حتى أسسوا له كعبة عُرِفت باسم كعبة سقام، وقد ظلت موجودة حتى هُدِمت على يد خالد بن الوليد.
كعبة اللات
في الطائف أسس العرب كعبة لصنم اللات أطلقوا عليه اسم "بيت الربة"، ووفق ما يذكره المؤرخون فكان لهذا البيت كسوة السدانة لآل أبي العاص بن أبي يسار بن مالك ولبني عتّاب بن مالك، وكلاهما أسرتان ثريتان من ثقيف، وكان له أيضاً وادياً يُدعى "حَرَم الربة"، لا يُقطع شجره ولا يصاد حيوانه ومن دخله فهو آمن.
وتقول الروايات إن ثقيف امتنعت عن نُصرة كعبة مكة إبان حملة أبرهة عليها، وإنما أرسلت إليه من يدله على مكانها، وبعد فتح مكة أرسل الرسول المغيرة بن شعبة وأبا سفيان إليه لهدمه، وبعد ذلك بزمن أقيم في موضعه مسجد الطائف.
كعبة نجران
في جنوب غرب المملكة العربية السعودية وبالقرب من الحدود مع اليمن، أسس مسيحو نجران كنيسة اعتبرها العرب كعبة وحجوا إليها قبل نزول الوحي بـ 40 سنة، وكانت مكسوة من الجلد وقد هُدِمت بعد فتح مكة.
جاء تشييد كعبة نجران عند قمة جبل تصلال وقد بناها عبد المدان بن الديان الحارثي، على طراز كعبة مكة.
كعبة وادي القرى
أسس سليم بن أسد كبير قبيلة غطفان، كعبة سماها على اسم قبيلته وقلد فيها كعبة مكة، حيث جعل حولها بئراً سماها بئر زمزم، وجعل في جوفها حجراً أبيض، وعظّمها بنو غطفان حتى دخلوا الإسلام ثم قام خالد بن الوليد بهدمها.
بناها سليم بن أسد، سيد غطفان، حول بئر ووضع بها حجرا أبيض ادعى أنه سقط من السماء، وعبدها قومه وكانوا يطوفون حوله عدة مرات، ومع ظهور الإسلام ودخول غطفان فيه، هدمها خالد بن الوليد.
-webp.webp)
كعبة أبرهة
باتت كعبة أبرهة تعرف باسم غرقة القليس، وقد أسسها أبرهة لتكون هي الكنيسة التي يحج إليها العرب بدلا من الكعبة، ومات أبرهة وبقيت هي حتى تعرضت للتخريب على مدار الزمان إلى أن دخلت سنة 1976 م إلى حيز التطوير في اليمن، والمفارقة أنها لا زالت موجودة حتى اليوم وهي حالياً عبارة عن مكبّ للقمامة.
وتشير بعض الدراسات إلى أن شبه الجزيرة العربية كان بها قرابة 24 كعبة بنيت في أزمنة مختلفة قبل الإسلام، وبعد البعثة المحمدية ودخول العرب في الإسلام، اندثرت أغلب هذه المباني ونسيها أصحابها بعدما تحولت إلى أطلال، إلا أن بعضها ظل صامدا كأثر تاريخي.
ومن بين هذه الكعبات، ”كعبة بيت الأقيصر” بالقرب من الشام وكانت تحج إليها قبائل قضاعة ولخم وجذام وعاملة، و”كعبة شداد” الخاصة بقبائل إياد في تهامة وظلت قائمة حتى اعتنقوا المسيحية ثم دخلوا في الإسلام، بخلاف كعبة “القليس” التي بناها أبرهة الأشرم في اليمن، وكعبة الربة لبني ثقيف (ويوجد مكانها اليوم مسجد في الطائف) وكعبة ذي الشري (خاصة بالأنباط).
التعليقات (4)